يظهر المجتمع الدولي كرجل يقف على قدم واحدة، وذلك بعد تفاقم درامي للازمة التي تعصف في منطقة الخليج العربية الغنية بالثروات، لعبت خلالها السعودية ومن خلفها مصر والامارات دور البطولة في وجه المارق القطري الأمير تميم بن حمد، الامر الذي اثار حفيظة العديد من دول الإقليم والعالم على حد سواء.
فالملك السعودي، او بالأحرى ولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي يقبض بعنفوان على مقاليد السلطة في المملكة، وضع نصب عينيه العداء الاستراتيجي مع المنافس القوي لسياساته ساعيا الى وأد كل من يعترضه، فقطر (الاخ اللدود) كانت ولا تزال كالحصاة في حذاء المملكة، معلنا عن حرب دبلوماسية واقتصادية لم يدخر خلالها جهدا في التضييق والتنكيل بقطر حكومة وشعبا دون تمييز، مخيرا بشكل قاطع الدوحة بين قطع العلاقات مع ايران أولا والكف عن ممارسة نفوذها المؤذي لأجندات السعودية في كل من غزة ولبنان وسوريا وليبيا واليمن، او مواجهة حرب استنزاف اقتصادية شعواء، ملوحا من خلال قنوات سرية انه لن يتوان في شن حربا تفضي الى اجتياح الجزيرة القطرية وتغيير نظام الحكم عندما تؤتى الفرصة المناسبة وان طال امد ذلك المسعى.
ولا ننسى في خضم هذه التجاذبات ان رفض قطر اعتبار إيران عدوا خلال القمة الامريكية الإسلامية العربية التي انعقدت في الرياض كانت القشة التي قصمت ظهر البعير السعودي واشاطته غضبا، مما دفع الأخير لقطع خيط معاوية بشكل نهائي ومواجهة القطريين بوجه كشر الانياب مبالغ في العداوة.
فعلى الرغم من تشابك الأصابع السعودية الإماراتية القطرية في أكثر من ملف إقليمي، ارتأت الدول الخليجية والعربية قلب الطاولة ومواجهة خطورة تداعيات ذلك على الأرض، وهذا ما انعكس بحرب وكالة صريحة بين الجماعات الموالية لقطر من جهة والموالية للسعودية من جهة أخرى في كل من سوريا وليبيا على وجه التحديد.
الا ان كل ما تقدم لا يثير المخاوف الدولية، فحصار قطر اقتصاديا ستعوضه كل من إيران وتركيا اللتان سارعتا الى اعلان دعمها المفتوح للدوحة واميرها، بالغذاء أولا وفتح الموانئ والأجواء ثانيا امام وسائط النقل القطرية التي تضررت بسبب العقوبات السعودية، ومن جانب آخر رست عدة قطع بحرية إيرانية على السواحل القطرية قبل ان يوافق البرلمان التركي وبطلب من اردوغان على ارسال قوات مسلحة الى قاعدة الدوحة العسكرية، في تحذير صريح من طهران وانقرة الى الرياض وأبو ظبي من مغبة أي تحرك عسكري ضد قطر.
كل ذلك، وترامب الذين لا يزال يظهر الزهو الذي لحقه بسبب الغنيمة الضخمة التي جباها من السعودية، يماطل في اعلان موقفه الرسمي إزاء الازمة الخليجية التي اشعل فتيلها وذهب، فالرئيس الأمريكي لم يعترض على القطع البحرية الإيرانية التي ترسو على مقربة من قواته المسلحة في قاعدة العديد القطرية، وتصريحاته المتذبذبة إزاء الدوحة لا تشكل اكثر من تماهي ماكر مع الرياض لا يعول عليها بشكل وثيق، بل على العكس ظهر ترامب خلال تعليقاته غير مكترث او مبال بالتصعيد السعودي الاماراتي المصري إزاء قطر، على الرغم من امتعاضه من موقف تميم خلال القمة، فلسان حال الرئيس الامريكي يقول (دعوا العنتريات وتباحثوا حتى النضوج لأقطف الثمار).
كل ذلك يوحي الى ان قطر المتحصنة بالحليفين الإيراني والتركي قادرة على اجتياز هذا الامتحان غير المسبوق لها، في حين تظهر السعودية التي تعاني نظاما يسقط تدريجيا بالتقادم من ازمة ثقة بعد سلسلة من السياسات الفاشلة إقليميا، سيما انها لا تزال غارقة مع الامارات حتى الاذن في المستنقع اليمني دون تحقيق أي انتصارات حقيقية تنهي حربا منذ ثلاث سنوات على الرغم من التباين الكبير في العدة والعدد.
والاهم من كل النوايا والاجندات الإقليمية والمشاريع الخليجية ان المجتمع الدولي وتحديدا الدول العظمى لن ولم تسمح باندلاع حربا جديدة على ضفاف الخليج العربي، فمصادر الطاقة وخطوط الملاحة الاستراتيجية لا يمكن المساس بها، فضلا عن أي اعادة تصويب للصراع بين الدول الخليجية وايران وتحويله الى صراع خليجي خليجي لن يكون مرضيا لواشنطن وإسرائيل، وفشلا ذريعا للقمة الأخيرة في الرياض واحباطا كبيرا لكل الترتيبات التي اعدت لمواجهة طهران.
كل هذه التكهنات لا تستبعد أي سيناريو محتمل في المنطقة، فالسياسة السعودية الإماراتية لا تتصف بلغة المنطق والعقل، ولا الدوحة مستعدة للتراجع عن دعم الاخوان والجماعات المسلحة في البلدان العربية، او التفكير في قطع العلاقة مع إيران.
وقد يترشح من كل ما يدور هو محاولة لكسر العظم لكلا الأطراف، او مجرد صراع اجوف لن يفضي الى نتائج محورية، وبين هذا وذاك هل سنشهد في الدوحة انتشار اكلة (جلو كباب) ام (الكبة التركية الشهيرة)، كل ذلك برسم الأمير تميم بن حمد.
اضف تعليق