بعد ستة أعوام من الحرب والدمار في سوريا، وسقوط مئات الآلاف من المدنيين، وفزع ولجوء نحو 50% من الشعب السوري إلى أوربا وباقي دول العالم -وهي نسبة مرعبة- يصر قادة العالم وكباره على أن تبقى سوريا أفضل منطقة لتصفية الحسابات، دون أن تحرك مشاهد الدمار والموت اليومية أي ساكن لديهم.
يقول دبلوماسي بارز في الاتحاد الأوربي لم تسمه وكالة رويترز في تقرير لها: "في عهد أوباما كنا متفقين على ضرورة رحيل الأسد، لكن الآن فإن موقف ترامب غير واضح"..
بهذا البرود يتعامل قادة العالم مع أشد الكوارث فتكاً بالملايين من الأبرياء على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية.. إنهم لا يحتملون إخفاء نبرة "التوافقات"، كما أنهم يرون أن لكل شيء ثمن، وثمن حسم هذه الصفقة مرهون بإحصاء المزيد من الأرقام القياسية على صعيد الكوارث الإنسانية في سوريا.
شيخون تصحو على جثث هامدة
صباح يوم الثلاثاء، انتشرت "جثث هامدة" في مدينة خان شيخون الواقعة في محافظة إدلب السورية جراء قصف كيماوي ترامت جميع الأطراف مسؤوليته. بعد ساعات بدت جثث الأطفال وكأنها دماً بيضاء لم تعرف الحياة لها طريقاً من قبل.
ما يعرف بالمعارضة السورية، تحدثت عن غارة جوية نفذتها القوات السورية بطائرة من نوع سوخوي الروسية، لكن القوات السورية نفت ذلك بشدة، غير أن المعارضة السورية عادت لتسرد تفاصيل تتعلق بنحو 15 غارة جوية نفذت ما وصفته بـ "المجزرة" وأن الطائرات استخدمت ما يعرف بـ "غاز السارين السام".
واستقبلت هذه المعلومات وغيرها بجملة من التساؤلات حول كيفية تحديد نوع الطائرات التي قامت بتنفيذ القصف في الوقت الذي تحدثت فيه وسائل الإعلام التابعة للمعارضة السورية عن انتشار سحب الغازات السامة في أرجاء المدينة، كما أن هنالك ثمة تضارب في تحديد عدد المصابين والقتلى كما تناقلت تلك الوسائل، واللافت أن رؤساء بعض الدول المحركة للصراع السوري تحدثوا عن إحصائيات متباينة ولم يكتفوا بالتنديد فقط!.
والأمر لا يخلو من أن يكون هذا الهجوم ضمن محاولات إفشال أي جهد دبلوماسي لحل الأزمة بعد أن خاضت الحكومة السورية جولات عديدة من المحادثات مع المعارضة السورية، خصوصاً وأن الهجوم جاء عقب تصريح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وسفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة نيكي هالي بأن "تركيزهما في سوريا ينصب على تنظيم الدولة الإسلامية وليس إزاحة الأسد من السلطة"، وهو ما أثار استغراب الكثير من دول العالم حيال الموقف الأمريكي الجديد.
لوم شديد لأمريكا
من جهتها، اتهمت دول غربية، من بينها الولايات الأمريكية المتحدة، الحكومة السورية بالهجوم الكيمياوي في المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة السورية، فيما وجهت فرنسا ودول أخرى لوماً شديداً للإدارة الأمريكية الجديدة التي قررت منذ تولي ترامب منصبه أن تبقى خارج الصراع.
ومن بين السيناريوهات المقترحة، هو أن ما حدث في خان شيخون أمر دبر لإعادة الإدارة الأمريكية إلى موقفها السابق من النظام السوري، ويؤيد هذا الرأي ما قاله ترامب في أول تعليق له عقب الحادثة.
يقول الرئيس الأمريكي: "أقول لكم إن موقفي تجاه سوريا والأسد تغير كثيرا، فنحن نتحدث الآن عن مسألة مختلفة تماماً".
وتعتقد واشنطن أن الوفيات نتجت عن هجوم شنته طائرات حربية سورية بغاز السارين السام، لكن موسكو حليفة الحكومة السورية قدمت تفسيرا آخراً وقالت "إنها تعتقد أن الغاز السام تسرب من مخزن أسلحة كيماوية تابع للمعارضة بعدما قصفته الطائرات السورية"، وفقاً لرويترز.
كما ترى واشنطن أن الأسد تجاوز "خطا أحمر" حدده الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي هدد حينها بشن حملة جوية للإطاحة بالأسد لكنه تراجع في اللحظات الأخيرة بعد توسط موسكو.
أمريكا أمام مواجهة صعبة
ويرى مراقبون أن الهجوم الجديد وضع ترامب أمام مواجهة صعبة في إمكانية تحديه لموسكو ليعيد لأمريكا هيبتها السابقة ويفعل دورها في منطقة الشرق الأوسط من خلال اتخاذ موقف حازم من الرئيس الأسد.
وكان ترامب قد وصف الهجوم في وقت سابق بأنه "أفعال شائنة يقوم بها نظام بشار الأسد" لكنه انتقد أوباما لفشله في فرض الخط الأحمر قبل أربع سنوات.
تحقيق ستفشله روسيا
أما مجلس الأمن الدولي فطالب بفتح تحقيق في الهجوم، لكن ثمة مخاوف من أن تستخدم روسيا حق النقض (الفيتو) لإفشاله، سيما وأن روسيا قد استخدمته في وقت سابق ضد جميع القرارات التي حاولت إدانة الرئيس الأسد.
ودعا مندوب فرنسا في الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر روسيا لممارسة ضغط أقوى على النظام السوري، وقال: "حقيقة نحتاج أيضا من أمريكا التزاما جديا بحل في سوريا وأن تلقي بثقلها كاملا وراءه".
فيما تساءل مندوب بريطانيا في الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت عن خطة روسيا بالقول: "ما هي خطتكم لوقف هذه الهجمات المروعة الحمقاء؟ كانت لدينا خطة وكان لدينا الدعم وأنتم رفضتموه لحماية الأسد؟"، وردت روسيا على الفور بأن لديها أكثر من خطة لكن الأولى هي محاربة الإرهاب.
ورفض مسؤولان أمريكيان طلبا عدم الكشف عن اسميهما الرواية الروسية، وقال أحدهما "هذا غير معقول.. التأكيدات الروسية لا تنسجم مع الواقع"، وتقول روسيا إنها ستقف علنا بجانب الأسد.
وتصف موسكو اتساع المواقف بشأن هجوم خان شيخون بـ "تقييمات مستعجلة" ودعت إلى نهج متزن.
وبحسب الكرملين فإنه ليس لأمريكا أي معلومات دقيقة وواقعية حول استعمال الكيميائي في سوريا.
كيف ردت الحكومة السورية؟
وترى الحكومة السورية أن الهجوم يأتي ضمن حملة تقودها بعض الدول الإقليمية كرد طبيعي على الانتصارات التي يحققها الجيش السوري على التنظيمات الإرهابية، وأشار وزير الخارجية السوري في مؤتمر صحفي، إلى دور قطر والسعودية وتركيا في دعم المجموعات المسلحة.
ورداً على الاتهامات التي وجهت للحكومة السورية بشأن هجوم خان شيخون، كشف وزير الخارجية بأن غارات الطيران السوري بدأت في الـ 11 صباحاً في حين أن الهجوم الذي تعرض له خان شيخون كان في ساعة مبكرة.
وتراهن سوريا على فهم العالم لصعوبة استخدام هذا النوع من الأسلحة في حربها ضد الإرهاب في وقت ستكون إسرائيل المستفيد الأساسي مما يحدث، فلا تقدم أكثر الأنظمة حمقاً وغباءً على استخدام أسلحة كيماوية مع قوة الرقابة الدولية وكثرة المتصيدين لمثل هكذا تحرك مشبوه.
اضف تعليق