الثورة الحسينية عملت على إيقاظ الوعي لدى الأمة وكشفت عن خط المؤامرة (سواء كانت أموية أو غيرها) التي تستهدف تشويه المرتكزات الأساسية للرسالة الإسلامية وأسست نقطة البداية للمشاركة الشعبية للحفاظ على الإسلام فاستشهد في ثورة الحسين الصحابي الجليل وشيخ القبيلة وقارئ القرآن وراوي أحاديث الرسول إلى...
بقلم: عبد الرسول عداي
المنهج التغييري في الإسلام منهج يتجاوز لحظته الحالية ويعيد صياغة الماضي والمستقبل فضلا عن الحاضر ضمن رؤية تنفذ عبر الإنسان والمجتمع والتاريخ لا لتسلب هوية ما، وإنما لتعيد فاعلية أية هوية سواء في علاقاتها مع عالم الأشياء أو تفاعلها مع عالم الأفكار.
المنهج التغييري في الإسلام، هو ليس من نمط تغيير الكينونات، أو مصادرة الهوية التكوينية للإنسان عبر الحضارة أو عبر الثقافة أو عبر التاريخ، بل إنها عملية ارتقائية تدفع بالهوية سواء كانت تحتل إنسانا فردا أم جماعة أم قبيلة أم شعبا أم أمة، هذا الارتقاء أو هذا التغيير هو لتطوير الواقع ومن أجل نظرة أكثر رقيا للتاريخ، ومن أجل تخطيط أفضل لبناء الإنسان.
فالإسلام أنتج حضارة، أنتج أمة في مستوى التعبير عن الإنسانية، وأنتج كل الخصوصيات التي من شأنها أن تنمي الفرد والمجتمع وهذا المنهج التغييري في الإسلام ليس وليدا لمؤثرات خارجية سواء كانت قوة أم سلطة أم قانونا بل إنها نابعة ونبعت من سعي الإنسان وتبنيه لهذا الارتقاء أو التغيير، فانتقال الإنسان من الضلال إلى الإيمان انتقال من الظلمة إلى النور، انتقال الإنسان من الباطل، انتقال الإنسان من العبودية إلى الحرية، هو تغير داخلي في بنية الإنسان، صيرورته التكوينية والإسلام ليس إلا مسارا لبلوغ هذا التغيير كما في قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
فالإسلام ليس لحظة ثورة، وليس انقلابا اجتماعيا، وليس فقط دستورا قابلا للتطبيق من أجل رقي حضاري أفضل، الإسلام ثورة مستمرة ودعوة مستمرة، ودستورا متنام، وتغيير اجتماعي ارتقائي، أما من يحاول أن يحصر الإسلام في لحظة ماضية، أو يقيده إلى بوصة من مسيرة التاريخ فانه يحاول أن يلغي الجانب الأهم من معنى الإسلام، فديمومة الإسلام ليست مرتبطة بأبعاده التكوينية كدين أو منهج للحياة أو مسيرة للارتقاء البشري، بل مرتبطة بحاجة البشرية لمزيد من التطور والارتقاء والقرب من الكمال، وحينما نشير إلى التطور فإننا نريد التطور الآمن الذي يحفظ لنا هويتنا، وحينما نشير إلى الارتقاء فإننا نلمح إلى الارتقاء الذي لا يكون على حساب الآخرين بل ارتقاء الإنسان الذي يرتقي بالقيم وبعلاقاتنا مع الآخر وعلاقتنا مع الكون.
وعند تأملنا المنهج التغييري في الإسلام نرى بعدا واقعيا ينبع من حقيقة الإنسان، وسلسلة نحو المجتمع، فكل تغيير في الإسلام هو تغيير مستند على المستلزمات الواقعية لفعل التغيير من المجتمع فالمدة التي قضاها الرسول (صلى الله علية واله وسلم) في معالجة المرحلة الحرجة من التغيير من المجتمع الإسلامي لم تكن هي المرحلة الحاسمة في إتمام كل تغيير مفترض، فالمعادلة في ذلك الوقت كانت تفترض إن هناك دوما مداخلات جديدة وبالتالي فان هذا يستلزم معالجات إضافية تتوازى معها وتتنامى مع قدر المجتمع على تجسيد البرامج الإسلامية المتنوعة في السياسة والفكر والاقتصاد ولكي يحافظ على حقيقة المشروع الإسلامي ونقصد هنا بالحقيقة هي المرتكزات الجوهرية للمشروع الحضاري للإسلام فلابد أن تكون هناك سلسلة من الملاكات البشرية التي تحتل دوما المسار الحقيقي للإسلام ولصورته المتكاملة، فكانت إشارات وتوصيات الرسول (ص) إلى الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) والى بناء عصبة من الصحابة الذين ظلوا رموزا في ميادين البناء الاجتماعي أو سقطوا في ساحات الجهاد السياسي.
لذلك فان المؤامرة الأموية لم تكتف بمحاولات القضاء على المرتكزات الجوهرية للرسالة الإسلامية، من خلال تهميش المنهج التغييري في الإسلام، ومحاولة حصر المشروع الحضاري الإسلامي بين قوسي العهد النبوي، ومن ثم محاولة إيهام المجتمع الإسلامي بوجود فواصل بين زمن الرسالة ودولة الإسلام، سعت وتنفذت مؤامرتها للقضاء على الامتداد الحقيقي للنموذج الإسلامي في المجتمع، من خلال اغتيال الصحابة وتهميش دورهم والتمرد على الحكومة الإسلامية بقيادة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) واغتيال الإمام الحسن (عليه السلام) نتوقف هنا للتأمل ووعي الحدث فالحسين (عليه السلام) قتل بنفس السيف الجاهلي الذي قتل به أبوه وأخوه وعمه وكل الصحابة الذين استشهدوا بين يدي رسول الله (ص) وبنفس السيف الجاهلي الذي شرد الأنبياء وقتل الأوصياء في مسيرة الإنسانية لارتقائها سلم التطور الحضاري.
ترى ما الذي أحدثته الثورة الحسينية؟ كان هناك تطور وتوسع في فهم الإسلام وتطبيق والعمل من أجل تنمية المؤسسات المدنية في المجتمع الإسلامي ومع اشتداد المؤامرة الأموية وتوسعها وجد الإمام الحسين (عليه السلام) يجب أن يكون هناك فصل واضح، خط فاصل بين القيم الإسلامية وبين الانحطاطات الجاهلية خط فاصل بين كل حالة انتماء إسلامية وكل ارتداد أو ارتكاس في النحو نحو الجاهلية وما تمثله قيم الظلام وبدون هذا الخط الفاصل كان يمكن أن يتم تسريب أو إعادة الكثير من قيم وصور وأفكار الجاهلية العربية أو الجاهليات الأجنبية في العصر العباسي.
فالثورة الحسينية عملت على إيقاظ الوعي لدى الأمة وكشفت عن خط المؤامرة (سواء كانت أموية أو غيرها) التي تستهدف تشويه المرتكزات الأساسية للرسالة الإسلامية وأسست نقطة البداية للمشاركة الشعبية للحفاظ على الإسلام فاستشهد في ثورة الحسين (عليه السلام) الصحابي الجليل وشيخ القبيلة وقارئ القرآن وراوي أحاديث الرسول إلى جنب فتيان البيت النبوي وشيوخه إلى جنب المؤمن الأعجمي والرسالي الكتابي والخادم والطفل والمرأة..
هذه التشكيلة من العناصر التي تجسد كل نبض الأمة وهوياتها، أعادت المسؤولية بما بذلته من أرواح طاهرة ودماء زكية في سبيل الله إلى الجماهير الشعبية. من هذا المنطلق نفهم شعار الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بأن كل أرض كربلاء وكل أيامنا عاشوراء، ليس تجسيدا للمأساة بل تأكيدا على القضية، القضية التي ليس من باب الصدفة أن يدعو إلى نصرتها الإمام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) حتى آخر لحظة لا لشيء سوى لأن تلك الثورة التي فجرها بدمائه سوف تستمر لأنها ترتبط بالمحافظة على الإسلام وتسعى إلى الوعي به في مستوى الدعوة والعمل.
اضف تعليق