ملفات - عاشوراء

كربلاء.. رفض التعايش مع الظلم

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (1)

قالَت عاشوراء؛ بلى يحِقُّ للمظلُومِ أَن ينتفِضَ ضدَّ الظَّالِمِ، ويحِقُّ للأُمَّةِ أَن تثُورَ على السُّلطةِ الغاشِمةِ، فلا قُدسيَّةَ لها ولا كرامةَ لها ولا طاعةَ لها إِذا سحقَت حقُوقها واستخفَّت بعقُولِها. ولولا عاشوراء لما شهِدت الأُمَّة أَيَّةُ حركةٍ ثوريَّةٍ طالبَ فيها الثوَّار بالحقُوقِ الطبيعيَّةِ التي شرَّعها الله...

هل يكفي أَن تكونَ في السُّلطةِ لتكونَ على حقٍّ والآخرونَ على باطلٍ؟!.

 هذهِ المُعادلة سعى الأَمويُّونَ لترسيخِها في أَذهانِ النَّاسِ وواقعِ الأُمَّة.

 فهُم على حقٍّ دائماً وأَبداً كونَهم في السُّلطةِ مهما أَجرموا وغيَّرُوا والآخرُونَ على باطلٍ دائماً وأَبداً لأَنَّهُم خارج السُّلطة مهما ظُلِموا!.

 إِنَّهم أَرادُوا رسمَ مُعادلةٍ طرفَها الأَوَّل الحق وطرفَها الثَّاني السُّلطة، فالحقُّ = السُّلطة، والعكسُ هوَ الصَّحيح، فالباطِلُ = خارج السُّلطة.

 ولقد استمرَّ أَمويُّو النَّهج على هذا المِنوال يكرِّسُونَ مفهُوم المُعادلة ويرسِّخُونَ طرفاها في أَذهانِ الأُمَّة وشعُورها حتَّى اعتبرُوا أَنَّ الحُسين السِّبط (ع) قُتِلَ بسيفِ جدِّهِ! فالسُّلطةُ لا يُمكِنُ أَن تُجانِبَ جادَّة الحقِّ.

 وبذلكَ قمعُوا كُلَّ أَنواعِ المُعارضةِ وروَّضُوا المُجتمعَ للقَبُولِ بالحَيفِ والظُّلمِ وعلَّمُوهُ الإِستكانةِ وهوَ يرى يَوميّاً حجم القَهر الذي ينزِل فَوقَ رأسهِ!.

 ذهبَ إِلى ذلكَ فُقهاء البِلاط منذُ ذلكَ التَّاريخ وإِلى يومِكَ هذا! فلقد حاولُوا تبريرَ جرائم السُّلطة وفسادَها وظُلمها بأَيِّ شِكلٍ من الأَشكال.

 يقولُ المَوقع الرَّسمي لفُقهاء التَّكفير [إِسلام وِيب] في معرضِ جوابهِ على سُؤَالٍ [ما حُكم الإِسلام في الخرُوجِ على الحاكمِ الظَّالمِ الذي يبدُو منهُ الكُفر لمُوالاتهِ للكُفَّارِ من يهودٍ ونصارى ومُعاداتهِ لأَهلِ الإِيمانِ منَ المُسلمين؟] [فمذهبُ أَهل السنَّة والجَماعة [أَهلُ الحديث] هو تَركُ الخرُوجِ على الحاكمِ الظَّالمِ، وأَنَّهُ لا يجوزُ ذلكَ إِلَّا إِذا بدا منهُ كُفرٌ بَواحٌ، ففي الحديثِ الصَّحيحِ عن عبادةَ بن الصَّامتِ قال؛ دعانا النَّبيُّ (ص) فبايعناهُ، فقالَ فيما أَخذَ علينا {أَن بايعنا على السَّمعِ والطَّاعةِ في منشطِنا ومكرهِنا، وعُسرِنا ويُسرِنا، وأَثرة علينا، وأَن لا نُنازعَ الأَمرَ أَهلهُ، إِلَّا أَن ترَوا كُفراً بَواحاً عِندكُم فيهِ بُرهان (رواهُ الشَّيخان)].

 ويضيفُ الجَواب [وقالَ (شيخ الإِسلام إِبن تيميَّة) في مجموعِ الفتاوى؛ مذهبُ أَهل الحديث تَركُ الخرُوج بالقتالِ على الملُوكِ البُغاة والصبرُ على ظُلمهِم إِلى أَن يستريحَ برُّ، أَو يُستراحَ من فاجرٍ]. ويُضيفُ [وقالَ في منهاجِ السنَّة النبويَّة؛ ولهذا استقرَّ أَمرُ أَهلِ السنَّة على تركِ القتالِ في الفِتنةِ للأَحاديثِ الصَّحيحةِ الثَّابتةِ عن النَّبيِّ (ص) وصارُوا يذكرُونَ هذا في عقائدهِم، ويأمرُونَ بالصَّبرِ على جَورِ الأَئمَّةِ وتركِ قتالهِم، وإِن كانَ قد قاتلَ في الفِتنةِ خلقٌ كثيرٌ من أَهلِ العلمِ والدِّينِ]. 

 سوف أَتجاوز هُنا مُقارنتهِم بينَ بَيعة الرَّسول الكريم (ص) التي يقُولُ عنها ربُّ العزَّة {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وبَيعة [الخُلفاء] الظَّالمينَ والفاسدينَ والفاسِقينَ الذين جاؤُوا من بعدهِ كالطَّاغيةِ يزيد، منَ الذين وصفهُم رسولُ الله (ص) لأَميرِ المُؤمنينَ (ع) بقَولهِ {ويَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ ويَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهِ ويَأْمَنُونَ سَطْوَتَهِ ويَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ والأَهْوَاءِ السَّاهِيَةِ فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ والسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ والرِّبَا بِالْبَيْعِ} كما سأَغضُّ الطَّرفَ عنِ التَّناقُضِ الصَّريحِ والواضحِ الذي وردَ في نِهايةِ الكلامِ.

 أَتجاوزُ عن كُلِّ ذلكَ حتَّى لا يتشعَّبَ المَوضوع فتضيعَ الفكرَةُ. 

 إِنَّهم يشرعِنُونَ ظُلمَ السُّلطةِ وجورَها، وليتهُم اكتفَوا بشرعَنةِ كُفرِها فقط فلهانَ الأَمرُ فكما قيلَ [يدُومُ الحُكمُ معَ الكُفرِ ولا يدُومُ مع الظُّلمِ].

 وهُم عندما يُشَرعِنُونَ ظُلمَ السُّلطةِ وجَورها ويصِفُونها بـ [أَهلِ الأَمرِ] ويحرِّمُونَ منازعتهُم، فإِنَّما يُقسِّمُونَ المُجتمع إِلى فِئتَينِ؛ الأُولى هيَ الحاكِمة التي لها الحقُّ في التَّصرُّفِ بكُلِّ شيءٍ يخصُّ الأُمَّة رغماً عن أَنفِها لأَنَّ السُّلطة = الحقَّ، ولأَنَّهُم أَهلها وكأَنَّ الله خلقهُم ليكُونُوا حُكَّاماً! والثَّانية هي المحكُومة التي لا تمتلِك شيئاً تتصرَّف بهِ وكأَنَّها منحَت الفِئة الأُولى [الحاكِمة] حقَّ التصرُّف بكُلِّ شيءٍ، وكأَنَّها خُلِقت لتكُونَ كذلكَ!.

والمُضحِكُ في الأَمرِ أَنَّ الفِئةَ الأُولى [الحاكِمة] طالَما استولَت على السُّلطةِ بالدَّمِ وهذا التَّاريخُ أَمامنا يشهدُ على هذهِ الحقيقةِ، فكيفَ يحِقُّ لهُم أَن يُنازِعُوا [أَصحابها] فيستحوِذُوا على الحقِّ [السُّلطة] [بالدَّم] ولا يحقُّ للمظلُومِ أَن يخرُجَ عليهِم طالِباً بحقُوقهِ الطَّبيعيَّةِ إِذا تجاوزَت عليها وسحقتها السُّلطة؟! كيفَ يحِقُّ لهُم أَن يستولُوا على الحقِّ [السُّلطة] وانتزاعهِ من غيرهِم ولا يحقُّ للأُمَّةِ المظلُومةِ أَن تُعارِضَ السُّلطة الغاشِمة لتنتزِعَ مِنها حقوقَها المسلُوبة فقَط؟!. 

 هذهِ الخُزعبلات والفَوضى في التَّشريعِ هي التي استهدفَها الحُسين السِّبط (ع) عندما رفضَ البَيعة للطَّاغِيةِ يَزيد قائِلاً {مِثلي لا يُبايِعُ مِثلهُ} وهوَ النصُّ الذي منحَ المظلُومينَ على مرِّ التَّاريخِ الحقَّ في حُريَّةِ الإِختيارِ لانتزاعِ الحقُوقِ الشخصيَّةِ والعامَّةِ من فمِ الظَّالمِ الذي يقهَرُ شعبهُ.

 قالَت عاشوراء؛ بلى يحِقُّ للمظلُومِ أَن ينتفِضَ ضدَّ الظَّالِمِ، ويحِقُّ للأُمَّةِ أَن تثُورَ على السُّلطةِ الغاشِمةِ، فلا قُدسيَّةَ لها ولا كرامةَ لها ولا طاعةَ لها إِذا سحقَت حقُوقها واستخفَّت بعقُولِها.

 ولولا عاشوراء لما شهِدت الأُمَّة أَيَّةُ حركةٍ ثوريَّةٍ طالبَ فيها الثوَّار بالحقُوقِ الطبيعيَّةِ التي شرَّعها الله تعالى لعبادهِ يومَ أَن خلقهُم وعلى رأسِها حقُّ الحياةِ وحقَّ الحريَّةِ وحقَّ العَيشِ بكَرامةٍ.

 تأسيساً على ذلكَ يُمكنُ الآن تقسيم المَوقف الإِجتماعي من الظُّلمِ والقهرِ والعبوديَّةِ والجَورِ إِلى قِسمَينِ؛ الأَوَّل؛ هوَ الرَّافض وهوَ مَوقف كربلاء والثَّاني؛ هوَ المَوقف المُتعايش القابِل بذلكَ، وهوَ مَوقف الشَّام.

 يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) مُشرعِناً الخرُوج على الظُّلمِ والقَهرِ {لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً ولَيْسَ أَمْرِي وأَمْرُكُمْ وَاحِداً، إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّه وأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لأَنْفُسِكُمْ.

 أَيُّهَا النَّاسُ أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ وايْمُ اللَّه لأُنْصِفَنَّ الْمَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِه ولأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وإِنْ كَانَ كَارِهاً}.

اضف تعليق