في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وجه الشعب الإيراني رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن الإيرانيين يفضلون الاندماج على العزلة الإجبارية التي يفرضها عليه النظام الحالي، أو كما عبر الرئيس المنتخب للمرة الثانية حسن روحاني في خطاب فوزه: "الأمة الإيرانية تختار طريق التفاعل مع العالم بعيداً عن العنف والتطرف".
هذا الخطاب إلى جانب فوز روحاني للمرة الثانية وسط بيئة سياسية متشددة، يعطي للإصلاحيين جرعة أمل قوية لتغيير الواقع السياسي في إيران الذي طالما أحبطه المحافظون بدعم نفوذ الزعيم الأعلى آية الله السيد علي خامنئي.
في المقابل، القدرة على التغيير في إيران ليست أمراً سهلاً كما نعتقد، فهناك سلطة عليا لديها قدرة على مواجهة أي تحرك سياسي أو أمني يقوم به أي مسؤول خارج حلقتها المحكمة، والإصلاح الذي ينشده روحاني قد يموت قبل ولادته بمجرد أن يشاكس الحرس الثوري قليلاً في المنطقة عبر ملفات سوريا أو العراق أو اليمن وغيرها!، لكن إرادة الشعوب تصنع المعجزات على مر التاريخ وانفجار التغيير قد يأتي في أي لحظة.
خروج روحاني كـ "إصلاحي متحمس" منذ بداية حملته الانتخابية إلى فوزه ربما لن يقطف ثماره الآن، ولن يمنح الديمقراطية التي يحلم بها الشعب الإيراني إلا ربيعاً مؤقتاً، لأن معسكر المحافظين لا يزال قوياً الآن.
مقاوم مهزوم
وما يجري الآن هو أن روحاني الذي فاز بفضل وعود بدعم الحريات الاجتماعية وتحسين سجل حقوق الإنسان وفتح الجمهورية الإسلامية أمام الاستثمارات الغربية، يواجه مقاومة من قبل أنصار المهزوم رئيسي، كما إنه لا يزال يواجه نفس القيود التي منعته من إحداث تغيير اجتماعي كبير في إيران خلال فترة رئاسته الأولى وأحبطت كذلك جهود الإصلاح التي بذلها الرئيس السابق محمد خاتمي بين عامي 1997 و2005.
لتقريب صورة المقاومة التي يواجهها روحاني والإصلاحيين بشكل عام من قبل المحافظين إليكم المثال التالي:
كسر الإقامة الجبرية!
واحدة من الوعود الانتخابية لروحاني هي الإفراج عن مرشحين رئاسيين سابقين هما مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذان احتجا على اعادة انتخاب الرئيس الشعبوي المحافظ السابق محمود احمدي نجاد، -إضافة إلى زوجة موسوي- الموضوعين رهن الإقامة الجبرية منذ عام 2011 بعد دعوات للاحتجاج تضامنا مع انتفاضات مطالبة بالديمقراطية في أنحاء الشرق الأوسط، لكن رئيس السلطة القضائية آية الله صادق لاريجاني ورد على روحاني عبر الإعلام بالقول: "من أنت لتكسر الإقامات الجبرية؟".
في مثل هذه الملفات الحساسة التي تبدي إيران تجاهها تحفظاً كبيراً، يكون القرار لـ "المجلس الأعلى للأمن القومي على أن يتولى القضاء الأمر بعد ذلك" كما يوضح المتشدد لاريجاني، سيما وأن الأمر يتعلق بشخصين قادا احتجاج وتظاهرات ضد الرئيس السابق.
هذا، إلى جانب الكثير من الأمثلة والمواقف، يمكن القول إن المحافظين يرفضون قبول فكرة "أن أغلبية كاسحة من الإيرانيين تريد أن يصبح النظام أكثر انفتاحاً"، ويرفضون أي تحرك خارج دائرتهم كما يفكر روحاني.
وربما يرفضون فكرة أن نجمهم في أفول، ومنهم إبراهيم رئيسي الذي هزم في الانتخابات حيث شكا من حدوث تزوير، وطالب السلطة القضائية والمجلس المشرف على الانتخابات بالتحقيق.
فوز عادل ومزاعم مرفوضة
وحتى اللحظة الاخيرة من قبل إعلان النتائج، كان المحافظ رئيسي يأمل أن يكون عبر منصب رئيس إيران الأقرب لخلافة الزعيم الأعلى السيد علي خامنئي، لكنه لم يحظ بالتأييد الشعبي الكافي حتى بات بعد فوز روحاني خارج هذه الدائرة.
ولأجل رئيسي والمحافظين في إيران، قد تكون هذه هي المرة الأولى التي تحدث في إيران، أن تخرج تصريحات تحمل اتهامات متبادلة وتشكيكات فيما يرتبط بالانتخابات والوضع السياسي العام، فالجميع اعتاد على أن ما يحدث في إيران بفضل رعاية الله ورضاه!.
رغم ذلك استجيب لطلب رئيسي، إلى اللحظة التي صادق فيها مجلس صيانة الدستور الذي يشرف على الانتخابات ويدقق في طلبات الترشح في إيران على أن فوز روحاني "عادل"، وأن مزاعم المحافظ المهزوم إبراهيم رئيسي مرفوضة.
الوجه الآخر للمحافظين
يكشف خروج روحاني بتصريحات هجومية تجاه خصومه المحافظين هذه المرة وجوه لم يألفها الكثيرين عن ساسة إيران وكبار قادتها.
يتهم روحاني التيار المحافظ بأنه "متطرف" و "عنيف" وهذا أكثر ما يدغدغ مشاعر الشباب الإيراني المتحمس للحرية والتحرك وسط أجواء اكثر انفتاحاً.
والأخطر من هذا كله ما يقوله روحاني أيضاً من أن: "المحافظين يفكرون فقط في الاربعة في المئة الاكثر ثراء في البلاد"!!.
ويؤكد ما يذهب إليه روحاني فيما يخص عنف وتطرف هذا التيار، ردود الفعل الغاضبة التي واجه به الأخير احتفال الشباب الإيراني بفوز رئيسهم المعتدل للمرة الثانية.
فوالد زوج رئيسي آية الله احمد علم الهدى، وهو إمام جمعة في إيران، منع اقامة الاحتفالات لكن شبان أصروا على إقامة حفلهم وهم يهتفون: "نحن لم نغادر المدينة، لقد استعدناها".
وكان رد علم الهدي أن قال لهم: "اذهبوا الى أماكن أخرى إذا كنتم ترغبون في تنظيم الحفلات".
وغضب بعض المحافظين عندما رقص أنصار روحاني وغنوا في شوارع بعض المدن يوم اعلان النتائج احتفالا بفوزه وشارك الرجال والنساء معاً في هذه الاحتفالات.
ولأن المشهد مرعب بالنسبة للتيار المحافظ، فإن أحد أنصار رئيسي علق بالقول: "كان مشهدا خليعا رؤية الأولاد والبنات يرقصون في الشوارع.. زوجتي قالت لي لنعد للبيت قبل أن ينزل علينا غضب الله".
لكن غضب الله ترجم إلى فوز جديد للإصلاحيين بقيادة محسن هاشمي رفسنجاني، وإلى هزيمة جديدة للمحافظين في انتخابات المجلس البلدي!.
اضف تعليق