مرة أخرى يكشر الإرهاب عن أنيابه مستهدفا قلب بغداد في شهر الصيام، فأي اسلام ذلك الذي يعلنه التطرف والارهاب وداعش وهو لا يضع حرمة وميزانا خاصا لـ (شهر الله)، فقد نزف الأبرياء العراقيون دماءهم من جديد، وهذه المرة استهدفوا الكرادة أيضا، تُرى لماذا هذا المكان، ولماذا هذا الإصرار الغريب على استهداف البقعة نفسها؟؟، أسئلة تلقي بنا في دوامة التساؤلات التي تبقى حائرة بلا أجوبة؟.
سلاما على قلب مدينتي حبيبتي، سلاما على صغارها وكبارها، أشجارها وطيورها، عصافيرها ويمامها، سلاما على أراملها، نجومها وأقمارها، نارها ودخانها، ماءها وأنهارها، أرضها وسماءها. سلاما عليها وعلى أكاليل الآهات التي نثرتها في فضائها. وعلى تلك الزهور التي سقطت.
في مساء الأمس لم يضرب أحدا على طبل السحور في مدينتي، ولم يردد سحور.. سحور. فقد تفجرت نار البغضاء والكراهية واحرقت قلب المدينة، فبدأ الجميع يردد النار.. النار.. من مائدة السحور الى سلسلة التفجيرات الأخيرة التي شهدتها هذه المدينة الأنيقة في كل ما فيها، والآن ألا يحق لنا التساؤل لماذا الكرادة ..؟؟
في العام الماضي وفي هذا الشهر بالذات حدث ما هو اكبر من الكلام والوصف او التعليق واغتيلت باقة بريئة من أولاد هذه المدينة، مازالت جمرة فراقهم تستعر في قلوبنا، وتلك النار لا تزال تشتعل في ذاكرتنا، أتسلل من الحزن لأنصت لهذه الاخبار، واغلبها كانت مختصرة تحت عنوان عاجل حدث انفجار في الكرادة، متى ينتهي العاجل من بلدي، متى، هل عن قريب، أحرقتني هذه النار وكأنني انا الحطام، كان هذا الخبر ضربة موجعة أحدثت بصوتي الأنين لهذا أتيت الى قلمي والورقة الشاحبة، حروفي ضائعة لعلها رحلت تسعف الجرحى، وتحتضن الضحايا، رفعت يديه كي أعانقها لكنها رفضت ان تعود، ولا زلت أقاوم لكتابة شيء يساوي في مأساته هذا الحدث الذي يغص بالكراهية في شهر المحبة والخيرات.
كنت أفكر لماذا لم يحدث الخبر ضجة إعلامية تثير نفوس، لماذا لم يعبأ الاعلام العالمي (الانساني) بما حدث لنا في الكرادة، كما فعل مع زيارة ترامب الى السعودية، وكيف وقف الاعلام ومواقع التواصل على هذه الزيارة، وكيف تناولوا رقصة ترامب، وابنته ايفكانا،التي سرقت الضوء بفنجان قهوة، لماذا لا تهزكم ضمائركم برؤية تلك الدماء، في ظل الظروف القاسية، اصبحنا نتهاون في القضايا الانسانية، وقد يكون الدافع هو تكرار تلك الاحداث بصورة يومية، وعادة نبحث عن ما هو جديد ومثير كقصة ترامب، وكيف دخلت زوجته من دون حجاب الى السعودية، واصبحنا مخلصين للدين فجأة، واغلب اهل الدين انتقدوا زيارتها، وانها اردتدت الحجاب في زيارتها لبابا، تركنا الاهم وتابعنا ما هو غير نافع، واغرد الناشطون بتلك التغريدات، لماذا لم يستنكر اهل العلم هذه التفجيرات التي تستهدف ارواح الابرياء، ان انهم اعتادوا واستعانوا بقول لا حول ولاقوة لا بالله العلي العظيم، واكتفى بعضهم بنشر الحداد.
متى تنتهي مأساة هذا الوطن، وما ذنب هؤلاء الاطفال الذين سقطوا، كثير من الافراح قُتلت هنا، خرجوا ليحتفلون بنجاحهم، فنالوا شهادتهم، الوطن الوحيد الذي تحصل فيه على فرح النجاح وتحصل على الشهادة مجانا، علب الأيس كريم تناثرت في الهواء، وهناك قبعة لشاب على الارض تبحث عن رأس صاحبها، مشاهد مؤلمه، لقد قال سيد البلغاء الامام علي:( الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)، لماذا إذن تقتلون الأبرياء باس الدين؟، إن الواجب الانساني هو مراعاة شعور الاخرين والوقوف في محنتهم، ولا يمكن أن نجد من يشعر بأوجاعنا إلا حين نحس بأوجاع الآخرين.
يضيق صدري، مدينة الأحزان تعانقني، يوم آخر من الآلام في مدينتنا ويكتب الناشطون # الكرادة تنزف، لا جديد غير تلك العبارات التي اصبحت تطلق في فضاء شبكات التواصل ولا تفعل شيئا، يرددها الجميع، وتغير الصور الشخصية، ومازالت الصورة الانسانية مفقودة عندنا لا حاجة لاظهار الحزن والتظاهر بالاهتمام، هذا لا يعني أن نعيش ونغرق في عالم الاحزان.
ولكن لا يصح أن نكون بؤساء، فهناك بصيص أمل رغم الجراح، وانتصارات في الموصل، لا نغفل عنها، او نستهين بتلك التضحيات من الجيش والحشد، ونقف ضد التسقيط والغلو في الحديث، ونشعر بقيمة هذه الدماء التي ارقيت في هذا اليوم، وكما جاء في كتابه العزيز (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)، والمعنى أنهم يؤجلون ويمهلون إلى ما بعد الموت، فيكون ذلك أعظم في العقوبة وأشد نقمة، دعكم من لقاء اللوم على الاخرين واجعلوا من هذه الدماء خارطة لطريق الاصلاح، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فهذه الآية تبين لنا ان التغيير يبدأ من النفس ثم من الآخرين، وفي القلب ما هو اكبر من ذلك، إنها الرحمة والمغفرة لشهدائنا الأبرار.
اضف تعليق