من حقول نفط كركوك، الى ناحية سنوني في سنجار، ومن ساحة التحرير الى جامعة واسط، بدأت صراعات الاحزاب والكتل والتجمعات تتسارع على نحو ملحوظ في سياق استعدادها للسباق الانتخابي، فقد انفجرت أكثر من قضية ذات ابعاد صراعية واضحة في غضون اسبوع واحد، فيما ستتصاعد ظاهرة تسجيل المواقف واثارة انتباه الشارع السياسي والجمهور الانتخابي شعورا من الاحزاب والقوى السياسية المختلفة ان الناخب بحاجة الى شعارات جديدة تجتذبه، ومواقف حادة تدفعه الى حسم موقفه والتصويت لهذا الحزب او ذاك، او لذاك المرشح من غيره.
وستشتد المنافسة أكثر من ذي قبل لان الناخب يطمح الى الاستبدال والتغيير، وهناك رغبة في ان يحقق الاصلاح المنشود بعض الخطوات الايجابية، وفي حال غياب الرغبة في التصويت والمشاركة او جاءت نسبة المقترعين متدنية قياسا بالرافضين والعازفين عن المشاركة، فان النتائج لن تختلف كثيرا عن سابقاتها، فهناك جمهور حزبي سيصوت لرموز وشخصيات حزبه، وهناك اكثرية مترددة او محبطة ويائسة من التغيير سيكون لها الدور الحاسم في ترسيم اتجاهات الخريطة السياسية القادمة، لكن الاهم من ذلك هو محور التنافس الانتخابي وعلى ماذا سيدور؟
فالبلاد بحاجة الى ادارة سياسية فعالة تترجم مشروع الاصلاح عمليا وقادرة على احداث تغييرات ملموسة في البنى الاقتصادية والخدمية والادارية، الشارع العراقي بحاجة الى مشروع سياسي وخطوات ممنهجة واهداف محددة تبدأ من مجلس النواب وتنتهي في اصغر دائرة خدمية، هذا يعني ان التنافس لن يكون طائفيا او قوميا كما كان رغم حضوره الكبير ولن يكون وجاهيا او زعاماتيا، انما تنافسا برامجيا، فالناس ملت الكلام الكثير والشعارات الفضفاضة والتهور السياسي، ولم يعودوا يفكرون بالخيارات الكبرى غير المحسومة لشكل الدولة ووجهتها السياسية وطريقة ادارتها، توافقيا ام تشاركيا ام بالاغلبيات السياسية.
جمهور اليوم بات اكثر وعيا بمصالحه الخاصة، انه حريص على مرتبه الشهري وامنه اليومي وانسيابية حركة الشارع ومقدار حضور دولة الخدمات والقانون في حياته، ثمة افتراق كبير بين تفكير الطبقة السياسية وتفكير الطيف الواسع من الشعب، فحدود الثقة باتت ضعيفة مالم يستعدها السياسيون ببرامج واقعية وقدرات استثنائية تقنع الجمهور بجدوى التصويت لمرشحيهم.
ستشهد انتخاباتنا القادمة فاعليات سياسية جديدة تنتمي الى ثقافة وشعارات (الحشد الشعبي) وستعمد قوى الى صياغة تحالفات انتخابية بين اليسار القديم وقوى القاع الاجتماعي، كما ستتبلور حالة صراع قوية بين مايدعى القوى المدنية وقوى الاسلام السياسي التقليدي وستسبق ذلك ظاهرة تسقيط سياسي واعلامي عنيفة بين ساع لتحميل الاخفاق والفشل والضعف على قوى تسيدت المشهد السياسي وبين مستثمر لحالة السخط والاحباط لتغليب قوى مؤدلجة على حساب أخرى.
بالإجمال نحن امام معارك سياسية ومسلحة ودعائية ستكون أعنف من ذي قبل، انها تكريس لمرحلة مابعد داعش، وعودة في بعض اوجهها للصراع الايديولوجي بين العلمانيين والاسلاميين. وهي ظاهرة غير حميدة لان صراعات العراقيين المؤدلجة مدمرة وفيها خراب العمران والانسان.
اضف تعليق