q

هذا العنوان اخترتَهُ لاسمِ حملةٍ وددتُ ان أطلقها بعد ان بدأت أشعر ُبأنّ الارهابيين باتوا يتغلّبون علينا بالتّضليل الّذي يصنعونهُ بتقنيّة عالية لنقومَ نَحْنُ بنشرهِ بالنّيابة عنهم، فنساعدهم على تحقيق اهدافهم إمّا غباءاً او جهلاً او غَفلةً، لا فرق، فالنّتيجةُ واحدةٌ، حتى أصبحنا ظَهرهُم المركوب وضرعَهم المحلوب!.

فلقد بتنا نتبنّى الكِذبةَ ونروّجها، مثل المغفّلين، بدون انتباه او تمحيص او تثبّت، وكأنّنا نلهو {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} {لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}!.

ولقد وصف أميرُ المؤمنين (ع) مرّة دور التضليل الذي كان يمارسه الامويّون بقوله {أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.

الا ان الفرق في نقطة واحدة؛ فاذا كان الطاغية معاوية قد وظّفَ، وقتها، مجموعة من الغُواة، يدفع لهم المال لإنجاز المهمة، فانّ الارهابيّين اليوم سخّروا الملايين ووظّفوهم في نشر تضليلهم ولكن بالمجّان من خلال تعبئتِهم عبر مختلف وسائل التّواصل الاجتماعي.

أولئك كانوا يرتزقونَ على تضليل الأمويّين، امّا هؤلاء فمرتزقةٌ بالمجّان.

لقد بدأ تضليلهم يضرّ بِنَا كثيراً، فلقد أصبح إنتاجهم من الاخبار والصور والافلام والتقارير المكذوبة والمُفبركة شُغلنا الشاغل، ننشرها ونتبادلها ونتناقلها ونتحدّث بها ونتخاصم بسببها ونستشهد بها ونضمّنها مقالاتنا وآرائنا، وكأنّها مسلّمات لا يرقى اليها الشكّ قيد انملة، فلا احدَ يجرؤ على التشكيك بها او التوقّف عندها او الطّعنِ بها او السؤال عنها او ردّها، ولذلك ينبغي علينا ان نتوقف قليلاً ونتساءل ونشكّك ونبحث ونتحقّق ونتثبّت ونسأل قبل ان نتعامل مع أيّة مادّة تصلنا.

اذا شَككنا بها سألنا، واذا تيقّنّا من كذبها ضربنا بها عرضَ الحائط.

اذا تأكّدنا من صحّتها، تساءلنا؛ هل نُحقق بنشرها أيّة فائدة او مصلحة؟ فاذا كان الجواب بالنفي، احتفظنا بها واجّلنا البتّ بأمر نشرها الى اشعار آخر.

قد تكون المادّة صحيحة ومحتواها سليم ولكنّ الغرض منها سيّء او مشبوه، ترادُ بها فِتْنَة، هنا ينبغي ان تتوقف عندنا لوأد الفتنة، فـ {الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}.

نَحْنُ الان في حالةِ حربٍ شرسة لا ينبغي ان نغفلَ عن كلّ حرفٍ نهمُّ بنشرهِ، فقد يكون سبباً في تقوية جبهة العدو او إضعاف جبهةِ الحق.

ولذلك أمر الله تعالى المسلمين ان يُرجِعوا اخبار الحرب والأمن الى القيادة فقط، رسول الله (ص) فهو وحدهُ من يبتُّ بها، فقال تعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}.

انّ الفوضى العارمة التي نعيشها الان في نشرِ كلُّ ما يصلنا، وجلّهُ كذِبٌ مُفبرك، يضيّع علينا فرصَ النّصر ولا يُقلّل من التّضحيات ابداً، ويزيدُ في المعاناة، ولذلك ينبغي ان نّعمل من انفسنا على انفسنا اجهزة ضبطٍ وفلترةٍ اداتُها ووازعُها الضمير الحي والعقلُ اليقظ والخبرة المتراكمة واستحضار التجربة، مهمّتها التمييز بين الغثّ والسّمين، من جهة، وبين السّمين الذي ينفعُ والاخر المضرّ الّذي لا ينفعُ، ففي المأثور [ليس العاقلُ هو الذي يميّز بين الخير والشرّ، وانما العاقل هو الذي يميّز بين افضلِ الخيرين، من جهة، وخير الشّرّين، من جهة اخرى] امّا الذي يعجزُ عن ذلك فليسأل ولا يستعجل، وقد قال تعالى {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} فالسؤال ليس عيباً الا انَّ نشر الاكاذيب والفبركات هو العيب بعينه، قد يصل الى حدِّ الجريمة.

لقد كان رسول الله (ص) يأمر عيونه بإشهار اخبارهم على رؤوس الأشهاد اذا كانت حسنة وايجابيّة، امّا اذا كانت سيئة او عجزوا عن تمييزها لا يعرفون ما اذا كانت جيدة ام سيئة فكان يأمرهم بنقلها له سراً.

ولقد عاهد امير المؤمنين (ع) أصحابه ان لا يَخفي عليهم أمراً الا في حرب او مكيدة.

لماذا العجلة في نشر كل ما يصلنا؟ ما الذي أجبرنا او يجبرنا على ذلك؟ وما هي الفائدة؟.

لقد تشدّد القران الكريم كثيراً جداً مع الخبر فوضعَ قيوداً وقواعدَ عند التعامل معه، نقلهُ او تحليلهُ، لانّ خطرهُ عظيمٌ في المجتمع، كيف؟!.

سلطة الضمير والعقل

ليس هناك قوةٌ في هذا العالم قادرةٌ على ان تمنعك من نشرِ شَيْءٍ ابداً، الا قوة الضمير وسلطة العقل والمنطق والحكمة التي تميّز بها بين النافع والضار عندما تريد ان تنشرَ شيئاً ما.

وبالمناسبة، فانا لا اقصد هنا التّوقّف عن نشر ما يخصُّ الارهابيين فقط، ففي اخبارنا وصورنا وأفلامنا الكثير جداً، كذلك، من الكذب والفبركة والدعاية المبتذَلة والرّخيصة التي يُشَمُّ منها عن بعد رائحة التشفّي والطّعن والترصّد والكيديّة والتّسقيط والتّشهير واغتيال الشّخصية والسعي لافشال النجاح او على الأقل الطّعن به، والتقليل منه.

دعوني هنا اسوقُ مثالين؛

الاول؛ عندما انتشرت في الآونة الاخيرة، وعلى نطاق واسع، أبيات من الشّعر، والذي يسمونه العراقيون تندراً بحرِ الخَرُط، منسوبة لأمير المؤمنين وامام البلاغة وسيد اللغة العربية علي بن ابي طالب عليه السلام!.

كان من الواضح جداً ان جهة مغرضة نشرت البوستر، للطعن بأمير المؤمنين (ع) الا انّه انتشر بسرعة البرق انتشار النار في الهشيم وكأنَّ فتحاً أدبياً عظيماً قد تم انجازه او اكتشافه.

ولم يتوقّف البوستر عن النّشر والتّداول حتى تدخّل احد العلماء موضّحاً ومبيّناً وشارحاً وكاشفاً عن الحقيقة من خلال إماطة اللثام عن جوهر الموضوع.

ولو انّ المصدر الاول الذي بادر الى نشر البوستر كان قد بذل ابسط جهدٍ معرفي او مقارنة بسيطة لأكتشف زيف البوستر بل ولسَخِرَ منه ورماه في سلّة المهملات.

الثاني؛ عندما فبرك مجهول الهوية خبراً عن سفارة جمهورية العراق في واشنطن، ليطير في اليوم الثاني حاطاً رحاله على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي!.

لحدّ الان قد لا يكون في القصّة ايّة اثارة او استغراب، فلقد تعوّدنا على استهداف الفاشلين والموتورين ومن يخسر امتيازاته عندما يتم الكشف عن دَجَلِهِ مثلاً او تلاعبه بأوراقه الثبوتية وخاصة اختصاصاته وشهاداته وغير ذلك، استهدافهم للنّاجحين من الذين يحقّقون تميّزاً في فترة قصيرة من تسنّمهم لمواقع المسؤولية، كما هو الحال مثلاً مع سعادة السفير الاستاذ لقمان الفيلي، وفريق عمله، الا ان الغرابة في الامر عندما تكتشف انَّ (بغداد) تلقّفت الخبر المفبرك ورتّبت عليه أثراً من نوع ما وكأنّها كانت تنتظره على أحَرٍّ من الجمر!!.

هنا يُثار التساؤل؛

ترى! هل من المعقول انّ (بغداد) تستعجل الامور، وبهذه الدرجة، لترتّب على كلّ ما يُقال ويُنشر في الاعلام؟ وهي تعرف قبل غيرها ان الكثير مما يُقال هو كذب ومُفبرك ومزوّر ولا أساس له من الصحة؟!.

هذان مثالان، والأمثلة كثيرة لا تُعٓدُّ ولا تحصى، فيما يخصّ حالنا، اخبارنا ومنشوراتنا وصورنا وأفلامنا، الى جانب الانتاج التّضليلي الذي ينشره الارهابيون والذي غزانا بشكل مخيف!.

اعودُ وأكرّر القول بانّه لا توجد قوّة في هذا العالم لها السلطة عليَّ وعليك وعلى ايّ أحدٍ لتمنعنا من نشر شَيْءٍ ابداً الا سلطة الضمير والعقل، ولذلك فانا هنا لا أُدافع عن أحدٍ ابداً وانما أدافع عن عقلي وعقلك، ولذلك قيل في الحكمة المشهورة؛ [حدّث المرء بما لا يُعقل، فانْ صدّقكَ فلا عقلَ له].

كذلك، ومن جانب اخر، فليس هناك من يمكنه ان يجبُرك على نشر شيء ما اذا لم تكن مقتنع به او لم تشأ نشره، فليس لاحدٍ سلطةٌ عليك لإجبارك على ذلك، الا سلطة واحدة فقط هي سلطة (الاستسلام) او ما يسمّيه القران الكريم بـ (الابسال) في قولهِ تعالى {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} وهي السلطة التي يتولّاها العقل الباطن، لكثرة تكرار الخطأ بلا وعي، فعندما يستسلم الانسان لشيء ما يبدأ بفعله وتكراره بشكل اوتوماتيكي، لا إرادي، حتى يكونَ جزءٌ من شخصيّتهِ فلم يعد يمتلك القدرة على التوقّف لإعادة النظر مثلًا لتغيير الموقف والحال.

ومن باب الشيء بالشيء يُذكر؛ يُروى ان رجلاً صادف في طريقه (قشرة موزة) طبعاً ليس المقصود بها (موزة قطر) ابداً!، فتوقّف عندها فوراً، محدثاً نفسه بالقول؛

يا الهي! ما هذه الصّدفة؟ لماذا يتكرّر المشهد معي؟ قشرة موزة مرّةً اخرى؟! هذا يعني انّني سأطأها بقدمي مرة ثانية فأسقط على الارض فتنكسر رجلي مرّةً اخرى فتأتي الإسعاف لتأخذني الى اقرب غرفة اسعاف في المستشفى ليعالجوني مرة اخرى، بالصّب، ما يعني أنّني سأمكثُ في بيتي فافقد عملي لعدة أسابيع اخرى!!!.

ذات مرّة عتبتُ على صديقٍ نشر صورة مفبركة، وهو يعلم بذلك علمَ اليقين، فأجابني؛

لقد تعوّدنا على نشر كلِّ ما يصلنا! يبدو ان قدرنا هو ان ننشر الاكاذيب!!!.

حدود مسؤولية التعامل مع الخبر

لقد عالج القرآن الكريم قضيّة التّعامل مع الخبر من جذورها من خلال رسم الحدود الصارمة التي تعتمد العقل اولاً واخيراً، فالعقل السليم يتعامل مع الخبر بشكلٍ سليم، والعكس هو الصحيح، فالعقل المريض لا يتعامل مع الخبر الا بطريقةٍ مريضةٍ، فلقد ورد مثلاً عن امير المؤمنين عليه السلام معيارٌ في ذلك بقوله {وَلاَ تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ، فَكَفَى بِذلِكَ كَذِباً} لماذا؟ يجيب عليه السلام في قول آخر {الْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، فَإذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ، فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ، فَرُبَّ كَلِمَة سَلَبَتْ نِعْمَةً [وَجَلَبَتْ نِقْمَةً]} لانَّ الامام عليه السلام يرسم بذلك حدود مسؤولية التعامل مع الخبر، فقال يوصي ولده الحسن السبط (ع) {لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ، [بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَم] فَإِنَّ اللهَ سبحانه قد فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ولكل ذلك يرفض الامام التعامل العبثي مع الخبر او طريقة النقل المجرد قبل التثبّت والتعقُّل والتفكير ما اذا كان الوقت مناسباً لنشره ام لا؟ فقال عليه السلام {اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَة لاَ عَقْلَ رِوَايَة، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ} فطريقة التعامل مع الخبر تعبّر بشكل أو بآخر عن طريقة تفكير المرء وكذلك تعبّر عن شخصيّته، فالعاقل قلّما ينقل خبراً ما، أمّا غيره فتراه ثرثاراً يتناقل الاخبار ويكثر من الكلام بمناسبة وبغير مناسبة، فقال عليه السلام {إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلاَمُ}.

نعود الى القرآن الكريم لنرى كيف رسم لنا حدود التّعامل مع الخبر؟ فقال تعالى مثلاً؛

اولاً؛ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا.

فلا نتّبع او نرتب اثرا على ما لم نتأكّد من صحّته ابداً، فليس من العقل ان نتّبع الظنّ او الدعاية او ما اسماه السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي بـ (الكذب المتواتر).

ثانياً؛ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.

فلنطلب الدّليل من كلّ مَن ينقل لنا خبراً او صورة او فيلماً، فلا نكتفي بثقتنا بالمصدر الاخير فقد يكون المصدر العاشر او ما بعده او ما قبله كاذباً او مغرضاً او غير دقيق.

ثالثاً؛ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ.

فالعقلُ يحتّم علينا ان ننشر ونتّبع ونتبادل احسن القول وليس كلّ قول، والا فلو اتّبعنا ايّ قولٍ من دون تمييز او مفاضلة لَضِعْنا في متاهات التناقض بين الاقوال لكثرتها وتعدّدها خاصةً في زمن العولمة الذي نعيشه اليوم، وكثرة وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل لنا الاخبار والصور والافلام كزخّات المطر!.

رابعاً؛ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.

فكم من خبرٍ ندِمنا على نشره والتعامل معه بعد ان تبيّن لنا انّه كَذِبٌ محض؟ فبدلاً من ان نستغفر الله ونعتذر لهذا وذاك كلّ يوم تعالوا لا نتعامل مع مادة قبل التثبُّت منها، من اجل ان لا نخطأ ولا نعتذر بعد النّدم، ولقد ورد عن المعصوم ان المؤمن لا يخطأ فلا يعتذر وان المنافق يخطأ في كل مرة ويعتذر.

ولعلّ من الطّرق البسيطة التي يمكننا ان نتبيّن بها من الخبر، هو ان نسأل صاحبه عن مصدره، بلا خجل، فذلك لا يعني انّك تطعن بصاحبه وانّما يدلُّ ذلك على حرصك على معرفة الحقيقة من جانب، وحرصك على مصداقية صاحبه من جانب آخر، فاذا اخطأ احدُنا وتعامل مع خبرٍ كاذبٍ او صورة او فيلم مفبرك مرتين او ثلاثة فسيفقد مصداقيّته ولم يعد أحدٌ يعير لما يبعثه من مواد ايّ اهتمام، وبذلك فقد نخسر أشياء جميلة يبعثها لنا لأننا لم نعد نهتم به ابداً، بسبب عدد من التجارب الفاشلة.

ان ذلك يحتاج الى ان يتحلّى المتلقّي بقدرٍ ما من الشجاعة والصراحة ليسأل عن المصدر او ربما يحتاج الى ان يتتبع الخبر الى النهاية، كما ان ذلك يحتاج الى ان يتحلّى المصدر بقدرٍ من الرّوح الرّياضيّة ليتقبّل السؤال برحابة صدرٍ فلا يعتبر ذلك طعناً به وبصدقيّته.

خامساً؛ قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ.

التريث في ردّ الفعل وتأجيل التعامل مع الخبر للوقت المعلوم فليس من العقل والحكمة ان تنشر كل ما يصلك في اللحظة ذاتها، فقد لا يخدمنا الان الا انّه سيُصيب الهدف في وقت اخر، ولذلك فان نبيّ الله يوسف عليه السلام اجّل عملية التعامل مع الخبر، وهو هنا كلام اخوته الذين كانوا يكذبون عليه ظناً منهم بانّه لا يعرف الحقيقة، الى إشعار آخر على الرّغم من معرفته المطلقة بالحقيقة، كون الوقت لم يكن مناسباً لإبداء رأيه او ايّ نوعٍ من انواع ردّ الفعل، فأجّل قول الحقيقة الى إشعار آخر.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق