يجب على الجهات الرسمية أن تتعلم الدروس من الأهالي وهم ينظمون شؤون الزوار بأفضل الطرق، ويقومون بخدمتهم بأساليب حضارية تحترم مكانة وكرامة زائر أبي عبد الله، وكلنا أمل بإذن الله أن نصل إلى نسبة جيدة من إنجاز ما عرضنا له، وهي مشاريع ليست مستحيلة...
المدن الاستثنائية موجودة على مر التاريخ، تتوزع على بلدان وأمم مختلفة، وتوجد في مواقع جغرافية يرتبط اسمها بأحداث (أزلية)، غير قابلة للمحو أو النسيان مهما تقادم عليها الزمن.
مدينة كربلاء أيقونة من هذا الطراز، فهي أولا مدينة استثنائية، وقد اكتسبت استثنائيتها من واقعة الطف، ومن اسم بطلها الحسين بن علي، وثانيا هي تقع في قلب العراق، وهذا يعني الكثير جغرافيا سواء على المستوى الإقليمي المناطقي أو حتى على المستوى العالمي.
لهذا السبب هي منطقة قادرة على استقطاب القلوب والعقول لأسباب واضحة، فهناك جموع مليونية هائلة تتوزع في بقاع العالم أجمع، كلّها تنظر بعيونها وبصائرها وقلوبها ناحية العراق، وتحديدا توجّه بوصلتها نحو كربلاء، حيث يرقد البطل الرمز الأيقونة والنموذج الذي سلب عقول وقلوب الملايين، خصوصا من شريحة الشباب المسلم العارف بحق الحسين.
هذه المقدمات والكلمات والتوصيفات، أردنا من خلالها أن نؤكد لأصحاب الشأن في العراق، بأن كربلاء مدينة لا تشبه غيرها من المدن، وهي في أبسط تعريفاتها مدينة كليّة جماعية شاملة، أو هي مدينة تقترب من أن تكون كونية، وهناك أدلة كثيرة لأثبات هذا الوصف، ولكن لنذهب إلى أقرب وصف وهو حدث قبل أيام لا أكثر, فالمعلومات الوثيقة المدقَّقة تعلن بأن الذين دخلوا إلى مدينة كربلاء من الزوار الكرام تجاوز عددهم العشرين مليونا، فيما ذكرت معلومات وثيقة عن العتبة العباسية بأن العدد فاق الـ 21 واحدا وعشرين مليون نسمة، والسؤال الذي يجب أن يسأله كل مسؤول معني ومهتم، كيف لمدينة صغير جغرافيا مثل كربلاء أن تستوعب هذا العدد الهائل من البشر، أية قدرة تتحلى بها هذه الأرض، ثم أولئك الأهالي الذين يقطنون فيها، كيف يمكنهم تحمل هذا العبء الثقيل الهائل على المستوى الخدمي واللوجستي.
مشكلة الماء والكهرباء والصرف الصحي
ثم يأتي السؤال الأهم والأعظم، هل فكر مسؤولون من الكبار أو الصغار، بصفاتهم السياسية أو الدينية أو المدنية، هل فكر جميع هؤلاء بقضية البنية التحتية للمدينة، وهل سألوا كيف استطاعت أن تتحمل خدمات (الكهرباء والماء مثالا) لهذه الأعداد الهائلة قياسا لقدراتها، في الحقيقة نحن وإن كنا نؤمن قطعيا بالعلم ونتائجه، إلا أن قدرة هذه المدينة في استقبال وتضييف هذه الأعداد العظيمة تجعلنا نحيل هذا الموضوع إلى قدرات خفية غيبية، وإلا كيف لمدينة مثل كربلاء تستوعب واحدا وعشرين مليون زائر كي يحيوا مراسيم زيارة الأربعين؟
ومع كل ذلك برزت نواقص واضحة العيان في خدمة الزوار، ومنها ما تم عرضه على وسائل التواصل كسيارات الحمل الكبيرة (التريلات) المخصصة لنقل المواد الإنشائية والسلع الأخرى، حشروا فيها الزوار بدرجة حرارة عالية وفي معدن ساخن ضاعف من حرارة الجو وأرهق الزوار كثيرا، يُضاف إلى ذلك زحام السيارات التي اكتظت بها شوارع وساحات المدينة، بالإضافة إلى قلة الطرق وعدم كفايتها مما يدل على ضعف التخطيط لإنشاء بنى تحتية تليق أو تنسجم مع هذه الأعداد الكبيرة.
وإذا أردنا أن نتحدث عن خدمات أخرى كالإطعام والشراب، فهو لم يكن بالمستوى المطلوب، على الرغم من أن الأهالي وأصحاب المواكب الحسينية بذلوا قصارى جهودهم في خدمة الزوار الكرام، وكانت خدماتهم عظيمة ومخلصة ولا يريدون منها سوى رضوان الله تعالى وشفاعة الإمام الحسين عليه السلام وقبوله.
إنشاء شبكة طرق معاصرة
وهناك مشكلة الماء، وقلة مضخات الإسالة، ناهيك عن فقدان الكهرباء، وهذا يقودنا إلى كيفية تفريغ الفضلات ومعالجتها، وهذه أيضا تحتاج إلى إدارة خاصة بها، ويجب أن تتضمن قضية تطوير البنى التحتية معالجة هذه الفضلات بأعظم الطرق الحديثة، فكربلاء إذن يجب أن نفتح أمامها آفاق البناء المعاصر والحديث للبنية التحتية الشاملة، التي يكون بمقدورها استقبال وتضييف وتوديع ملايين الزوار من دون أي نقص حتى لو كان صغيرا أو قليلا.
لذا منذ اللحظة يجب على الحكومة وكل الجهات الرسمية المعنية، أن تخطط منذ الآن للسنة القادمة، وتتم الاستفادة من تجربة النواقص في هذه السنة، فيجب أن تبنى (كراجات كبيرة للسيارات)، ويتم فتح شوارع كبيرة ومنتظمة يتم وضعها هندسيا ومروريا بما يجعلها قادرة على توصيل جميع الزوار إلى قلب المدينة، وتوديعهم وتفويجهم عكسيا دون أية عوائق تُذكر.
وهناك شركات متخصصة وعالمية قادرة على إنجاز على هذا الهدف، فيجب تخصيص الأموال الكافية لمدينة كربلاء لتأسيس وإنشاء شبكة طرق عالمية معاصرة تقضي على المشكلات المرورية والمعاناة التي تصاحب زيارة الملايين من الزوار في كل سنة.
وبعد شبكة الطرق إنجاز شبكة الصرف الصحي من خلال شركات عالمية متخصصة أيضا، ولا يدنو منها الفساد والكومنشنات قيد أنملة كونها سوف تكون أموالا مخصصة لمدينة الحسين لذا لا يجوز التجاوز عليها ولا قطع العمولات ولا الكومنشنات منها، وهذا ينطبق أيضا على بنية معالجة الفضلات، وإنشاء (كراجات سيارات نقل الركاب)، وإنشاء شبكة مواصل عالمية حديثة تغطي جميع الجهات التي تحيط بكربلاء وتنفذ إلى داخلها بانسيابية عالية.
وهناك نقطة أخيرة وهي تتعلق بتنظيم جميع النشاطات التي ترافق هذه الزيارة، مثل حركة الزوار، وقضية الإطعام، وأماكن الاستراحة والمنام، ويجب على الجهات الرسمية أن تتعلم الدروس من الأهالي وهم ينظمون شؤون الزوار بأفضل الطرق، ويقومون بخدمتهم بأساليب حضارية تحترم مكانة وكرامة زائر أبي عبد الله، وكلنا أمل بإذن الله أن نصل إلى نسبة جيدة من إنجاز ما عرضنا له، وهي مشاريع ليست مستحيلة، إذا تصدى لها أبناء الحسين المؤمنين به قولا وقلبا وفعلا.
اضف تعليق