q

الطريق الاسلم امام الحكومة العراقية هو العمل باتجاه الاصلاح بمعاونة وتأييد الجمهور المستمر بتظاهراته منذ نهاية تموز 2015 والمطالب بالإصلاح ووضع حد لدينامية الفساد وهدر المال العام. وهنا نكون امام "خطة تغيير واصلاح من داخل النظام بتأييد الجمهور".

في بلدنا وعلى مدى المرحلة بعد 2003 عادة ما تُجهد الانظار بحثا عن انجاز كبير ينتشل البلاد من اوضاعه المتردية على كافة الصعد. الانجاز الذي يمنح شرعية لصاحبه او الفريق الذي قام به ويجعله يحظى بمقبولية لدى الجمهور في وقت فقدت فيها الجماهير ثقتها في الطبقة السياسية واحزابها وقدرتها على تغيير الوضع على اعتبار هي من اوصلت البلاد الى حافة الكارثة.

هذا المعطى يعمق الفجوة بين الحكومة والجمهور في الوقت الذي تجهد الحكومة وتعلن مرارا وتكراراً انها ماضية في طريق الاصلاح ومكافحة الفساد. عليه اتساع تلك الفجوة يجعل مهمتها صعبة وتخسر التأييد الجماهيري الذي حظيت به بعد النجاح الذي حققته في القضاء على داعش الارهابي. عليه فالطريق الاسلم امام الحكومة العراقية هو العمل باتجاه الاصلاح بمعاونة وتأييد الجمهور المستمر بتظاهراته منذ نهاية تموز 2015 والمطالب بالإصلاح ووضع حد لدينامية الفساد وهدر المال العام. وهنا نكون امام "خطة تغيير واصلاح من داخل النظام بتأييد الجمهور".

مؤكد ان انحسار داعش الارهابي في الاراضي التي كان يسيطر عليها وانتهائه في محافظات ديالى والانبار وصلاح الدين وقرب نهايته في محافظة نينوى، واعادة هيكلة المؤسسة العسكرية واعادة بناء القوات المسلحة بعد انهيارها في حزيران 2014، ونجاح الحكومة نسبيا في تخطي الازمة المالية، واعادة العراق الى علاقاتهِ الاقليمية لاسيما محيطة العربي، والعلاقات والتأييد الذي حظي به العراق على المستوى الدولي الذي تجسد بالجهود التي بذلها التحالف الدولي لمكافحة داعش بقيادة الولايات المتحدة،...الخ.

كلها انجازات للحكومة الحالية بقيادة السيد العبادي وتمنحها شرعية انجاز. وهذا لايعني اعفائها من مسؤولية الكثير من الخلل في جوانب اخرى. ولايمكن لتلك الانجازات ان تجعل ضرورة الاصلاح هدف ثانوي للحكومة، كما لايمكن ان يكون تهويل الفرح بالانتصارات لتحل بديلاً عن الاصلاح.

هذه الانجازات اعادت نوعا ما الثقة الجماهيرية بالحكومة الحالية وجعلت من السيد العبادي يحظى بمقبولية جماهيرية كبيرة حتى في المحافظات التي كان يسيطر عليها داعش على عكس الحكومة السابقة. لذا نعتقد ان المرحلة الحالية فرصة كبيرة امام السيد العبادي في توظيف التأييد الشعبي النسبي وعدم الرضا الجماهيري على اداء النظام السياسي بشكل عام وتحويله، والمطالب الجماهيرية بالإصلاح، الى عامل مساند للحكومة في صياغة خطة اصلاح النظام من الداخل.

لكن في الواقع هناك تحديات عدة تجابه السير في تنفيذ هذه الخطة تتعلق بالنظام ذاته تارة، وجماح طموح بعض الاطراف المحلية والاقليمية فيه بما يحقق مصالحهم ويحفظ مكتسباتهم تارة اخرى، نذكر منها:

المدة القصيرة المتبقية للحكومة:

كما هو معروف ان الحكومة الحالية تقترب من انتهاء مدتها الدستورية وذلك في نيسان 2018. وهذه المدة القصيرة لايمكن ان تكون كافية في وضع خطة كهذه لاسيما وأنها (الحكومة) تعمل على طي الصفحات الاخيرة من تحرير باقي المناطق التي يسيطر تنظيم داعش الارهابي. وحتى اذا لم تجري الانتخابات في موعدها الدستوري فستتحول الحكومة الحالية الى حكومة تصريف اعمال الامر الذي يكبل يدها في التصرف واتخاذ الاجراءات التنفيذية الحاسمة.

البرلمان:

نعتقد ان القاعدة الاساسية لهكذا خطة هي توفر الاطار التشريعي. اذ لابد ان تكون الاجراءات مستندة الى اطار تشريعي عبر توفر بعض القوانين. وهنا لابد ان نذكر ان السيد العبادي لايملك كتلة كبيرة داخل البرلمان كالحكومة السابقة، كما ان الكتل السياسية داخل البرلمان لاتريد للحكومة الحالية والسيد العبادي ان يحقق شرعية منجز ويحسب له بالشكل الذي يؤهله لتحصيل مكسب انتخابي في الانتخابات القادمة. وهذه الاشكالية هي ديدن الكتل السياسية بعد 2003 وبالتالي انعكس سلبا على صعيد توفير الخدمات العامة وفي مقدمتها خدمات الطاقة والبنى التحتية.

المحاصصة والفساد

وهو ان المؤسسة الامنية وتردد اغلب المؤسسات القضائية في انفاذ القانون:

لاتزال العلاقة تبادلية باتجاه نفعي بين طرفي فوضوية النظام السياسي في العراق المحاصصة والفساد. فالمحاصصة شكلت قاعدة اساسية ووفرت هيكل منظومي للفساد وحامي له. والفساد وفر اطار حامي يقود الى استدامة منظومة المحاصصة. وبسبب هوان المؤسسة الامنية في شقها الشرطوي والامن الداخلي وتردد اغلب المؤسسة القضائية فيما يخص مواجهة الفاسدين وانفاذ القانون، لازال الفساد يعيق اي توجه او اجراء من قبل الحكومة الحالية. ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل أصبح الفاسدون يتمتعون بحماية حزبية وفصائل مسلحة. وبالتأكيد هذا الامر يشكل حاجزا كبيرا امام الحكومة والمؤسسات المختصة بمكافحة الفساد لاتخاذ اي اجراء تجاههم.

اطراف اقليمية:

منذ التغيير السياسي والى الآن تسعى أطراف اقليمية معروفة الى ان يبقى العراق غير مستقر سياسيا وبالتالي امنيا لئلا يعود الى سابق قوته ويشكل تهديد لها على الرغم من التغيير السياسي وتأكيد الدستور والحكومات العراقية ان العراق بعد 2003 لن يشكل مصدر تهديد لجيرانه. كذلك اصبحت تلك الاطراف ملاذا للبعض لحمايته من اجراءات المساءلة والحساب.

واقتصاديا –ولأن البلاد تعاني من تعارض وضعف انفاذ التشريعات الاقتصادية وتدمير القاعدة الانتاجية- تسعى تلك الاطراف ليبقى العراق محتاجا لجيرانه وسوقا لمنتجاتها بدون ان يستغل ثرواته الطبيعية وتنظر له على انه علاجا لما تعانيه من ازمات اقتصادية بسبب العقوبات الاقتصادية او بسبب انخفاض اسعار النفط. وبالتالي تبلورت ارادة واجندات اقليمية واصبحت اغلب الاطراف السياسية ادوات لتنفيذ تلك الاجندات.

هذه التحديات مع صعوبتها لكن لايعني ذلك عدم وجود خطوات معينة يمكن ان تسعف الحكومة في المستقبل المنظور على القيام بما هو ضروري لإصلاح النظام وانتشاله من بركة الخراب والفوضى. لاسيما وان المرحلة الحالية فيها كثير من المعطيات التي تشكل ساند للحكومة في ذلك. وبزوال هذه المرحلة ستكون الحكومة القادمة على المسار ذاته من الفوضى. وسيكون الحال اسوأ في حالة عدم اجراء انتخابات وتحول الحكومة الحالية الى حكومة تصريف اعمال.

افكار لتجاوز التحديات

وهنا نقدم مجموعة افكار بشأن تلك الخطوات:

- هكذا مسار او خطة تحتاج الى دعم كبير من الجماهير والاستفادة من زخم مطالبها. وتوظيف ذلك الدعم ضروري لأسباب عدة منها اجبار البرلمان على وضع الاطر التشريعية المناسبة للإصلاح، ووضع الجهات السياسية المعارضة للتغيير خوفا على مكتسباتها في موقف حرج امام الجمهور وستكون مجبرة على التماهي مع اجراءات الحكومة لئلا تُكشف سلبيتها وبالتالي تخسر ناخبيها لاسيما وان الانتخابات التشريعية قريبة، فضلا عن توظيف زخم الانتصارات.

وبهذا بإمكان الحكومة اتخاذ الاجراءات القابلة للتطبيق كاعتقال الفاسدين الكبار واخضاعهم للمحاسبة لتوصل رسائل ايجابية الى الجمهور بأنها شرعت جديا بالإصلاح. كما ان المدة القليلة المتبقية للحكومة لاتمنعها من الشروع بالإصلاح والتغيير وهي بذلك ستضمن انسياق الحكومة القادمة في المسار ذاته كونها لاتستطيع التراجع امام زخم المطالب الشعبية.

- الاسراع في القضاء على داعش الارهابي في المناطق التي لازال يسيطر عليها في الجانب الايسر من الشرقاط والجنوب غرب كركوك في الحويجة ومناطق غرب الانبار.

- تأكيد الاستمرار في بناء القوات الامنية العراقية بشقيها القوات المسلحة وقوى الامن الداخلي وتجهيزها وتدريبها لتكون قادرة على فرض سلطة الدولة على كامل اقليمها وبذلك تشكل حامي للنظام السياسي وقادرة على انفاذ القوانين في ظل تواجد أطراف فاعلة من غير الحكومة تهدف الى تعزيز قوتها وتحقيق اهدافها التي تتعارض مع سياسية الدولة وامنها الوطني.

- تعزيز الانفتاح على دول الجوار والتأكيد على المصلحة الوطنية. وقد سارت الحكومة العراقية بهذا الطريق وحصدت ثمار طيبة في التعامل مع البلدان الفاعلة اقليميا (السعودية وايران). وتحتاج الحكومة الى ايصال رسائل مباشرة الى البلدان المجاورة بعدم سماحها لأن يكون العراق ساحة لتنفيذ اجندات تلك الاطراف وأنها تعمل على تعزيز الامن الوطني سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وان اصلاح النظام ومساراته جاري وهو هدف الحكومة الحالية والقادمة ولاتراجع عنه.

- بدون استغلال هذه المرحلة وزوالها سيكون الوضع ازموي أكثر تعقيدا وسيستمر وضع المحاصصة والفساد وحالة الفوضى وتردي الخدمات وستخيم حالة اليأس وانعدام الثقة لدى الجمهور لاسيما بعد زوال داعش الارهابي. واذا ماكانت الحكومة المقبلة حكومة تصريف اعمال فستكون غير قادرة على اتخاذ اي اجراءات تنفيذية وستفقد زخم سلطتها على الشارع وستكون اضعف من ان تنفذ قانون او تقوم بإجراءات حازمة.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق