غيوم الازمة السورية بدأت تتبدد، والشمس تنكشف يوما بعد اخر في سماء الدولة السورية، والرد على الاعتداء الاسرائيلي في تدمر يدل على فتح صفحة جديدة من عمر الحرب في سوريا والصراع العالمي عليها. وربما سينعكس ذلك على منطقة الشرق الاوسط بأكملها، فقد نزلت الدول العظمى الى الميدان لإكمال المرحلة التالية من الصراع بعد ان انتهت مهمة الوكلاء في التحضير لما بعدهم.
معارك التوازنات وحجز المقاعد في الخطوط الامامية قبل انطلاق العجلة السورية من جديد (حتى وان كانت مختلفة بعض الشيء عن سابقتها)، ترسم ملامح مستقبل مختلف، والحرب في سوريا لا يمكنها ان تكمل عامها السابع حسب مؤشرات التقدم والتراجع بين اطراف الحرب، فالطرف الخارجي (الاسرائيلي)، لم يعد مخيفا وهذا ما اثبته الرد السوري على غارته في مدينة تدمر، ليتبعه (السوريون) باسقاط طائرة تجسس من دون طيار في منطقة القلمون، وسط حالة من الذهول والفزع لدى القيادة الاسرائيلية التي استشعرت تغيير المعادلات خاصة بعد استدعاء الخارجية الروسية لسفير اسرائيل بسبب غارة تدمر.
اما التفجيرات الانتحارية الاخيرة في دمشق فهي الدليل الابرز على احتراق اغلب اوراق الجماعات المسلحة والتي لم يعد في جعبتها غير تفجير المناطق المدنية وقتل الابرياء وهي احدى مؤشرات الضعف وقصور ذات اليد في مواجهة الجيش السوري وحلفائه في الميدان، وهذه التفجيرات سوف تزيد من سوداوية وسلبية صورة هذه الجماعات المتهمة بقتل المدنيين وممارسة اساليب وحشية في الحرب، كما ان الهجوم على العاصمة دمشق قد انعكس سلبا على داعميه والقائمين عليه كونه جاء في المنطقة الخطأ، فالعاصمة احد الخطوط الحمراء للحكومة السورية ولا يمكن ان تسمح لاحد بالاقتراب منها باي شكل من الاشكال. وهذا ما يفسر السيطرة على الهجوم وصده من قبل الجيش السوري وحلفائه.
الحرب في سوريا تعيش ايامها الاخيرة، فنهاية داعش اصبحت مسالة وقت، والجماعات المسلحة لا مكان لها في ظل تفوق الحكومة السورية وحلفائها، وتخلي حلفاء الجماعات المسلحة عن تقديم الدعم والعون لوكلائهم، استجابة للرغبة الامريكية التي لا تريد اي وجود للجماعات الارهابية في الشرق الاوسط.
وبعد ست سنوات من المعارك التي ترجمت الى هزائم وانتصارات كانت اغلبها في صالح الحكومة السورية؛ يطفو على السطح اليوم وقبل بدء العام السابع للحرب حديث عن اعادة اعمار سوريا، والتسابق الدولي على تقاسم الفوائد الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب. فقد كشف البيان المشترك للبرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا المنعقد في 14/3 من العام الجاري عناصر سياسة الاتحاد الأوروبي حيال سوريا، وعن أن الاتحاد لا يستثني إمكانية تقديم مساعدات مالية بعد انتهاء الصراع فيها، وكذلك تقديم المساعدات من قبل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبنك الاستثمار الأوروبي، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير. ولفت البيان إلى أنه على المدى الطويل، سيتحقق السلام وإعادة إعمار سوريا عن طريق إعادة تشغيل الاقتصاد الوطني الذي تعرض لأضرار جسيمة على مدى السنوات الست من الحرب. واشار الى أن احتياجات الاستثمار في عملية إعادة الإعمار ستكون "كبيرة جداً" وستتطلب "بذل جهود عالمية".
اما روسيا الحليف الابرز للحكومة السورية يبدو انها لا تريد تفويت فرصة الاستفادة من الخبرات العالمية لاعادة اعمار الدولة السورية، وهي تحشد كل طاقتها السياسية والعسكرية في هذا الاتجاه، وفي هذا الاطار اعتبر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أنه حان الوقت لمناقشة مشاريع إعادة بناء سوريا بمشاركة دولية واسعة. وأوضح شويغو، خلال مؤتمر صحفي مشترك لوزراء الدفاع والخارجية من روسيا واليابان في طوكيو الاثنين 20 مارس/آذار: "نعتقد أنه حان الوقت لبدء الحديث عن إعادة إعمار المنشآت في سوريا في مرحلة ما بعد النزاع المسلح، وعن مشاركة تحالف دولي واسع في هذه الجهود". وأوضح أن الجانب الروسي عرض على الشركاء اليابانيين خلال المحادثات في طوكيو، الانضمام إلى الجهود في هذا الاتجاه، بما في ذلك تقديم المساعدات الطبية للمدنيين في سوريا.
الحديث عن اعادة اعمار سوريا ليس جديدا، لكن التركيز على الاعمار دون غيره يعبر عن تغيير في المعادلات، التي تدعمها وقائع الميدان التي وعلى ما يبدو انها في صالح الحلف الروسي الايراني السوري، يضاف الى هذا ان البيانات والتصريحات التي تدعو لمشاركة عالمية لإعادة اعمار سوريا كانت قد خلت من التطرق لفكرة تنحي الرئيس السوري بشار الاسد، اذا ما اخذنا في الاعتبار ان "تنحي الاسد" كانت الشرارة الاولى والمبرر المعلن لانطلاق مسيرة الصراع.
لكن التجارب العالمية تخبرنا ان كل حرب "تولّد" حروبا وازمات من جنس مختلف، فالحرب العالمية الثانية انجبت "الحرب الباردة"، وايقونتها الابرز "جدار برلين". والاشهر الماضية لا توحي بنهاية الصراع في سوريا، بقدر ما تكشفه من تحول الى المرحلة المقبلة من هذا الصراع العنيف، فمهمة الوكلاء المحليين قد شارفت على النهاية، وبناء القواعد الروسية والايرانية على الاراضي السورية فضلا عن التموضع الامريكي في مناطق الاكراد مضافا اليه التدخل التركي؛ كل هذه المتغيرات تؤكد بان الاستعدادات قد اكتملت وان مصير سوريا بعد الحرب اكثر تعقيدا من المانيا المهزومة في الاربعينيات، وسوف لن يكون هناك جدار واحد يفصل بين قوتين عظميين كما حدث في برلين، انما هناك عدد من الجدران (حتى وان كانت غير مادية) حسب طبيعة الحلفاء والخصوم ومناطق الصراع.
اضف تعليق