عملية نجاح هذه الزيارة يعتمد على تطور ثقافة النظام اجتماعيا واداريا. ومع هذا التطور التراكمي يرتفع مستوى الوصول الى الأهداف التي قامت من أجلها زيارة الأربعين، وهي إحياء المبادئ التي تؤدي الى نصرة الإمام الحسين، لذلك لابد أن تكون الممارسات في الزيارة متناسبة مع الأهداف الموجودة لها...
(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)
تحدثنا سابقا عن مفهوم التعاون، والتعاون على إقامة الحق، وذكرنا إن زيارة الأربعين تُعدّ من مصاديق التعاون على إقامة الحق لنصرة الإمام الحسين (عليه السلام)، ولكن التعاون يبقى مفهوما نظريا في الذهن، ما لم يتحقق التطبيق العملي له وذلك من خلال بناء النظام وتحققه على ارض الواقع.
فالنظام يؤدي إلى الخير، والفوضى تؤدي إلى الشر، لذا فإن التعاون على الحق يؤدي إلى النظام، والتعاون على الإثم والعدوان يؤدي إلى الفوضى.
من هنا فإن زيارة الأربعين (وهي كذلك)، من المصاديق المهمة لبناء النظام، فهذا التجمع البشري الكبير الهائل قد يكون هو، بل هو أكبر تجمع بشري في العالم بهذه الأعداد الكبيرة والخدمات التي تُقدَّم من الغذاء والطعام والإسكان، لذلك فإن عملية نجاح هذه الزيارة يعتمد على تطور ثقافة النظام اجتماعيا واداريا. ومع هذا التطور التراكمي يرتفع مستوى الوصول الى الأهداف التي قامت من أجلها زيارة الأربعين، وهي إحياء المبادئ التي تؤدي الى نصرة الإمام الحسين (عليه السلام)، لذلك لابد أن تكون الممارسات والسلوكيات الموجودة في الزيارة متناسبة مع الأهداف الموجودة لها.
الفوضى تعبّر عن الأنانية
لنفترض أنك تريد أن تذهب من منطقة إلى منطقة أخرى، أو من مدينة إلى مدينة أخرى وهناك شارع يوصل بين المدينتين، فإذا كان هذا الشارع منظّما والسيارات تسير فيه بطريقة منتظمة سوف تصل إلى مقصدك وهدفك بسرعة وسلاسة وسهولة تشعر بالراحة، أما إذا كان الطريق فوضويا وليس هناك ضوابط واضحة وكل إنسان يسير وفق هواه خارج القانون، فتصبح هناك فوضى ولا تصل هدفك، أو تصل متأخرا بعد أن تبذل جهدا كبيرا لكي تصل إلى هذه الغاية بعد تعب كثير.
كذلك فإن إحياء نهضة الإمام الحسين وإحياء أهدافه (عليه السلام)، تحتاج إلى عمل يقوم على بناء النظام الجيد، وهذا النظام يحتاج في كل عام إلى التجديد وإلى التطوير، وأن نقرأ الممارسات التي قمنا بها في هذه المناسبة من أجل التعاون على إقامة الحق وتحقيق، هذه المفاهيم العظيمة وكذلك الاستقرار، والتعايش فيما بين الناس.
النظام يعبر عن التعاون والتعايش فيما بين الناس، والفوضى تعبّر عن الأنانية والصراع، فعندما ترى فوضى سوف ترى هناك أنانية، حيث كل شخص يهدف إلى تحقيق مصلحته الخاصة، لذا فالفوضى تؤدي إلى التصادم والنزاع وتوليد المزيد من المشكلات والأزمات.
لذلك فإن أهم ممارسة نقوم بها في هذه الزيارة ولكي تتطور هذه الزيارة وتكبر في كل عام بما يتناسب مع عدد الحاضرين فيها بأن نراعي قضية النظام ونقرأه بدقة، حتى نستطيع من خلال تطبيقه الصحيح أن نحقق غايات أكبر.
لماذا تحتاج المجتمعات للنظام؟
إن كل شيء في الحياة قائم على الحساب والتقدير، فكل شيء مقدّر، النظام الكوني كله دقيق جدا، فقد خلق الله سبحانه وتعالى الكون كله على التوازن والانسجام، فيما بين الأشياء من الناحية التكوينية، فأساس الكون والخلق هو النظام، ومن أهم معاني قدرة الله سبحانه وتعالى هو النظام، وهذا من أكبر الأدلة التي يستخدمونها في قضية وجود الخالق وهو وجود النظام فالنظام الكوني يعبّر عن خالق عظيم، لأنه لا يمكن أن يحقق النظام بهذه الدقة وهذه الحكمة إلا إذا كان مصدره هو الخالق الأوحد.
وفي الآية القرآنية (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) الرحمن7-9، وكذلك (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) الرحمن 5، فالشمس تعطينا الحرارة والضوء بقدر مسافتها وحجمها من الأرض، فإذا ابتعدت أو اقتربت من الأرض بمسافة قصيرة جدا، فإن ذلك سيؤدي أما إلى تجمّد الناس أو تُحرَق الأرض بمن فيها.
التوازن التشريعي
وكذلك هذا الحسبان يجري من الناحية الاجتماعية والتشريعية، فهناك قوانين وضوابط لابد أن يلتزم بها الإنسان، فالنظام التشريعي والنظام الاجتماعي هما اللذان يعطيان التوافق في الحياة، وهذا ما تؤكده الآية القرآنية (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)، هذا يعني أن كل شيء في الحياة قائم على قوانين وأنظمة تشريعية وعقلانية وقانونية لابد أن يلتزم بها الناس، حتى يتحقق الاستقرار.
على سبيل المثال، فإن الأحكام الشرعية حول الحلال والحرام ليست مجرد أحكام شكلية، وإنما هي عناصر منبثقة من النظام التكويني، فالمحرمات تؤدي الى الاضرار بالأفراد والمجتمعات مثل حرمة الخمر والقمار والربا والزنا، (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) المائدة 91. وكذلك فيما يتعلق بالقضايا الأخلاقية، فإن الصدق حسن لأنه منبثق من النظام الكوني وأن هذا النظام الكوني هو نظام صادق منبثق من النظام الإلهي، والكذب سيء لانه يناقض العدالة الإلهية. لذلك فإن قوانين الله سبحان وتعالى لا تبديل ولا تغيير فيها، لان القانون التشريعي الإلهي ينبثق من القانون التكويني، لذلك فإن الدول التي تعمل بقوانين وضعية منفصلة عن القانون الإلهي تعيش مشكلات وأزمات كبيرة وتفتقد الاستقرار، لان قوانينها متغيرة ومتبدلة حسب مصالح الأحزاب والجماعات النافذة.
مثلا القانون الوضعي يعمل بالربا، والربا هو معاملة خلاف الحكم الشرعي (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة 275. لذلك نرى دائما أن الاقتصاد العالمي يقع في أزمات كبيرة جدا بسبب النظام الربوي المستشري في بنيته، فالربا نظام اقتصادي مريض خلاف القانون الإلهي.
لذلك فإن النظام التشريعي الالهي يحقق التوازن الاجتماعي (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، الطلاق 3. فهناك تقدير بحسبان في كل شيء بحياتنا، تتحقق نتائجها من خلال أسباب ومسببات منبثقة من نظام الله سبحانه وتعالى الكوني.
النظام الإلهي يراعي المصلحة العامة
عن الإمام علي (عليه السلام) يقول في صفة القرآن: (أَلَا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي وَدَوَاءَ دَائِكُمْ وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ)(1)، فالقرآن الكريم فيه قوانين التنظيم في الحياة، وبدونها تصبح الحياة فوضى، حيث يعيش كل بطريقته الخاصة دون ان ينظر او يهتم للعيش المشترك مع الآخرين.
هناك نوعان من النظام، وهما النظام الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، والنظام الذي يخلقه الإنسان، فالنظام المنبثق من المبادئ والأسس الإلهية يكون ناجحا، أما النظام الذي يصنعه البشر دون الرجوع الى القانون الالهي، يكون قائما على المصالح الخاصة ونسبية المزاج، وليس على المبادئ المطلقة التي تجمع الجميع، ولذلك تجده نظاما فاشلا، ودائما يصل إلى طريق مسدود، ويؤدي بالنتيجة إلى الفوضى لماذا؟
الجواب: لأن النظام الإلهي غايته المصلحة العامة، ولا مصلحة في شيء خارج إطار المبادئ الإلهية، بينما النظام القائم على المصلحة الخاصة، فهو يصل إلى نهاية مسدودة لأنه نتيجة الأمزجة والغرائز، أما النظام الإلهي فإنه ينبثق من العقل، والعقل هو الذي يرشدنا إلى هذا النظام، والعقل يكشف عن القيم الفطرية المرتبطة بقوانين ثابتة.
بينما النظام المصلحي يكون انتهازيا قائما على الغرائز، فالحاكم او اصحاب الشركات الكبرى، أو التاجر الكبير، هو الذي يضع القوانين الخاصة التي تناسب مصلحته، حتى يبقى في السلطة، أو يربح أكثر، فترى أن هذا النظام يرتبط بغريزة الإنسان، وأهوائه وشهواته، ولا يرتبط بعقله.
أولئك الربويون يفكرون في الربح فقط، ولا يفكرون في العواقب؟، ولذلك لابد أن يقوم النظام على المبادئ الإلهية، وكل نظام يكون خارج ذلك فهو فوضى وليس بنظام.
الفوضى تؤدي إلى الفساد
إذا أردنا أن نقرأ هذه القضية بشكل أكثر دقة، عبر التفريق بين هذين النظامين، النظام الإلهي القائم على المبادئ، والنظام المصلحي الذي تقوده الغرائز، فمن نتائج هذه المقارنة، أن النظام يؤدي إلى الإصلاح، والفوضى تؤدي إلى الفساد، يقول القرآن الكريم: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، هود 85.
وبدراسة لمعظم الأنظمة في العالم، يمكن رؤية الفساد منتشرا فيها، لأنهم لا يوفون بالميزان، وليس لديهم عدالة ولا قسط ولا إنصاف، وإنما يفكرون بأنفسهم فقط، وهذا معنى (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)، وعن الامام الباقر عليه السلام: (كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندكم بالكوفة يغتدي [في] كل يوم من القصر، فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا... فيقف على أهل كل سوق فينادي فيهم: يا معشر التجار قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتناهوا عن اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل و الميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين) (2).
النظام يحمي العلاقات الاجتماعية
فالميزان هو رمز العدالة والإنصاف والثقة في المجتمع، ومن نتائج النظام أيضا أنه يحمي العلاقات الاجتماعية ويجعلها متوازنة، بينما الفوضى تؤدي إلى تدمير العلاقات الاجتماعية، لأن النظام يعني أن هناك ثقة بين الناس، فأنا أثق بهذا الشخص الذي يبيعني السلعة، ولا يبخس الميزان وتوجد عنده عدالة وليس لديه احتكار، وليس عنده جور ولا حيف أو ظلم في عملية الحصول على الأرباح، فتكون العلاقات الاجتماعية متوازنة.
بينما تؤدي الفوضى إلى تدمير العلاقات الاجتماعية، حيث كل فرد في هذه الحالة يفكر في نفسه فقط، ولذلك تلاحظ أن المجتمع مدمَّر من هذه الناحية، لذا نحن إلى حد الآن لا ندرك هذه وخامة هذه القضايا، لأن كل فرد منّا يفكر بنفسه، ولا يفكر في بناء المجتمع الصالح الذي يحمي في الواقع مصالح كل فرد، ومع الفوضى تضيع مصالح الجميع.
الفقر ينشأ من الفوضى
لذلك من نتائج النظام أنه يحمي مصالح الناس وحقوقهم وحرياتهم من الضياع والانتهاك والتفريط، لذلك نلاحظ أن أبسط حقوق الناس ضائعة، فالفقير معرض للانتهاك، فالفقر ينشأ من الفوضى، والغنى الاجتماعي المتوازن ينشأ من النظام الإلهي، لان النظام بالنتيجة يحمي حقوق الناس وحرياتهم. والمجتمع حتى لو يدّعي بأنه ديمقراطي ولديه ضوابط في حقوق الإنسان ويدعي ان عنده احترام للحريات ولكن توجد فيه فوضى، فاعرف ان هذا المجتمع بلا نظام وفيه انتهاك للحريات ولا توجد فيه حماية لمصالح الناس.
النظام يعزز الاستقرار
ومن نتائج النظام أيضا إنه يعزز الثقة والأمن بين الناس، وينشر الاستقرار والصحة النفسية، والشعور بالسعادة، ولكن الفوضى تؤدي إلى القلق والخوف، والهمّ، والهم يعني أنني أنام وأحمل معي همّ يوم غد وأعيش القلق ماذا سأفعل في هذه الفوضى.
من الأمور اللطيفة أنني كنت أناقش بعض الشباب في قضية الفوضى والنظام، فيقول الشاب إنه يريد أن يهاجر خارج البلد، وحين أسأله لماذا تريد أن تهاجر؟، يقول أنا تعبت من الفوضى، أريد أن أرى وأعيش النظام، فالفوضى تتعب الإنسان، وتجعله قلقا حزينا مهموما مكتئبا، ولا يعرف طبيعة مستقبله.
لذلك نؤكد على أننا لابد أن نعزز الثقة والأمن الاجتماعي بين الناس من خلال تعزيز النظام، واستثمار زيارة الأربعين والزيارات الأخرى والشعائر الحسينية، ومختلف التجمعات الإسلامية والاجتماعية من أجل تعزيز ثقافة النظام فيما بين الناس.
النظام يعكس معنى الجمال
كما أن النظام يعكس معنى الجمال والكمال في الحياة، فالحياة جميلة ليس في الجمال الظاهري، وإنما في الجمال المعنوي الموجود في المجتمع، فحين تنظر إلى الكون وتراه جميلا، لأنه منظَّم يسير على وفق النظام، ولذلك يمتلك الكون صفة الجمال، كذلك إذا كان المجتمع منظما فإنه سوف يمتلك الجمال والكمال في الحياة.
أما حين نرى الناس يشعرون باليأس فإننا نرى قبح الحياة، لأنهم يعيشون في الفوضى، والفوضى قبيحة ومضجرة ومحبطة، فلا يشعر الإنسان بالتفاعل معها، فهؤلاء الذين يحبون الفوضى هم أناس مصابون بامراض نفسية، فتجد أحدهم يائس أو محبط، فقرر أن ينحرف وأن يقع في الفوضى أيضا، أي (يخوض مع الخائضين)، ويدخل معهم في الفوضى التي من نتائجها العذاب والبؤس.
(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ، فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) المدثر 38/47.
النظام والشعور بالطاقة الإيجابية
لابد أن نعزز النظام حتى نرى الحياة جميلة، وعندما نرى الحياة جميلة سوف نشعر بالطاقة الإيجابية، فالنظام يمنحنا هذه الطاقة ويعطي المجتمعات التفاؤل في العمل وفي النشاط والحركة والمحبة والابتكار والابداع، فتكون المجتمعات حيّة.
لماذا نرى الناس اليوم يتعاطفون مع زيارة الأربعين، ويتعاطون معها إيجابيا، وتعطيهم طاقة إيجابية؟، لأنها جميلة، زيارة الأربعين هي ليست زيارة دينية فقط، شعائرية، بل هي جميلة أيضا لأنها تعكس تفاعل الناس والعطاء والمحبة والتكافل والتراحم، فتفرض جمالها وكمالها، بهذا المعنى، فتعطي طاقة إيجابية للناس حيث يرون الحياة من منظار جميل ورؤية حسنة، وهذا هو المطلوب.
فنحن نذهب وراء بناء النظام من أجل أن تكون الحياة جميلة وكاملة، وبالنتيجة نستطيع أن نتقدم إلى الأمام أكثر، وهذا هو هدف إحياء نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وهو أن نحيي مجتمعاتنا، أن نحييها بالحرية والعمل والنشاط، وفي رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) عن ذهابه إلى العراق، فقال (عليه السلام): (فان السنة قد أميتت والبدعة قد أحييت)(3)، فالسنّة مفهوم يعبر عن الأسباب والمسببات ودورها في بناء النتائج ومنها النظام كسبب لاستقرار المجتمعات وسعادتها واطمئنانها.
لكن الطواغيت يهملون السنن، ويضعون قواعدهم الخاصة خارج القواعد الإلهية، فتكون المجتمعات مدمَّرة، كما قالت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها: (وَاهْمادِ سُنَنِ النَّبِيِّ)(4)، والسنة تعني القانون الذي ينظم الحياة للناس: (فجعل الله... العدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة)(5) فنهجهم هو نظام ينتج الحياة الصحيحة والسليمة ويؤدي الى التماسك الاجتماعي.
النظام لاستيعاب حالة الهدر
النظام يؤدي إلى الاقتصاد في الجهود والأموال وعدم ضياع الوقت، وانخفاض التكاليف، وزيادة الإنتاج، أما الفوضى فسوف تؤدي إلى العكس، ومجتمعاتنا تعيش حالة من الهدر في أساليب الحياة، لأننا لا نمتلك شيئا اسمه نظام، ولم ننظم أمورنا ضمن إدارتنا لحياتنا، فنعيش ونصرف الكثير مقابل الانتاج القليل، هناك جهد كثير وإنتاج قليل، لذلك يسيطر الإجهاد على حياتنا.
ولو أننا قمنا بتطبيق النظام بطريقة أفضل وأكبر، وندرس هذا الأمر بعقلانية، ونرجع في قراراتنا إلى عقولنا وليس الى امزجتنا، وندرس الأمور بموضوعية ونضع لها الدراسات العميقة والخطط اللازمة من أجل بناء النظام أكثر، سوف تقل التكاليف ويقل الإجهاد وتصبح النتائج عالية.
وهذه كربلاء الكبيرة العظيمة التي تحوي زائرين بهذا الحجم الضخم، فانها تحتاج إلى المزيد من التنظيم، لاستيعاب الزائرين وتوفير كافة مستلزمات الراحة من خلال التخطيط الجيد والإدارة المنضبطة، فتكون التكاليف قليلة والانتاج كبير وليس هناك هدر.
نحتاج إلى أن نفكر كيف نستثمر هذه الزيارة، ونخلق نموذجا كبيرا إسلاميا للنظام الذي يريده الله سبحانه وتعالى، والذي وضعه لنا، والذي جاهد من أجله أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، لأن الفوضى تؤدي إلى الهدر والإسراف، وضياع الجهود والموارد، وازدياد التكاليف، وعدم راحة الزائرين.
اهمية البنى التحتية
في بعض الأحيان يأتي الزائر فيواجه عدة مشكلات، مثل النقل والسكن والكهرباء والماء والمجاري، خصوصا حين يأتي من مكان بعيد في الحر الشديد، فيأتي وليس لديه مكان للإيواء والراحة، فمن المفترض أن يكون في هذه المدينة أماكن إيواء مناسبة للزائرين، تتناسب مع عظمة هذه الزيارة، عبر تأسيس بنى تحتية جيدة.
ومن خلال التخطيط، فلماذا لا نعمل من أجل أن نبني مدينة قمة في النظام، من ناحية البنى التحتية، ومن ناحية الأداء الإداري الكبير، من أجل أن يحلّ الزائر مرتاحا، قد يكون صحيح هذا القول من البعض (دع الزائر يتعب، والأجر على قدر المشقة)، ولكن من واجبنا نحن أن نبني مدينة الحسين بحيث تكون في القمة من ناحية توفير كافة المستلزمات، مثل الطرق الحديثة وشبكة القطارات والسيارات مع بناء كافة البنى التحتية التي تعبر عن المدينة الحديثة التي تليق بأن تكون مدينة الإمام الحسين (عليه السلام).
هذا هو واجبنا، ونحن نعترف بأننا مقصّرون في ذلك، لكننا نسعى وراء إنجاز هذا الهدف العظيم من خلال نشر ثقافة النظام، كما أرشدنا الى ذلك الامام علي (عليه السلام) في وصيته للحسن والحسين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله: (أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ)(6).
وللبحث تتمة...
اضف تعليق