أنه متى صار تقييم نجاح خطة الزيارة المليونية وفق أسس مهنية ومعايير الجودة ومن قبل جهة مستقلة يمكننا تصديق إعلان السلطات المحلية والاتحادية عن نجاحات في إدارة الزيارات المليونية، أما أن تكون هذه السلطات هي من تقيم نفسها فهذا إجحاف لعملهم لأنه لا يكشف مواطن الضعف والقصور في الخطة وتنفيذها...
أصبح شائعاً لدى الصحفيين في كربلاء المقدسة وخلال الزيارات المليونية أن يتواصلوا فيما بينهم، ويتواصوا على ضرورة حضور "مؤتمر إعلان نجاح خطة الزيارة المليونية"، فهذا المؤتمر هو عادة وتقليد حكومي أكثر من كونه إعلان عما جرى خلال أيام الزيارة المليونية، سواء كانت الزيارة قصيرة مثل زيارة النصف من شعبان، أو زيارة عرفة، أو زيارة العاشر من محرم، أو حتى زيارة مليونية طويلة تستمر لأكثر من عشرة أيام مثل زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام.
اتذكر في إحدى الزيارات أن مدينة كربلاء قد تعرضت لعدوان إرهابي بتفجير سيارات مفخخة، ورغم ذلك أعلنت السلطات المختصة نجاح الخطة الأمنية للزيارة، مبررة أن الانفجارات خارج الطوق الأمني لمدينة كربلاء، وهو ما أثار سخرية وسخص المتابعين للمؤتمر.
أما في أيامنا هذه فالزوار يعانون أشد المعاناة، لكن الحكومة المحلية والوزارات تعلن بشكل تقليدي ومتكرر أن خططها كانت ناجحة، فقد أعلنت وزارة النقل يوم العاشر من محرم الحرام الأخير نجاح خطة التفويج العكسي للزوار، وكان توقيت نشر الخبر الساعة السادسة عصراً، وهو إعلان غير منطقي، فموكب عزاء طويريج وهو الشعيرة الرئيسية في العاشر من محرم انتهى قرابة الساعة الرابعة عصراً، ولكي يصل الزائر من آخر نقطة وهي نهاية ركضة طويريج في بوابات حرم الإمام العباس إلى مداخل كربلاء حيث تتواجد كراجات السيارات يحتاج إلى ما يقرب من ساعة في أقل تقدير، بمعنى أنه يصل في الساعة الخامسة عصراً.
فهل استطاعت وزارة النقل تفويج الزوار خلال ساعة واحدة، أي من الساعة الخامسة إلى السادسة، ومتى استطاعت التحقق من تفويج الزوار خلال ساعة واحدة، ومتى كتبت البيان ليصل إلى وسائل الإعلام، لا سيما وأننا نعرف بطبيعة البيانات الحكومية التي تأخذ وقتاً طويلاً وتخضع لعمليات تدقيق وتحقق على مستويات إدارية مختلفة.
إعلان الواقع
الآن لأتحدث لكم عن الجانب الآخر في الخطة، وهم المستفيدون منها، فمن وجهة نظر الزوار فإن إعلان وزارة النقل لا يتعدى بياناً حكومياً بلا معنى، فقد شهدت مدينة كربلاء فوضى عارمة في النقل، والسيارات بعيدة عن مركز المدينة، ونسبة كبيرة من الزوار صعدوا في شاحنات مكشوفة تابعة لوزارة الدفاع، ولك أن تتصورصديقي القارئ كيف يكون شعور مواطن يصعد مع العشرات في شاحنة مكشوفة الساعة الخامسة عصراً.
حالة التذمر واضحة على الزوار بسبب قطعهم لمسافات طويلة خلال عودتهم إلى منازلهم، وحتى من استقلوا السيارات بقيت السيارات واقفة على الشارع ولم تتحرك بسبب الزخم الشديد، ما زادت من معاناتهم بسبب حرارة الطقس.
إذا خطة النقل ناجحة من وجهة النظر الحكومية، أما على مستوى المستفيد وهو الزائر فيراها فاشلة بدلالة عودته مشياً على الأقدام ولمسافات طويلة، وعدم وجود كراجات ثابتة ومنظمة، فضلاً عن استخدام الشاحنات المكشوفة غير المخصصة لنقل الأفراد.
من يحكم على نجاح الخطة؟
إن الاعتماد على البيانات الحكومية بشأن نجاح خطة الزيارة يشبه الطالب الذي يضع الأسئلة الامتحانية ويجيب عنها ويقيم إجاباته بنفسه، بدون أن يكون هناك طرف مستقل يقيم إجابته وفق معايير مهنية.
وما ينطبق على الطالب، يجب أن ينطبق على السلطات في محافظة كربلاء، فاللجنة الدائمة للزيارات المليونية التي اقترح تأسيسها رئيس الوزراء، يجب أن تراقبها لجنة أخرى هي من تقيم مدى نجاح أو فشل خطة الزيارة، وليست الجهة ذاتها هي المنفذة والمقيمة لعملها.
وما نتحدث فيه عن وزارة النقل هو مجرد مثال توضيحي للآلية المتبعة في إعلان نجاح خطة الزيارة المليونية، فهناك خطة بلدية وأخرى صحية وغيرها، وعلى رئيس الوزراء ومحافظ كربلاء، وأعضاء مجلس النواب النظر من زاوية مختلفة للتعاطي مع الزيارات المليونية وفق أسس مهنية.
وإذا اطمأنوا لسكوت النسبة الأكبر من الزائرين فهذا السكوت ليس علامة على القبول بالوضع المتردي للخدمة المقدمة في الزيارات المليونية، بل لأنهم يركزون على الجوانب الروحية والشعائرية للزيارة، ولا يريدون تعكيس أجوائها بأمور يشعرون أنهم تحملوها حباً بالحسين عليه السلام، وليس قبولاً بالخدمات السيئة التي تقدمها الحكومة.
الخلاصة، أنه متى صار تقييم نجاح خطة الزيارة المليونية وفق أسس مهنية ومعايير الجودة ومن قبل جهة مستقلة يمكننا تصديق إعلان السلطات المحلية والاتحادية عن نجاحات في إدارة الزيارات المليونية، أما أن تكون هذه السلطات هي من تقيم نفسها فهذا إجحاف لعملهم لأنه لا يكشف مواطن الضعف والقصور في الخطة وتنفيذها، لأن مخططي ومنفذي خطة الزيارة بشر وكلهم معرضون للخطأ ومن الواجب تقييمهم من أجل تفادي الأخطاء في كل عام خدمة لزوار الإمام الحسين والقضية الحسينية.
اضف تعليق