الازمة السورية صارت احجية العالم في فضاءاته الافتراضية والواقعية، لكن كل هذه المساحة التي اخذتها قد لا توازي حجم الدماء التي سالت والدمار الذي حصل، بين طرفين كل واحد منهم يرى في الحرب وجودية لا تراجع فيها ولا انسحاب، بشار الاسد المدعوم من ايران وروسيا، مقابل مئات من الفصائل المسلحة المدعومة من دول الخليج وتركيا والولايات المتحدة.
والتحشيد الدولي الذي قام به خصوم الاسد جعل اكبر المتفائلين يتنبأ بانهيار الحكومة السورية وحلفائها في بضعة أسابيع او اشهر، لكن الاصرار قال كلمته بحق سوريا، فيما قاربت الهزيمة ابواب الجماعات المسلحة وداعميها، وهو العقاب الذي يحصل عليه كل من يستهين بقدرات خصمه، والدول التي كانت ترى بالنظام السوري تهديدا لها غيرت من بوصلتها، فيما دب الخلاف بين اخرين وهكذا يمكن القول ان اسباب الهزيمة للحلف السوري قد تبددت، وتصاعدت مناسيب النصر او على الاقل ابقاء الوضع قريبا من طموحاتهم وشروطهم السياسية وهذه هي الاسباب:
اولا: الاستراتيجية الامريكية منذ البداية كانت لا تريد اسقاط بشار الاسد، فهي تخشى من تكرار السيناريو الافغاني والليبي. وكل ما كان يجري هو لتخدير حلفائها الخليجيين من اجل الحصول على المزيد من الاموال بصفقات الاسلحة المكلفة، كما ان ادارة ترامب الجديدة هي الاخرى غير قادرة على احداث تأثير كبير.
وفي مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط يرى سفير الولايات المتحدة الأسبق في سوريا روبرت فورد، أن النظام السوري وحلفاءه، بما في ذلك إيران، سيتمكنون من التغلب على جهود الولايات المتحدة لبسط النفوذ، وأن المقاتلين الأكراد قد يدفعون ثمناً لقاء انحيازهم لدونالد ترامب وإدارته. ويقول فورد إنه رغم النجاحات التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية (المدعومة من امريكا)، في اقتحام الرقة، المعقل الرئيسي لداعش، إلا أن "اللعبة انتهت بالنسبة لخطط الولايات المتحدة للإطاحة بالأسد أو منافسة نجاح إيران في البلاد". وأكد فورد في تصريحات صحفية: "لقد فاز الأسد. أعني أنه المنتصر، أو هذا ما يظنه"، مضيفاً أنه ليس من المرجح أن يواجه رئيس النظام السوري أي اتهامات متعلقة بارتكاب جرائم حرب من قبل الغرب "ربما في خلال 10 سنوات، سيتمكن من استعادة البلاد بأكملها".
ثانيا: تبدل الموقف الفرنسي بعد صعود الرئيس الجديد ايمانويل ماكرون، إذ كانت فرنسا من اشد المعارضين لبقاء حكومة بشار الاسد الا ان ماكرون، قال في 12 يونيو/حزيران 2017، إنه لا يرى أي بديل شرعي للرئيس السوري بشار الأسد، وأن فرنسا لم تعد تعتبر رحيله شرطاً مسبقاً لحل الصراع المستمر منذ 6 أعوام. وأضاف وأن أولوية باريس هي الالتزام التام بمحاربة الجماعات الإرهابية وضمان ألا تصبح سوريا دولة فاشلة. وهو تناقض حاد مع الإدارة الفرنسية السابقة، ويضيف هذا الموقف زخما قويا مع موقف موسكو التي ترى بأنه لا يوجد بديل مناسب للأسد.
ثالثا: انهيار الجماعات المسلحة وعلى رأسها داعش، إذ كانت هذه الجماعات تمثل الوكيل الابرز لخصوم حكومة الرئيس السوري بشار الاسد. ونتيجة لاعتمادها على حلفائها الايرانيين والروس استطاعت دمشق من اسقاط تلك الجماعات المسلحة واحدا تلو الاخر مع فارق الوقت الذي انهك الطرفين، اما سقوط داعش في الموصل اخر معاقلها في العراق، حيث فجَّر المقاتلين المتبقّين فيها لتوهم جامع النوري الكبير العائد للقرن الثاني عشر، والذي نَصَّبَ أبو بكر البغدادي نفسه خليفةً من على منبره منذ ثلاثة أعوام. وهذا الحدث اعلى دفعة جديدة لحلفاء سوريا.
وفي الاراضي السورية تعد هزيمة داعش مسالة وقت لا اكثر، وبدلائل التقدم الميداني للجيش السوري وحلفائه مع الانهيار المتسارع لدفاعات داعش على مختلف الجبهات. وفي هذا السياق تقول صحيفة الفاينانشال تايمز ان الاسابيع المقبلة ستشهد خسارة التنظيم الارهابي الرقّة، وهي التي تُعد معقلاً لهم في وادي الفرات شمال شرقي سوريا.
رابعا: التأثيرات السلبية للازمة الخليجية على الجماعات المسلحة المنقسمة والتي ينخرها التفكك، إذ ان الدول الخليجية اليوم منشغلة بصراعها الداخلي والازمة السورية انسحبت من المواقع المتقدمة في نشرات الاخبار، ما يفقدها الكثير من الزخم على المستوى الدولي، خاصة وانها كانت تعتمد بشكل مباشر على الماكينة الدعائية القطرية التي لم تعد تهتم لسوريا كثيرا، والحال ينطبق على وسائل الاعلام الاماراتية والسعودية.
وفي هذا السياق رأت صحيفة "ميدل إيست أي" البريطانية أن الصراع الخليجي المستمر أدى إلى قلق بين المعارضين السوريين الذين يخشون أن تتسبب الأزمة في تعميق الانقسامات بين التحالف المناهض للنظام السوري؛ ما سيؤدي إلى إعاقة حربهم ضد الرئيس بشار الأسد. وهو ما يدعمه تقرير لموقع "عربي 21" ينقل اراء اعضاء في المعارضة، والذين يرون ان ما يحصل في الخليج سوف ينعكس سلبا على الجماعات المسلحة.
الجماعات المسلحة ودول الخليج حاولت الضغط على حكومة الرئيس السوري بشار الاسد عن طريق تدويل الازمة السورية، وحشدت بـ"دبلوماسية المال"، الدول الكبرى مثل فرنسا والولايات المتحدة الامريكية، لكن التدخل الروسي والاصرار الايراني، فضلا عن تضارب المصالح بين الدول الكبرى والخليجية كل هذه العوامل اسهمت في تراجع الداعمين الغربيين، وجاءت ازمة الخليج لتعمق من جراحات الجماعات المسلحة السورية وتجعل ميزان القوى يصب في صالح الحكومة السورية وحلفائها.
اضف تعليق