مؤخرًا ظهر الخلاف على إمكانية "الاستفتاء" العام في كردستان العراق والذي بطبيعة الحال يمهد الى "الاستقلال" الجزئي ثم الكلي، وكان القادة الكرد المناضلين يعيبون على من يستخدم الاستقلال شعارا له، واستبدلوه بكلمة "حلم الدولة الكردية"، ولكن بعد عام 2010، اخذ الاعلام في كردستان يعمل على تطبيع هذا المصطلح ضمن الثقافة الكردية وبشكل مبالغ فيه، والسرد كان مكثفا ويستهدف كل فئات الشعب الكردي، والتعريف بالاستقلال وماله وما عليه وحده بضوابط الوسائل الديمقراطية، فأصبح الاستقلال كالعصا يلوح بها ضد الخصوم في بغداد ونينوى والنجف والبصرة ويتم امتحانهم به!
ومع كثرة استخدامه إلا أنه لم يُعرِّفه الإعلامي الكردي من الناحية القانونية والدستورية بشكل واضح ولم يذكروا ما هي الشروط والضوابط التي يجب أن يتصف بها الشعب الذي يختار تقرير مصيره بالاستقلال تجارب الشيشان والبوسنة وجنوب السودان ليست عن شعبنا في كردستان ببعيد!
للأسف أن الكثير ممن يُحسبون على الزعامات الكردية المناضلة ليس لديهم لوبي دولي واقليمي كي يغامروا باتخاذ هكذا قرار مصيري.
فربما عدم انسجامهم مع بغداد او أنهم يقدمون العجلة جانبًا دون جانب، أو ربما يتغافلون عن جانب دون جانب!
فالقائد عندما يختار تقرير مصير شعبه لا بد أن يكون ملمًّا ومحيطًا بتفاصيل القرار وبتوابعه، ولا يمكن المجازفة بجني الثمار لأول موسم دون حساب تكاليف المواسم القادمة!
الشعب الكردي شعب حي وفيه من المدنية والحضارة ولديه القدرة على العمران ومن اجمل صفاته الصبر الإستراتيجي، والمثقفون من الشعب الكردي وعلى الأقل في قياداته السياسية العليا هم أبعد الناس عن المغامرة المذكورة، ويكفي أن قادة مثل البارزاني والطالباني ونشيروان وبرهم صالح وفؤاد معصوم ومحمود عثمان.. لهم قدرهم ونضالهم في صناعة التحرير من النظام الديكتاتوري ونؤيدهم وندعمهم بكل ما نستطيع فهم قادة العراق بعد 2003 ونحن وهم تحت خيمة العراق وعلمه ودستوره.
بغداد وواشنطن تنصح قادة الشعب الكردية بالرجوع عن دخول في إجراءات الاستفتاء والأولى تأجيلها حتى يتم النصر الكامل على داعش. وضرورة التزام واحترام قرارات البرلمان العراقي والدستور الاتحادي، وايضا الاصغاء الى النصائح الدولية والاقليمية وألا يضعوا أنفسهم في مغامرة قد تفسد عليهم كل المنجزات العظيمة التي قاموا بها في كردستان، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان تقرير المصير لكل شعب حق يكفله الدستور اذا ما تم ضمن الوسائل الديمقراطية المتفق عليها.
من الصفات المميزة لقادة الكرد وهي الانفتاح على الكل بعلاقات دولية رصينة، وعدم التقوقع على المحاور والعلاقات المذهبية والقومية كما هو الحال في العلاقات الخارجية لقادة بغداد!
وربما أهم مغامرة في استقلال شعب كردستان العراق هي التقوقع في جغرافية نافرة لهم فيتحول الاستقلال من وسيلة لتوحيد الشعب الكردي وتجميعه إلى وسيلة لحصار سياسي واقتصادي ولصراعات حزبية كردية داخلية بين المولاة والمعارضة، وخاصة أن البعض من القادة الكرد ربما يفكر بتجزئة شعب كردستان بحسب قربه من بغداد او انقرة او طهران مع نرجسية يزينها برغبة الحصول على كركوك وخيراتها، فيتحول الاستقلال حينها إلى تصفية حسابات تضر أكثر مما تنفع.
وبالقطع ليس من منهج قادة بغداد والنجف ونينوى الى التوجه نحو العنف في معارضة ما يختاره الشعب الكردي لتقرير مصيره، وبغداد سارعت بالاستعانة بواشنطن في تهدئة الغضب الكردي في أكثر من مناسبة وغالبا ما تنتهي الأمور بالتسوية والمهدئات الآنية، فحلم الشعب الكردي بالاستقلال من أكثر من 100 سنة ولم يحققوه واقعا حتى اليوم، وكأنه لم تحن له الفرصة بسبب تعقيد المشاكل الجيوسياسية.
العبادي في منهجه الذي يعتمد على الاحتواء والتكيف يعلم أنه ليس مطلوبا منه الموافقة على الاستقلال بالمطلق، وكذلك ليس المطلوب منه المعارضة بالمطلق!
وإن كان القادة الكرد هم من حصروا اختيارهم في إطار محدد دون الرجوع للفاعلين الكبار في واشنطن وانقرة وطهران وموسكو والرياض؛ فحتى يخرجون من قوقعة هذا الاختيار يلزمهم اعادة النظر والتريث في التوقيتات، وأن يستفيدوا من نصائح بغداد واشنطن.
اضف تعليق