وجود وبقاء ظاهرة زيارة الأربعين بل واتساعه رغم مرور الزمان لهي رسالة مقدسة في زمن قد استهدف التقديس من قبل التيار المادي الغالب وتعرض أيضا للتشكيك من قبل التيار الديني المنهزم. وأي حضارة أعظم منها حينما نرى الجفاف والجدب قد ضرب الأفكار والقلوب، فيرسل الله الرياح مبشرات، فتهطل...
ما الدروس الحضارية المستفادة من زيارة الأربعين؟ وكيف يمكن ان تستثمر التجمعات المليونية الحاشدة لشحذ الهمم في ميدان العمل الإنساني العابر لكل العناوين الفرعية في بقية أيام السنة؟ وما السبيل لصياغة ميثاق إنساني باسم كربلاء لمناهضة كل صور انتهاك حقوق الانسان وحرياته في العراق والعالم؟
إنَّ أهم درس حضاري يمكن أن يُستلهم من زيارة الأربعين هو تجمّع على "مبدأ" في زمن إستخرطت فيها المبادئ في عالم يدعي الحضارة والتقدم؛ فصمد هذا "المبدأ" ليرد على من يزعم بموت المبادئ ناهيك على أنه مبدأ ديني؛ والدين أساسا محارب من قبل الجميع؛ لا من قبل التيار المادي الغالب على العالم فحسب بل وحتى من المحسوبين على الدين تحت غطاء تجديد الفكر أو الخطاب الديني؛ فالعالم المادي ينادي بالتحرر من أي مبدأ، بل ويلاحق من يريد أن يعلم أطفاله أية أسس مبادئية مدعيا أن ذلك ضد حقوق الطفل وعليه أن لا يتلقى أي شيء حتى يدخل الثامنة عشر من العمر فيختار ما يريد! والأغرب أنها تصبغ ذلك بصبغ الإنسانية والحرية!
من هنا فإنَّ وجود وبقاء ظاهرة زيارة الأربعين بل واتساعه رغم مرور الزمان لهي رسالة مقدسة في زمن قد استهدف التقديس من قبل التيار المادي الغالب وتعرض أيضا للتشكيك من قبل التيار الديني المنهزم.
وأي حضارة أعظم منها حينما نرى الجفاف والجدب قد ضرب الأفكار والقلوب، فيرسل الله الرياح مبشرات، فتهطل أمطار الأربعين لتنعشها وتعيد الحياة إليها فيحيا المبدأ ويتوقد من جديد.
من هنا فإن أهم ما في هذا الأمر هو أن هذا الإعجاز الأربعيني؛ جاءت بصبغة دينية وببطولة رجل ينتمي إلى الأُسرة النبوية، مما قد عجز الآخرون أن يأتوا بمثله؛ ولذلك فإنها حضارة دينية وإنسانية في وقت نفس الوقت.
وعليه فإن هذه الظاهرة الحضارية تدل على أن الدين هو الأصل، ومن يبتغِ غيره سيكون من الخاسرين.
وما يرتبط بكيفية استثمار هذه الظاهرة؛ فيكفي أنها قد ألغت جميع الاعتبارات والانتماءات والحدود المذهبية والطائفية والقومية والعشائرية والقبلية والسياسية والاجتماعية ومثيلاتها من العنصريات؛ ولقد تجلى ذلك بوضوح في كل لحظات مسيرة الأربعين.
وعليه فإن حصلت أية أزمة أو حادثة طيلة أيام السنة تكون نقيضة لظاهرة الأربعين فما علينا إلا تذكير أنفسنا بتلك المسيرة لنعيشها في سائر الأيام. هذا ناهيك عن سائر مظاهر التعاون والكرم والإيثار والمحبة و.. الجلية فيها، والتي لابد من نقلها إلى ثقافة يومية.
ولصياغة ميثاق إنساني باسم كربلاء لمناهضة انتهاك حقوق الإنسان والحريات؛ فما أحرى أن توضع كلمة سيد الشهداء عليه السلام في قائمة الميثاق حينما قال: "إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم"؛ فالحرية وحقوق الإنسان هي كلمة سواء بين جميع أبناء البشر وبمختلف انتماءاته وعندها تندمج كل الحضارات في بؤرة كربلاء.
اضف تعليق