عندما نقول الوعي الإعلامي لزوار الأربعين لا يعني أننا نريد من الزائر أن يكون أسيراً للأسلوب الذي تريده منه وسائل الإعلام، بل أن يكون منتبها لكل خطوة، لأن الكامرات يمكن أن تصوره في أي لحظة، وهناك احتمال كبير أن تكون صورته عالمية، فأي صورة تختار أيها الزائر...
زيارة أربعينية الأمام الحسين عليه السلام صارت تظاهرة سنوية عالمية، جذبت إليها وسائل الإعلام والإعلاميين وصناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وكل هؤلاء لديهم عدة أسئلة منها: لماذا يذهب هؤلاء الناس مشياً على الأقدام قاطعين مئات الكيلومترات؟ ومن يقدم لهم الخدمة على طول الطريق؟ ولماذا تقدم الخدمات بشكل مجاني؟ وما هي القيم التي يحملها الزوار ويمارسونها كسلوك على أرض الواقع؟
كل هذه الأسئلة تتطلب إجابات من الزوار سواء بشكل شفوي كما نشاهده في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، أو على شكل سلوك نلاحظه بدون الحاجة إلى حديث مع الزوار ومن يقدمون الخدمة لهم، وهذا بحد ذاته يمثل تحدياً جديداً وثقلاً على الزوار الانتباه إليه، فلم يعد الزائر بحاجة إلى من يعترف بوجوده وحقه في ممارسة شعائره، إذ أن ممارسة الشعائر مضمونة في المادة العاشرة من الدستور العراقي، ولا يحتاج الزائر للتخفي تحت الظلام، أو الهروب في الطرق الزراعية، خشية الإمساك به من قبل المفارز البعثية.
الدولة اليوم هي التي تحاول توفير ما تستطيع لنجاح الزيارة على المستويين الأمني والخدمي.
التحدي الأساسي بالنسبة للزوار، والزيارة كشعيرة دينية هو الإجابة عن التساؤلات التي تحاول نزع الشرعية عنها.
لكن قبل توضيح هذه النقطة دعونا نعود 20 سنة إلى الوراء، إذ كان التحدي الأساسي بالنسبة للزائر هو الوصول سالماً إلى مرقد الإمام الحسين، فالسلطات الحكومية كانت تنصب السيطرات على طول الطريق، ما اضطر الزوار إلى المسير على الطرق الزراعية وتحمل كل أنواع التعب والأتربة والوحل والمياه الآسنة وغيرها الكثير، فليس المهم بالنسبة للزائر في تلك السنوات كيف يكون شكله وهندامه، لأن وسائل الإعلام لم تكن موجودة حتى تصوره بالطين والتراب نتيجة الهروب في البساتين.
وقد يكون حال الزوار خلال أيام حكم حزب البعث امتداداً لقرون من الانتهاكات والمضايقات من السلطة، فتعود الناس على وسائل بدائية في كل شيء يتعلق بالزيارة، أما الآن فالوضع اختلف تماماً، لم يعد التحدي الأمني موجوداً، والحكومة اعترفت دستورياً بشرعية الزيارة سيراً على الأقدام إلى المراقد المقدسة، والشوارع تفتح لعدة أيام لخدمة الزوار، وكل شيء متوفر تقريباً من الأكل والشرب وليس انتهاء بغسل الملابس وتقديم السكن المجاني على طول الطريق.
هذا التحول وضع الزيارة أمام أنظار العالم، وأصبحنا أمام صورتين لها:
الصورة الأولى التي تنقلها وسائل الإعلام المحلية مثل قناة كربلاء وقناة العراقية وغيرها من الفضائيات العراقية، وهي صورة تصب في صالح تعزيز القيم التي يحاول الزوار تطبيقها اقتداء بسيرة الأمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام.
الصورة الثانية يمكن تسميتها بـ"صورة الخطأ"، وهي المادة الإعلامية التي عبر اقتناص القضايا غير المتفق عليها وطرحها على طاولة للجدل غير الموضوعي، وبما يقلل من شأن الزيارة، إذ لم يعد خافياً حجم الترصد لـ"صورة الخطأ"، حتى أن البعض بدأ يتهكم على الزوار نتيجة هذا النقاش غير الموضوعي.
هناك من يجادل على قصيدة حسينية ألقيت في طريق المشاية، أو طريقة توزيع الطعام وتزاحم الزوار على الأكل، أو تطيين الملابس، بل وحتى نوعية الملابس التي يرتديها الزائر.
ومن بين القضايا التي بدأت تثار في إطار مرصد "صورة الخطأ"، ما يشاع عن مطالب بعض الزوار بخدمات vip كالانترنت وتوفر أماكن لشرب الأركيلة، وليس انتهاء بطريقة المشي.
الفكرة الأساسية لإعلام الصورة الثانية لزيارة الأربعين، قائمة على تتبع الخطأ، ولنكن أكثر صراحة، فالزيارة نشاط انساني، والزوار فيهم المثقف والمتعلم وفيهم غير المتعلم الذي لا يعرف إلا التقاليد التي ورثها من أهله ومجتمعه.
ما نحتاجه في الزيارة لهذا العام، والزيارات المليونية خلال السنوات المقبلة أن تكون كل خطوة يقوم بها الزائر عبارة عن إجابة لسؤال معين.
على الزائر أن يكون واعياً لمكانته وهو يسير إلى كربلاء المقدسة، وأول خطوات الوعي أن يتجرد من شخصيته الفردية ويندمج في الوعي الحسيني الأوسع، فلا يتحرك ولا يمشي ولا يقف، ولا يأكل، ولا ينام، إلا بصفته كزائر للإمام الحسين عليه السلام، لا بصفته الشخصية.
واللحظة التي نعيشها الآن هي لحظة تاريخية علينا استثمارها بأقصى ما نستطيع، يمكننا خدمة القضية الحسينية والعراق بشكل عام والانطلاق بهما نحو العالمية، أو التفريط بها وتركها بلا فائدة لصالح العراق والشعائر الحسينية.
وعندما نقول الوعي الإعلامي لزوار الأربعين لا يعني أننا نريد من الزائر أن يكون أسيراً للأسلوب الذي تريده منه وسائل الإعلام، بل أن يكون منتبها لكل خطوة، لأن الكامرات يمكن أن تصوره في أي لحظة، وهناك احتمال كبير أن تكون صورته عالمية، فأي صورة تختار أيها الزائر وأي وضعية تحب أن يراك العالم وأنت تمثل طريق الحسين عليه السلام.
هل تحب ان تمثل الحسين بصورة سيئة أم جيدة؟ الاختيار لك، لكن اعلم دائماً أنك في كل خطوة وكل لحظة، تمثل ملايين الزوار.
اضف تعليق