الزيارة الأربعينية العالمية، بتفاصيلها المتعددة ومجالاتها الواسعة، مازالت تحتاج إلى تخطيط استراتيجي لإنجاز الزيارات القادمة بشكل أفضل، من خلال اتخاذ قرارات تُعنى بالحاضر ومشاكله، وتستشرف المستقبل ومتطلباته، وأول ذلك هو التفكير الدقيق الذي يسبق التنفيذ الدقيق، ثم التعبئة وتوجيه الموارد والطاقات والقوى البشرية لإنجاز الأهداف المرسومة...
في العقد الأخير، أصبح الأربعين الحسيني هو الحدث المليوني العالمي الأكبر، وإنه سيزداد يوماً بعد يوم علوّاً وحضوراً، وكما جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): "وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلا علوّاً" (بحار الأنوار. العلامة المجلسي، ج45،ص180). وقد كشفت إحصاءات الزيارة الأربعينية أن أعداد الزائرين أكبر من السنة السابقة؛ سواء في العراق أو في بلدان أخرى، ومنها أوروبا وأمريكا.
لذلك، ولغرض استيعاب معطيات ومتطلبات هذا الحدث الإيماني الضخم، لابد من عمل أكبر وأكبر في إطار أكثر وأكثر تنظيماً، يشرف على إدارته نخبة من علماء دين، ومتخصصين في علوم المجتمع والإدارة والإعلام والطب والبيئة وهندسة المدن والسياحة، مع مشاركة خبراء في مجال الأمن.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، في الزيارة الأربعينية للعام 1438هـ، كان قد أصدر بياناً قال، في جانب منه، أن "زوّار الإمام الحسين عليه السلام، في كل المناسبات وخاصّة في الزيارة الأربعينية المقدّسة، هم في قمّة القدس والشموخ عند الله تعالى، وعند رسول الله، وعند العترة الطاهرة عليه وعليهم السلام .. فالأحرى والأحرى أن تتكاتف الجهود من الجميع، حكومات وشعوب، في تأمين كل وسائل الراحة لهم".
وأكد (دام ظله) أن "الشعب العراقي الكريم، في هذا العصر، ضرب أعلى المثل والقيم النبيلة في التضحية والفداء، من أجل تأمين حاجات الزوّار الكرام، بكل ما أمكنهم من طاقات، وباسترخاص كل شيء، حتى ببيع ممتلكاتهم ودورهم ومحلاّتهم وسياراتهم، لتوفير حاجات الزوّار، فجزاهم الله تعالى خير الجزاء."
لكن ولكن ولكن:
الزيارة الأربعينية العالمية، بتفاصيلها المتعددة ومجالاتها الواسعة، مازالت تحتاج إلى تخطيط استراتيجي لإنجاز الزيارات القادمة بشكل أفضل، من خلال اتخاذ قرارات تُعنى بالحاضر ومشاكله، وتستشرف المستقبل ومتطلباته، وأول ذلك هو التفكير الدقيق الذي يسبق التنفيذ الدقيق، ثم التعبئة وتوجيه الموارد والطاقات والقوى البشرية لإنجاز الأهداف المرسومة، وفي فترة زمنيّة محددة، لتحقيق أقصى منفعة بأقل التكاليف، وهذا لا يكون بخطوة واحدة بل بخطوات، ولا يكون برأي واحد، وإنما برأي علماء وخبراء، فإن زوار الأربعين مازالوا يعانون من أمور كثيرة، من الممكن حلها، لو توفرت إرادة الإنجاز، وتوفر التخطيط السليم، وتحسن الأداء.
فليس من الصحيح، بل من المؤسف والمؤلم أن يعاني العراقيون ومعهم الزوار على مدى بقاع العراق من طرق ضيقة وقديمة ومتهرئة تسبب حوادث سيارات مفجعة خاصة في الطرق التي بات اسمها "طرق الموت" التي أكلت أرواح عشرات آلاف العراقيين وغيرهم.
وليس من الصحيح، بل من المؤسف والمؤلم أن الزائر الى العراق يواجه المنغصات بدء من المنافذ الحدودية والمطارات مروراً بمداخل المحافظات وصولاً الى داخل مدينة كربلاء والمدن الأخرى التي يمر بها الزوار المشاية.
وليس من الصحيح، بل من المؤسف والمؤلم أن العراق الذي منّ الله عليه بثروات هائلة (نفطية ومعدنية وغازية ومائية) والعراقيون ومعهم الزوار ما زالوا يعانون من شحة الكهرباء في درجات حرارة تتجاوز الخمسين درجة مئوية، في الوقت أمر الساعات الإضافية من الكهرباء التي تمنح الى كربلاء والنجف في أيام الزيارات هي على حساب بقية محافظات العراق.
وليس من الصحيح، بل من المؤسف والمؤلم أن يعاني العراقيون ومعهم الزوار من خدمات متهالكة على مستوى الأمن والصحة والنقل والبلدية والجودة.
وليس من الصحيح، بل من المؤسف والمؤلم أن العراق ما زال يتصدر قوائم الفساد والفشل ورداءة العيش والفقر والبطالة والطلاق على مستوى العالم.
العراق من أغنى بلاد العالم؛ وجدير بهذا البلد الذي شرّفه الله بأضرحة أنبياء وأئمة وعلماء وصالحين أن يكون أنظف وأجمل وأرقى، وأن يكون أكثر أمناً واستقراراً، وأن يسود فيه القانون والنظام، وأيضاً أن تُحترم فيه الحريات، وتُصان الكرامات، وتُحفظ حقوق الجميع ويشعر المواطن والزائر بالسلام والراحة.
اضف تعليق