لنستفيد من قصة نجاح المواكب الحسينية ونطبقها على عمل الحكومة، فالعديد من المواكب تدرس التحديات التي واجهتها خلال كل موسم للزيارة، وتناقش المشكلات، ثم تضح الحلول المناسبة، وهذا أحد أهم أسباب التوسع الهائل في طبيعة الخدمة المقدمة من قبل هذه المواكب، رغم بساطة الموارد المتاحة، حتى باتت قصة نجاح محط فخر لكل شخص يزور كربلاء...
إذا كنت متابعاً للأخبار والبيانات الحكومية قبل الزيارة الأربعينية تتوقع أن مدينة كربلاء المقدسة ستكون ميداناً لسباق السيارات بسبب الوفرة في المجسرات والأنفاق وسعة الشوارع، وستشعر أن الزوار سيخرجون في تظاهرات للمطالبة بوقف التبذير في المياه نتيجة استمرار تشغيل مجمعات تصفية المياه على مدار 24 ساعة، وهكذا في باقي القطاعات المختصة بتقديم الخدمات العامة.
لا شيء يحدث مما سبق، السيارات تتكدس في الشوارع، والكهرباء تقطع عن المواكب والمنازل المكتظة بالزائرين في هذا الصيف الحار، والمياه غير متوافرة للأهالي لدرجة أن بعض الأحياء تشتكي من عدم توفر ماء للطبخ، وبشكل عام تواجه إدارة مدينة كربلاء تحديات كبيرة في الإيفاء بتعهداتها تجاه الزوار ومواكب الخدمة الحسينية.
لا يريد أحد تحميل الإدارة المحلية أكثر من طاقتها، واتهامها بالتقصير، فالزيارة من الضخامة التي يصعب تصورها، ومن المستحيل اتباع إجراءات تحديد أعداد الزوار لأسباب كثيرة يطول شرحها، ومن ثم فلا يبقى أمام الإدارة المحلية وحتى الاتحادية إلا أن توفر أقصى ما تستطيع من البنى التحتية لضمان انسيابية الزيارة.
أول شيء على الحكومة بشقيها المحلي والاتحادي أن توفره للزوار والمواكب هو عدم رفع سقف التوقعات لدى المستفيدين من الخدمات الحكومية، فلا داعي للظهور بمؤتمر صحفي لإعلان اكتمال كافة الاستعدادات لاستقبال زوار أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، هناك طريقة أفضل ليكون مثل هذا المؤتمر السنوي أكثر فعالية.
بدلاً من إعلان جاهزية المدينة لاستقبال الزوار، بينما تتكشف التحديات والنقوصات في بعض البنى التحتية، من الأفضل أن يتحول المؤتمر إلى إعلان عن مستويات الجاهزية للبنية التحتية والقطاعات الحكومية بتوفير إحصائية شاملة عن التحديات بشكل عام، وتوضيح ما تم حله من مشكلات، وتوضيح الأسباب المانعة لحل المشكلات الأخرى، حتى يعرف الزائر وصاحب الموكب أن الحكومة لا تتحايل عليه، إنما هي تتفهم معاناته وتحاول حلها بالوسائل الممكنة.
لنوضح الفكرة بمثال واقعي، فقد كانت شوارع مدينة كربلاء الثلاثة، (بغداد-كربلاء وبابل-كربلاء والنجف-كربلاء)، كانت هذه الشوارع ضيقة، وكل شارع بمسارين فقط، كل مسار يتسع لخطين لسير السيارات، أما الآن فكل شارع رئيسي توسع ليتحمل أربع خطوط للسيارات، وأعيد إكساء الشوارع لتكون خالية من الحفر والمطبات.
وإلى جانب التوسعة في الشوارع الرئيسية، أضافت الحكومة شارعين إضافيين باسم "طريق يا حسين"، مخصصة لمسير الزوار، بحيث لا يتداخل مسير الزوار مع خط سير السيارات، وقد استطاعت محافظة كربلاء قطف ثمار خطتها لتوسعة الشوارع في موسم الزيارة الأربعينية هذا العام.
وإذا تحدثنا عن أهم منجز لخدمة كربلاء وزوارها فهو توسعة الشوارع الرئيسية، حتى أصبحت هذه الشوارع بأنوارها الساطعة حديثاً لكثير من العراقيين في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، فالمنجز الحكومي إذا نفذ على أرض الواقع يتحول إلى قصة فخر بالنسبة للمواطنيين، وقصة نجاح بالنسبة للسلطات الحاكمة.
الشوارع المتكاملة
هل انتهى العمل، وحققت كربلاء الاكتفاء الخدماتي لاستقبال الاعداد المليونية؟
لا بكل تأكيد، لأن قصة بناء الشوارع وتوسعة بعضها، يمثل جزءاً يسيراً من خدمات أوسع تحتاجها المحافظة، ولو بقينا على مثال الشوارع نفسه، وتحققنا منها لوجدناها بحاجة إلى مشاريع تكميلية، حتى تصبح قادرة فعلياً على تحمل زخم الزائرين والسيارات، إذ تعاني المحافظة من "تصحر" واضح في عدد من المشاريع نذكر بعضاً منها كأمثله:
- تصحر وضعف في مشاريع بناء المجسرات والأنفاق، وإذا ما تمت مقارنة عدد المجسرات والأنفاق في المدينة بعدد الزائرين والسيارات التي تدخلها أسبوعياً وشهرياً وسنوياً سوف نجد كربلاء "لا شيء" من هذه المشاريع.
- غياب تام لمشاريع "مترو الأنفاق"، والقطارات القادرة على نقل آلاف الزائرين في وقت قياسي.
- غياب تام للمرائب القادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من السيارات، لذلك تجد المدينة خلال المناسبات الدينية وكأنها علبة صغيرة لاستيعاب سيارات أكبر منها، بالنهاية تغص كربلاء وتتكدس السيارات في مكانها.
- الضعف في بناء مجسرات المشاة، لتسهيل تنقل الزوار بين الشوارع، وعدم تعريض حياتهم لحوادث السير المميتة، فضلاً عن دور هذه المجسرات في الإسهام في انسيابية حركة السيارات وعدم اضطرارها للتوقف كلما حاولت مجموعات من الزوار العبور من الشوارع، علماً ان بناء مجسرات المشاة غير مكلف، وتكاد تكون تكلفتها لا تذكر.
- قلة عدد عناصر شرطة المرور، في مدينة عماد حركتها التنظيم المروري، ومن أجل سد النقص في أعداد شرطة المرور نجد الخطة الحكومية تعتمد على الجيش في تنظيم حركة السير، ما يعقد الأمور أكثر من حلها.
- عدم تنظيم طريق مسير الزائرين "طريق يا حسين"، لأن غالبية المواكب تنصب خيمها على طريق مسير الزائرين ما يتسبب بازدحامات شديدة داخل هذا الطريق، ويضطر قسم من الزوار للمسير على طريق السيارات الرئيسي، وبالطبع سيتسبب بازدحامات مروري وتوقف حركة السير.
هذه مجرد أمثلة لجملة من المشاريع التي لا يمكن تاجيلها، لأن التأجيل لسنة واحدة يعني تمديد معاناة الزائرين لسنوات أخرى، وتجنباً لمزيد من المشكلات التنظيمية والإدارية في زيارة الأربعين والزيارات المليونية الأخرى، من الضروري الإسراع في تقليص الفجوة بين حجم الجموعة البشرية الداخلة إلى مدينة كربلاء، وواقع البنى التحتية في المدينة.
ليس عيباً أن تعلن الحكومة المحلية أنها تعاني من نقص في البنى التحتية المخصصة لخدمة كربلاء وزائريها، بل العيب أن يستمر هذا النقص دون معالجة، وقضية الحسين عليه السلام تستحق منا أن نكون أكثر صراحة مع ذواتنا، وأن نرتقي في مدينة سيد الشهداء لتكون عاصمة لجميع أحرار العالم.
لنستفيد من قصة نجاح المواكب الحسينية ونطبقها على عمل الحكومة، فالعديد من المواكب تدرس التحديات التي واجهتها خلال كل موسم للزيارة، وتناقش المشكلات، ثم تضح الحلول المناسبة، وهذا أحد أهم أسباب التوسع الهائل في طبيعة الخدمة المقدمة من قبل هذه المواكب، رغم بساطة الموارد المتاحة، حتى باتت قصة نجاح محط فخر لكل شخص يزور كربلاء.
معاً لوضع بنية تحتية قادرة على استيعاب زوار الإمام الحسين عليه السلام، ولا مجال للتأجيل لأي سبب كان.
اضف تعليق