لابد من اعلان الثورة واطلاق مشروع الاصلاح الشامل ليس كرد فعل شخصي على المظالم وليس ضد الحاكم الجائر والسلطة الفاسدة فحسب، بل كان مشروع ثورة الحسين الاصلاحي الشمولي والاستراتيجي ضد مشروع ظلامي اريد منه ارجاع الامة (امة محمد) الى الجاهلية الاولى بعد ان خلّصهم الاسلام منها...

الانحرافات الكبيرة والمشاريع التضحوية الاستراتيجية تحتاج الى مصلحين كبار وعظام من العيار الثقيل اي من طراز الحسين (ع)، واي مشروع هو اهم من مشِروع تصحيح الانحراف الكبير والاعوجاج الاستراتيجي الذي اعتور امة جده العظيم (عليه الصلاة والسلام)؟ وضياع الجهود الكبيرة والانجازات المهمة والتضحيات العملاقة التي بذلها الرسول ابتداء من الهجرة الشريفة وتأسيس الدولة الاسلامية الفتية وانتهاء بسقوطه صريعا على صعيد كربلاء والذي كان هو الميدان العملي لمشروع التضحية الذي عمّد بالدماء الطاهرة وبتقديم القرابين العزيزة من الابناء والاهل من بني هاشم والاصحاب المخلصين الاكارم.

 فيتحقق المشروع الجهادي الشمولي ليس بالشعارات الرنانة والخطب الجوفاء والوعود التي لاتتحقق، ليترجم شعاره الذي اعلنه من البداية للجميع وبوضوح وبصراحة متناهية ببرنامجه الذي اعلنه الى اخيه محمد ابن الحنفية (وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب النجاح والصلاح في اُمّة جدّي محمّد، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رَدَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)، ليحوّل برنامجه الاصلاحي الى واقع عملي ملموس وفي جميع ميادين الحياة كونه اماما مفترض الطاعة لجميع امة جده الكريم.

 ولم يشتمل مشروع الاصلاح الحسيني الشمولي على اية جنبة سياسية او طموح سياسي في السلطة سوى تحقيق العدل والحياة الكريمة واللائقة بالإنسان ونبذ التمييز العنصري حسب مبدأ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وحسب نظرية الرسول الكرم (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى)، التنوع الانساني والاجتماعي والاثني عماد مشروعي الاصلاحي بدون تفريق بين جنس عن جنس آخر او مستوى اجتماعي عن مستوى اخر او سنّ عن اخر ولهذا كان الانسان وسيلته وغايته.

 لذا لايجب القبول بمبدأ ان ثورة الحسين هي الثورة التي قامت ضمن ثنائية الحاكم/ المحكوم بعد ان استحالت بلاد الله العريضة الى بستان قريش والعباد الذين اكرمهم الله الى عبيد والخليفة الى سلطان الله في الارض وهو مؤتمن على الرعية، اذن لابد من اعلان الثورة واطلاق مشروع الاصلاح الشامل ليس كرد فعل شخصي على المظالم وليس ضد الحاكم الجائر والسلطة الفاسدة فحسب، بل كان مشروع ثورة الحسين الاصلاحي الشمولي والاستراتيجي ضد مشروع ظلامي اريد منه ارجاع الامة (امة محمد) الى الجاهلية الاولى بعد ان خلّصهم الاسلام منها وصاروا (خير امة اخرجت للناس) بجهود النبي (ص) تلك الجهود التي صادرها الحكم الاموي (التحاصصي) الجائر وتولية غير المناسب في المكان المناسب بل كان المشروع الحسيني الاصلاحي هو الســعي من أجل تحقيق الإصلاح الشامل في الأمة، وليس تحقيق أية مصالح شخصية او فردية او حتى مزاجية، أو السعي من اجل استلام السلطة كما يشاع.

 إنّ الإمام الشهيد (عليه السلام) نهض من اجل الإصلاح وإعادة أمور الدين إلى نصابها كما كانت في عهد الرسول العظيم. القضية ليست موقفاً شخصياً ذاتياً وإنما هي قضية إنسانية شمولية تتعلق بالحفاظ على مصلحة الأُمّة، فلم يكن الحسين (عليه السلام) ثائراً يتمرَّد على الذل من موقع إحساسه الذاتي بالكرامة، أو التزامه العائلي بالعزّة، ولم يكن إنساناً متمرّداً على الواقع في المزاج التمرّدي الذي يرفض الأوضاع الخاصّة التي لا تنسجم مع مزاجه بل كانت ثورته من اجل وضع النقاط على الحروف وقد وضعها عليه السلام باستشهاده المدوي والذي بقى صداه يتردد الى الان والى ماشاء الله.

اضف تعليق