عندما يتناول أحدنا ذكريات عاشوراء، نجد أن الحديث عن عبد الله الرضيع، المعروف أيضًا باسم علي الأصغر، يتجاوز الذكرى ليصبح رمزًا للشهامة والتضحية التي لا تقاس بالعمر أو بالجسد. فبينما نتعجب ونندهش من كيفية استرفاد هذه القصة الصغيرة بمعاني عظيمة، نجد أن عبد الله الرضيع بمعاناته وبسالته قد رسم خطوطًا جديدة لمعاني الروح والمبدأ...
تحت شمس كربلاء الحارقة، وعلى أرض طف المترعة بالدماء والبطولات، تحاورت الجراح والكلمات، وبزغت من بين طيات الزمان والأحداث روح لا تعرف الهزيمة، أحداث يوم عاشوراء نقشت في ذاكرة الإنسانية ملحمة لا تزال تنبض بالحياة، تسترجعها الأرواح المتعطشة للعدل والحق والإخاء، ومن بين هذه الأحداث، تستوقفنا قصة عبد الله الرضيع، التي تجسدت فيها كل معاني الفروسية والشجاعة والإيمان.
عندما يتناول أحدنا ذكريات عاشوراء، نجد أن الحديث عن عبد الله الرضيع، المعروف أيضًا باسم علي الأصغر، يتجاوز الذكرى ليصبح رمزًا للشهامة والتضحية التي لا تقاس بالعمر أو بالجسد. فبينما نتعجب ونندهش من كيفية استرفاد هذه القصة الصغيرة بمعاني عظيمة، نجد أن عبد الله الرضيع بمعاناته وبسالته قد رسم خطوطًا جديدة لمعاني الروح والمبدأ.
في ليلة العاشر من محرم، كان الخيام تعج بالنساء والأطفال، مشهد يبدو للوهلة الأولى مليئًا بالبراءة والهشاشة. لكن بين هؤلاء الأطفال كان هناك عبد الله الرضيع، ابن الأشهر الستة، الذي حملته والدته رملة إلى والده الإمام الحسين (عليه السلام)، مستجدية له بقطرة ماء تروي عطشه. وفي تلك اللحظات الحاسمة، حيث اختلطت الأصوات بالحسرات، وتشابكت الأيدي بالقلوب، وقف الإمام الحسين (عليه السلام) عند معسكر الأعداء، مخاطبًا فيهم كل معاني الرأفة والإنسانية.
"يا قوم، إن كان للكبار عندكم عداء، فماذا فعل هذا الطفل الرضيع لتقتلوه؟". كانت هذه الكلمات تخرج من أعماق قلب الحسين (عليه السلام) لتصطدم بقلوب لا تعرف للرحمة من سبيل. حينئذٍ، تحرك حرملة بن كاهل الأسدي نحو هدفه الشيطاني، وأطلق سهمه المثلث نحو الحجر المقدس، نحو الرضيع العطشان، لتتلقى الروح الطاهرة السهم ببسالة الفارس، فكان السهم يمر عبر الحلق ليرسم على الأرض آخر ملامح البسالة والعزة.
رغم أن عبد الله الرضيع لم يتمكن من النطق بكلمة أو من إصدار صوت، إلا أن صبره وابتسامته البريئة كانت تروي قصصًا لا تحصى من الشجاعة والإيمان. استقباله للسهم كان موقفًا يتجاوز حدود الفهم العادي؛ فقد كان بكاء البراءة في ذاك اللحظة صرخة الفداء الكبرى، وإعلانه للتضحية المطلقة التي لامست قلوب من عاصروا الواقعة وامتدت آثارها عبر الزمن.
ما يجعل هذا الموقف أكبر من مجرد حادثة تاريخية هو حقيقة أنه لم يكن هنالك في كربلاء أطفال ببراءة الأطفال المعتادة، بل كانوا فرسانًا يحملون من الإيمان والبسالة ما يفيض عن أعمارهم وأجسادهم. عبد الله الرضيع لم يكن طفلًا بالمعنى البسيط للكلمة؛ كان رمزًا للفروسية الحقيقية التي تتجلى في تقديم الروح لأسمى القيم والمبادئ.
وفي الحديث عن الفروسية، لا يمكن تجاهل النقطة المحورية التي تجلت في بسالة سيد الشهداء ذاته، الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي حمل طفله إلى المعركة ليس كمدافع وإنما كمطلب للإنسانية والرحمة. كان الحسين (عليه السلام) يعلم تمام العلم أن التضحية بالشرفاء وأبنائهم هي السبيل الوحيد لتبليغ رسالة الحق والعدل ولإيقاظ الضمائر النائمة.
من خلال هذه القصة العميقة، نفهم أن الفروسية ليست حصراً على من يحمل السيف أو يقاتل في المعارك، لكنها تتجلى أيضًا في التفاني المطلق في سبيل القيم الإنسانية والدينية. عبد الله الرضيع، روحه الكبيرة، أضحى رمزًا للفدى والإيمان الراسخ، يقف كبرى شاهداً على الظلم، ويعلي من شأن التضحية في سبيل الحق.
إذن، عندما نتكلم عن كربلاء والطف، نتذكر ليس فقط المعاناة والجروح، بل نستحضر أيضًا الفروسية بأرقى معانيها، حيث تجلى عبد الله الرضيع بكونه فارساً دفاعًا عن المثل العليا، ملهمًا للأجيال القادمة للتمسك بالعدل والشجاعة والإيمان المطلقين.
اضف تعليق