لا عجب إن سُمّيَ يوم عاشوراء بالمدرسة، فهو كان ولا زال يخرّج آلافا من الأبطال في كل عصر بل في كل عام، ان كل خطوة قام بها سيد الشهداء (ع) في يوم العاشر تعتبر درسا وهذا الدرس للبشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم، أي إن المدرسة لم تكن تشمل الرجال فقط (لكون ﻻ جهاد على النساء) بل النساء والشباب والصبية ايضا، فقد أدت السيدة زينب دور المعلم الفاضل وكانت نعم الخلف ونعم الحافظ لعيال الحسين وتحملت عبء إكمال الرسالة المحمدية، فكانت كلماتها سيوفا ضد طواغيت العصر ومنهاجا للأمة.
إن من أهم الدروس والعبر المستوحاة من تلك المدرسة هي حسن الظن بالله وحمده في الشدة والرخاء، ولا شك أن ما مر به آل الرسول لم يكن هينا، فغربة أبي عبد الله (ع) وتركه وحيدا في صحاري جرداء وإحاطة الأعداء به وهو يرى عياله وقد شبت النار في خيامهم ثم معرفته انه ميت وتاركهم ولا من ناصر لهم سوى الله، أمر ليس بالهين على ابن بنت الرسول ولا على نسائه، فينطق في تلك اللحظة: (اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة).
هو لم يطلب النصر "ولو دعا ﻷجيب" او ان يطيل الله في عمره او أن ينزل الغيث بل وثق بالله وترك الأمور لتدبيره تعالى من دون اعتراض او تردد على أمره، كذلك السيدة زينب (ع) بعد استشهاد أخيها وقد سبيت "وهي الحرة بنت الكرام والسبي كان امرا صعبا لسيدة تطفئ الأنوار عند خروجها وقد أحيطت بإخوتها لم يجرؤ احد من الاغراب على رؤيتها قط" وفجأة تكون وحيدة محاطة بالأعداء مع نسوه وأيتام وشاب عليل! لعل امرأة في مثل هذه الحالة كانت لتنهار او تكسر إلا ان السيدة الحوراء (ع) تحلت بشجاعة ابيها ووقار امها الزهراء (عليهما السلام)، وهي تخطب وتصد كبار الظلمة بكل كبرياء وإباء أبت أن تهتز من وقع كلامهم او تتأثر بشنيع أفعالهم، والاكثر من ذلك انها كانت راضية بما جرى عليها متجرعة لوعة المصاب بعظيم الصبر وهي منحنية لله تعتذر عن أداء صلاة الليل من جلوس في ليلة الحادي عشر وهي تقول (مارأيت إلا جميلا)، فالسيدة زينب (ع) لم تكن لترد على اولئك الطواغيت ويمكنها الاكتفاء بالصمت جوابا إلا انها ارادت ان تثّبت الرسالة الحسينية وايصالها الى الامة كدرس وشاهد حي في التفاني والصبر على البلايا.
وهذا مالا نشاهده عند عامة الناس، فما أكثر اللذين يكفرون بالله عند مرورهم بضيق او مسهم طائف من الحزن والبعض يرتد عن دينه او يلجأ الى الحرام كالذي يشرب الخمر كي ينسى او يقتل نفسه انتحارا للهروب من الدنيا الى الجحيم، فأراد الإمام الحسين (ع) هداية الناس وبيان التحلي بالثقة لله في جميع الظروف والأوقات مهما بلغ الألم بصاحبه وهذا الصبر لا يأتي إلا بعد التوكل على الله.
ومما يجدر الإشارة إليه إن الانسان يجب ان يميز بين التوكل على الله والصبر وبين الركون الى الجلوس والتقاعس ثم يبتلى ويدعي انه صابر على بلاء الله تعالى، فهذا مالا تريده الشريعة الاسلامية فحتى الامام الحسين (ع) على الرغم من علمه بكل ما سيجري على اهله وعياله اعد العدة للحرب، فحسب ما ذكر سماحة المرجع الكبير السيد صادق الشيرازي في كتابه احياء عاشوراء: (من المعلوم ان سيد الشهداء الحسين قد اعد ليوم عاشوراء ويروى ان قافلة الحسين كانت تحتوي بالاضافة الى الابقار واﻻغنام 250 من الابل مع الف وخمس مئة شخص، وقبل ان يلتقي الامام الحسين بالحر الرياحي وصل الى مكان فيه ماء فأمر ان يسقوا الماء وفي المقابل كان الحر يقف بجيش بلغوا زهاء الالف وقد غرز العطش مخالبه فيهم وفي خيولهم فقال الحسين لفتيانه (اسقوا القوم وارووهم ورشفوا الخيل ترشيفا) علاوة على شدة الحر كان يجب ارواء اﻻبل والخيل التي تشرب اضعاف ما يشربه اﻻنسان، من هنا كان يتضح ان اﻻمام كان يحمل من الماء والطعام كمية كبيرة استطاع ان يسقي بها 1500 من المقاتلين و250 من اﻻبل بالإضافة الى سقاية 1000 مقاتل من جيش الحر مع خيولهم).
إضافة الى إن الامام (ع) نظف ما حول الخيام من نباتات برية واعشاب ونباتات شوكية لئلا تجرح عياله واطفاله عند هروبهم بعد احراق الخيام، والثوب الخرق تحت ثيابه المباركة كي لا يبقى عاريا بعد قتله ونهب ثيابه وغيرها الكثير من الامور التي تبين استعداد الامام الحسين لتنفيذ قضاء الله وارادته على الرغم من انه نصح القوم مرارا وطلب منهم الرجوع الى المدينة واخلاء سبيله رغم معرفته انه مقتول لا محالة، لكنه اراد (ع) ان يؤدي واجبه (قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يهتدون) ووصيته لاخته عليه السلام بالصبر والحفاظ على الحجاب (ولا تكشفي علي وجها ولا تشقي جيبا).
هذا يعني ان الامام امر بالعمل والاستعداد للقضاء ثم الرضا به، وهذا الامر مرتبط بطريقة ما مع امر الغيبة للإمام صاحب الزمان وهذا الزمن حيث ان على المنتظر الحقيقي السعي والعمل والاستعداد للبلاء الذي يحل به الى جانب العمل الجاد لتحقيق غايته، وله ارتباط أيضا بواقعنا اليومي فنرى الشخص يصيبه الهم والجزع عند تأخير امر يطلبه او امتناع اجابة دعائه، او قبول نذره فيلجأ الى الاعتراض على الله تعالى والتشكيك بعقيدته وإيمانه او حب الله له، ويمتنع عن اداء الفرائض اليومية والمن على الله بها، فالكثير من الناس يقول (ماذا أعطاني الله حتى اصلي) تقال بصيغة الاستخفاف والسخرية ويتقبلها الطرف المقابل بانكسار وهزيمة متغافلا عن قوله تعالى (ان العزة لله جميعا).
اضف تعليق