شهر حزيران شهر الشجون الفلسطينية بجدارة فيه احتلت كل فلسطين في نكسة لا زالت معالمها ماثلة، وفيه قتل الفلسطيني أخاه وطارده وطرده وهو يهتف باسم الله لتلد النكسة نكسات لكل ما هو فلسطيني على هذه الارض.

لا أعلم إن كان تعبير نحيي ذكرى النكسة أو ذكرى الانقسام يصلح لتعبير عن الواقع فنحيي تبدو كلمة لذكرى مضت أما نكساتنا فلا يصلح لها تعبير نحييي لأنها ببساطة حية عبر أجيال، فالنكسة كائن حي منذ ما يزيد عن نصف قرن وهنا في فلسطين تراها في وجوه الشيوخ والرجال والنساء والأطفال وفي وجوه الشباب التائه بين الحصار والبطالة بلا أمل في الغد في الشوارع والبيوت التي بلا كهرباء أو ماء، في وجه المقاوم المعطل بفعل الردع وفي وجه المفاوض الذي فقد كل أوراق الضغط، في كل زاوية ولدت نكسة ما تراها العين أم تخفيها الجدران أم تحفظها الصدور المثقلة باليأس والاحباط لا أحد هنا بلا نكسة.

لقد كان 4 حزيران 1967 آخر يوم أمل لدى الفلسطينيين تلك حقيقة يصعب إنكارها؛ صحيح أن الصراع لم يبدأ في ذلك التاريخ لكنه حُسم لخمسين عام تلته، ففي ذلك اليوم على الأقل حُسم استراتيجيا وعسكريا بدليل أننا نسعى منذ أكثر من ربع قرن للعودة لتلك الحدود ودون جدوى ولم نستطع حتى اليوم تحقيق هذا الحلم الذي كان يوم ما حقيقة فشلنا في استثمارها في تجسيد كيان سياسي فلسطيني مستقل على الخارطة بفعل خلل مزمن في الفكر السياسي الاستراتيجي الفلسطيني خلط فيه السياسي بالتاريخي بالعقائدي بالقومي ولا زال هذا الخلط مستمرا لدى البعض الذي لا زال عاجزاً عن فصل المفهوم السياسي في هذا الصراع عن المفهوم التاريخي والعقائدي والقومي، إضافة إلى ذلك عدم قدرتنا نحن الفلسطينيين على استيعاب الأبعاد الحقيقية لقضيتنا بصفتها قضية تمس الانسانية قبل أن تكون قضية عربية أو فلسطينية وهو ما أدى لوضع كل البيض في السلة العربية ثم الأمريكية والرهان عليه هناك وتجاهلنا مرغمين أو راضين البعد الدولي والانساني لقضيتنا وهو ما نراه اليوم يتكرر كما كان بالأمس.

نعم ليس صحيح أن لإسرائيل حق تاريخياً في أي شبر من أرض فلسطين هذا كلام تاريخي وعقائدي حقيقة لكنه سياسيا أمر غير مقبول لأنه يعني تدمير كيان يحظى باعتراف سياسي دولي اسمه اسرائيل موجود على أرض الواقع ولا أحد يمتلك القوة على إزالته، في المقابل يرى الطرف الآخر أن فلسطين وما بين النيل والفرات هي أرض وهبها الله لاسرائيل وهذا كلام عقائديا قد يبدو حقيقة لكنه سياسيا لا يعدو هرطقات لأن اسرائيل تعرف بحدود الخط الأخضر بدون الضفة وغزة والجولان فهي أراضي محتلة لن تسطيع اسرائيل شرعنة أي واقع غيره برغم امتلاكها قوة نووية وتفوقها العسكري على سائر دول الاقليم.

إن دور السياسة يكمن في خدمة وشرعنة وتطبيع الأيديولوجي والعقائدي كواقع على الأرض وهو ما نجحت فيه اسرائيل؛ بعكسنا تماما حيث خلطنا السياسة بالتاريخ بالعقيدة فخسرنا وسنخسر لأن السياسة هي فن الممكن ضمن موازين القوى المحددة بعيداً عن الايديولوجيا والعقيدة اللذان يتسمان بصفة المطلق فلا شيء مطلق في السياسة.

اليوم وبعد خمسين عام من النكسة نبدو أضعف وأوهن ما نكون وهو ما يعني إن أي تسوية سياسية قادمة لن تكون في صالحنا بل على حسابنا في ظل موازين القوى، ومن المؤكد أنها لن تكون عادلة لكن أي تسوية من هذا القبيل إن حدثت فلن تكون إلا ترحيلاً للصراع لأنها لن تعدو كونها وقت مستقطع في تاريخ صراع سيستمر لعقود قادمة بأبعاده التاريخية والعقائدية.

في المقابل فإننا خلال العقود القادمة سوف يكون علينا إنتاج شخصية فلسطينية جديدة تحتفظ وتحافظ على الرواية التاريخية الفلسطينية للصراع في نفس الوقت الذي بمقدورها التعامل مع الواقع المختلف تماماً على الأرض وهو ما يتطلب نوع خاص من القادة المفكرين الاستراتيجيين علاوة على أننا بحاجة إلى نظام يكون بمقدوره انتقاء الأفضل في كافة المجالات والدفع به نحو القيادة لأنه لا مكان تحت الشمس هاهنا إلا للأفضل فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة كما قال شاعرنا الخالد محمود درويش لكن كذلك هنا لمن يستحقها فقط.

* أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية

Political2009@outlook.com

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق