في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017 يتنافس 11 مرشحاً يعرض كل منهم مشروعه السياسي من خلال مناظرات مباشرة عبر شاشات التلفاز وأمام الملايين وسط حيرة مصدرها تداعيات ولّدت انطباعاً سيئاً لدى الفرنسيين حول المرشحين.
هذه المرة، وعلى غير العادة التقى المرشحون جميعهم في مناظرة واحدة في تنافس ساخن وصفه مراقبون بالقول: "إنها فضائح وتقلبات في الموقف".
وتأتي الانتخابات الفرنسية هذا العام في ظل صعود مفاجئ لشعبية أحزاب اليمين في أوربا وكذلك الولايات الأمريكية المتحدة، كما يعتبر أيضاً التصويت على انفصال لندن من الاتحاد الأوربي واحدة من تداعيات هذا الصعود.
وسط هذا التنامي المفاجئ لليمينيين، يتوقع خبراء أن لا تخرج الانتخابات الفرنسية لهذا العام عن دائرة الاحزاب اليمنية في فرنسا، فالمنافسة على أوجها بين مرشح اليمين "فرانسوا فيون"، صاحب كتاب (هزيمة الشمولية الإسلامية)، وبين ومرشحة اليمين المتطرف "مارين لوبان"، التي حقق بفضلها حزب الجبهة الوطنية نجاحاً ساحقاً في انتخابات بلدية فرعية نظمت عام 2009، لكن الاستطلاعات تظهر عكس ذلك تماماً وحدثت مفاجآت غير متوقعة.
نظام الانتخابات الفرنسية
ينتخب الرئيس الفرنسي لولاية تدوم خمسة أعوام عبر الاقتراع العام والمباشر على دورتين في حال لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة في الاقتراع الأول، حيث تنظم دورة ثانية بعد 14 يوماً.
ويشترط في المرشح للرئاسة الفرنسية أن يكون حاملاً للجنسية الفرنسية وغير ممنوعاً من ممارسة حقوقه المدنية، وأن يكون عمره على الأقل 18 عاماً، ومسجلاً في القوائم الانتخابية ويعلن عن ممتلكاته، كما يشترط أن يكون مالكاً لحساب بنكي خاص بالحملة الانتخابية الخاصة به، إلى جانب الحصول على توقيع 500 عضواً من البرلمان الفرنسي على الأقل.
نتائج مفاجئة!
تشير استطلاعات الرأي إلى أن "إيمانويل ماكرون" الذي تولى مسؤوليات حكومية في حكومات سابقة، هو المرشح الأوفر حظا للفوز بانتخابات الرئاسة الفرنسية، الأمر الذي أظهرت فيه هذه الاستطلاعات خلاف توقعات المراقبين، وهو ما حدث أيضا في الانتخابات الأمريكية لهذا العالم بفوز الجمهوري ترامب.
لكن في فرنسا المرشح الصحفي والسياسي اليساري جان لوك ميلونشون، حقق فوزا مفاجئا في المناظرة التلفزيونية التي أجريت، أمس الثلاثاء، بمشاركة المرشحون الـ 11 بعد أن تمكن من التقدم على أقوى المرشحين في السباق الرئاسي للانتخابات الفرنسية.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن ميلونشون الذي يمثل حركة "فرنسا الأبية" اليسارية، كان الأقوى خلال المناظرة، وهذا أيضا جاء خلافاً لمؤشرات استطلاعات الآراء حول دعم الناخبين للمرشحين المشاركين في السباق الانتخابي.
وبناءً على الاستطلاع الأخير، فإن إيمانيول ماكرون، الذي يعتبر الأكثر حظا للفوز في الانتخابات، جاء في المركز الثاني حسب تقييم المشاهدين لأدائه خلال المناظرة.
أما المركز الثالث فجاء من نصيب المرشح اليساري فرانسوا فيون الذي يمثل حزب "الجمهوريون"، بعد أن عبر 15% من المشاهدين عن إعجابهم بأدائه، فيما جاءت المرشحة اليمينية مارين لوبان، زعيمة حركة "الجبهة الوطنية" في المركز الرابع بتأييد 11% من المشاهدين.
مناظرة فولكلورية
من جهتها وصفت الصحف الفرنسية المناظرة الأخيرة التي أظهرت هذه النتائج بأنها "فوضى وتشويش"، فيما تحدثت أيضا عن إحباط لدى الفرنسيين من الطريقة التي تدار بها هذه الانتخابات.
وترى إحدى الصحف أنه من الصعب تذكر أي شيء حول برامج المرشحين الـ 11، في إشارة إلى التدخلات العنيفة والفولكلورية، على حد وصف الصحيفة، التي شهدتها المناظرة.
وأصدرت لجنة الاستطلاع الفرنسية تحذيرا من تقرير إخباري روسي يلمح إلى أن المرشح المحافظ فرانسوا فيون يقود السباق الرئاسي وهو ما يناقض نتائج مؤسسات الاستطلاع الكبرى في البلاد.
رهانات الخيول اسهل من اختيار مرشح فرنسي!
في المقابل، يرى بعض الفرنسيين أنهم لن يواجهوا صعوبة في اختيار الخيول المفضلة لديهم للفوز في الرهان التي تقيمها حانات فرنسا، إزاء الصعوبة التي يعيشها الفرنسيون اليوم لاختيار رئيسهم الجديد.
و يقول بولويه (59 عاما) وهو تاجر سابق في حاجيات دفن الموتى ومقيم في هذه البلدة الواقعة في وسط فرنسا ويقارب عدد سكانها 7,400 نسمة، يقول للوكالة الفرنسية، إنه "عادة انا مع اليمين لكن لست على الاطلاق مع فرنسوا فيون".
وبحسب الوكالة أيضاً، فإن مثل بولويه يقدر ان 40% من الفرنسيين لا يعرفون لمن يصوتون في الانتخابات المقررة يومي 23 نيسان/ابريل و7 ايار/ مايو، او اذا كانوا سيتوجهون حتى للاقتراع وهو أمر غير مسبوق في فرنسا.
وترى استاذة العلوم السياسية في جامعة لورين آن جادو ان القضايا والفضائح طغت على الحملة الرئاسية وهو ما خلق حالة من الغموض والتطورات.
ثم تختم الوكالة الفرنسية تقريرها بقول بولويه الذي قال انه سيمضي يوم 23 نيسان/ ابريل "ربما في صيد السمك... الامر يتعلق بالاحوال الجوية".
مصدر حيرة الفرنسيين
ومصدر هذه الحيرة التي يعاني منها نسبة كبيرة من الفرنسيين، هو تصاعد وتيرة الخطاب الحاد في الحملة الانتخابية ظهرت واضحة في اتهامات متبادلة بين اليمين واليسار.
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ندد بانعدام "الكرامة والمسؤولية" عند مرشح اليمين فرانسوا فيون (63 عاما) الذي يحاول منذ أسابيع إنقاذ حملته من خلال اتهام السلطة والقضاة والصحافة بالسعي لضرب مصداقيته.
وقال هولاند "لا أرغب في الدخول في النقاش الانتخابي، ولست مرشحا لكن هناك كرامة ومسؤولية يتعين احترامهما. أعتقد أن السيد فيون تجاوز ذلك الآن أو يفتقر إلى ذلك".
ووجه الاتهام الأسبوع الماضي لفيون بالاستيلاء على أموال عامة حين كان برلمانيا بسبب شبهات وظائف وهمية لزوجته واثنين من أبنائه. وتم توسيع التحقيق ليشمل شبهات باستغلال نفوذ وتحايل خطير وتزوير.
اما فرانسوا فيون، يركز على نظرية المؤامرة ليزرع الشك في مضامين الاتهامات الموجهة إليه، وليضمن عددا أكبر من الناخبين بعد التحقيق معه أمام قضاة التحقيق بتهمة توفير الوظائف الوهمية.
اضف تعليق