جاءني الموت بغتة.. وأنا لا أشعر بشيء، على وسادة المغتسل بين الكفن وأصوات المحبين
أوجاع طلوع الروح ما زالت في جسدي، تؤلمني كثيراً.
بدأت روحي ترتفع أكثر فأكثر.. السماء بعيدة، هنالك أرواح معي ترتفع..هنالك حاجز، تزدحم عليه الأرواح، توقفي أيتها الروح، هل لديك جواز سفر؟ بطاقة شخصية؟ أتعرف أحدا في هذه الحدود؟
- ماذا تقولين أيتها الروح؟
ليس لدي كل ما ذكروه ماذا أفعل الآن!!
تسابقت الأرواح إلى قطع الحاجز بنجاح.. بقيت روحي واقفة تنتظر، ليس لدي مستمسك واحد، ترفرف في السماء تنادي أيها الجسد البليد اين كنت، لم تفكر بهذا اليوم؟! ما هذا السكون.....؟
لا أحد يسمعني وُضِعَ جسدي في القبر جاء الملك ونادى:
يا بن آدم جمعت الدنيا أمْ الدنيا جمعتك؟! يا ابن آدم تركت الدنيا أمْ الدنيا تركتك؟! يا ابن آدم استعددت للموت أمْ المنيّة عاجلتك؟! يا ابن آدم خرجت من التراب وعدتَ إلى التراب...
خرجت من التراب بلا ذنب وعدتَ إلى التراب وكلّك ذنوب.
فإذا ما انفض الناس عنك وأقبل الليل لتقضي أول ليلة صبحها كصبح يوم القيامة
ليلة لا يؤذن فيها الفجر
لم يقل المؤذّن يومها حي على خير العمل... انتهت الصلاة... انتهت العبادات... سيؤذّن الليلة عزرائيل،
أيتها العظام....أيتها الأعضاء... المتناثرة....
قومي تهيّئي للمحكمة الإلهية..
عندما يُقبِل عليك ليل أول يوم في قبرك.
يا ابن آدم رجعوا وتركوك، في التراب، دفنوك ولو ظلّوا معك ما نفعوك، ولمْ يبقَ لك إلا أنا الحيّ الذي لا أموت...
يا ابن آدم من تواضع لله رفعه، ومن تكبّر وضعه.
عبدي أطعتنا فقرّبناك، وعصيتنا فأمهلناك. ولو عُدْتَ إلينا بعد ذلك قبلناك،
إنّي والإنس والجنّ في نبأ عظيم
أخلُقُ ويُعْبَدُ سواي، أرزق ويُشكر غيري.
خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد.
أتحببّ إليهم بنعمي وأنا الغنيّ عنهم، ويتباغضون عنّي بالمعاصي
وهم أفقر شيء إليّ.
أهل الذكر أهل عبادتي، أهل شكري، أهل زيادتي، أهل طاعتي، أهل محبتي، أهل معصيتي، لا أقنّطهم من رحمتي، فإن تابوا فأنا حبيبهم، فإنّي أحبّ التوابّين وأحب المتطهرين.
وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، ابتليهم بالمصائب لأطهّرهم من الذنوب والمعاصي. من عاد منهم ناديته من قريب، ومن بعُدَ منهم ناديته من بعيد. أوجدتُ إلهاً ﻏيري ﻮانا الغفور الرحيم. الحسنة عندي بعشر أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو.
أنا أرأف بعبادي من الأم بولدها
حان وقت فتح كتابك. ايتها الروح ارجعي.
رجعت روحي إلى جسدي، يرتعش من الخوف. المنزل ظلمة القبر وضيق اللحد، فتحت كفني، وجلست على تراب القبر، ولكن الأمر من ذلك هو وحشه القبر، حيث الأهل والأقارب والأحباب تركوني وحيدا في جوف ذلك القبر الصغير، مغطى بذلك اللحد المشرب، فلا أرى سوى الظلمة وانا اعلم منذ صغري بأن الملكيْن منكر ونكير يأتيان لي ليقيّما أعمالي منذ ان خط عليَّ القلم.
فواغوثاه من ذلك اليوم واغوثاه، يا الله من سؤالهما فلا حجه لي، الكفن هو القرطاس، والاصبع هو القلم، والريق هو الحبر.
بين سؤال وجواب ملائكة ترتفع، وملائكة تهبط، ملك يرشدني أن أكتب أعمالي بسبابة اصبعي والورق كفني، أكتب كل أعمالك، يرتجف قلبي، جسدي يؤلمني، دموعي لا تكفي فالامر عسير، يارب ماذا اكتب، اكتب يا فلان ما صنعت، فتملأ أعمالي ذلك الثوب من حسنات ومن سيئات لا يعلمها إلا الخالق، حتى أرى الرهبة في القبر، ويصبح الصراخ هو ما املك، والخوف مما اصنعه، ولكن أين المفر يا ربي أين المفر..
نداء يهز القبر.. أكتبْ ما كنت تعمل يا فلان....
سوَّدتُ صحيفة أعمالي
ووكلتُ الأمر إلى حيدر
فهو الضامن في الحشر، كلمات قلتها حتى كتب في كفني يرجع الأمر إلى حيدر.
منبر من نور، وضع في قبري، يسألني: من ربك؟
بخوف أجيب: الله ربي
من نبيك؟
محمد رسول الله نبيي.
وقف رجل يشع النور من جبهته الى عنان السماء على المنبر حينما سألني: من أمامك؟
نظرت إليه وقلت بدون خوف أو تردد: علي.. علي
ومن بعده؟
قلت: أئمتي الحسن والحسين والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والقائم المهدي.
وقف وقال ماذا كنت تعملين في حياتك؟
قلت: أنا مقصرة يا ليت الحياة تعود!
أعاد السؤال مرة أخرى
قلت: سيدي انا خادم للحسين منذ الصغر، كنت اقرأ على الحسين، ابكي، أذهب لزيارته، وفي يوم العاشر اشارك بالتشابيه، اذهب مع (المشّاية)، في يده كتاب أخذ يبحث عن اسمي بين صفحاته، رد عليّ ان اسمك في سجل الحسين، سيأتي الحسين لزيارتك.
الحسين!
فإذا بي ارى نورا قد انار قبري من الجهة اليمنى مشرقا حتى انار ذلك المكان واصبح روضة من رياض الجنة.. إنه الحسين....!!
ربي أتذكر بأني لم أنسَ مصيبة ابي عبد الله الحسين(ع)
فلا املك سوى صرخة واحده ((يا حسين)) ((يا حسين))
مقطوع الرأس، مسلوب العمامة والرداء، مضرَّج بدمائه، اثر الطعنات وملامح العطش كانت واضحة، نعم انه الحسين، حضر عندي، يا حسين، رأيت النور الذي لا يفارقني هو أنيسي فيخبرني مولاي بأنك ايها الموالي انت سمعت بمصيبتي، وبكيت، كنت من المعزين، لطمت، وخدمت زائرين قبري.
أخذ يمسح على كفني، ويقول: اسمك في سجل خدمتي، لا تخف، انت من المعزين لأمي فاطمة.
ختم مولاي الحسين (ع) على كتابي أخذته بيدي اليمنى.
أشار لي بالجانب الأيسر من القبر رأيت جنة أشجارها خضراء، ثمارها ألوان، انهارها من العسل، ملائكة تسبح لهم، مكتوب عليها، هذه جنة خدام الحسين. قال لي الإمام الحسين (ع): هذا هو جزاؤك عندي، لا تخف انت في مأمن منا أهل البيت، والسعيد من كان خادما مواليا لنا، حتى وان كانت هذه الخدمة مقصورة على كتابه شعر او قصيدة او خطابة او نعي، او الذي يسقي الماء للمؤمنين او حتى الذي ينظم السير وحتى الباكي والمتباكي، نسجل أسماءهم، ونأتي عند القبر، حتى تلك الدمعة لا تضيع، السيدة فاطمة الزهراء تلتقط شيعتها ومحبيها كما يتلقط الطير الحب الرديء من الجيد، تبحث عنهم وتحميهم ليلة القبر، ها هم الآن في سلام يرقدون، لا خوف عليهم ولاهم يحزنون.
أنا الآن في جنة الحسين (ع) ونصب العزاء والمواساة والملائكة تشاركنا العزاء والبكاء، في ليلة العاشر نلبس أكفانا و(نطبّر)، الملائكة ترفرف بأجنحتها، الزهراء تنتحب معنا، عاشوراء في الجنة، والشعائر مستمرة، والحسين معنا.
(إحنه غير الحسين ما عدنا وسيلة).
اضف تعليق