الكرم العراقي ليس وليد اليوم انما نتاج سنوات من الخدمة الحسينية المتوارثة عبر الاجيال، فقد تلحظ الكثير من الاباء يصطحبون ابناءهم صغار العمر معهم الى محطات الخدمة التي تعرف محلياً بالمواكب ليتعلم الخدمة والبذل وهو ما يجعله مستمراً في هذا الطريق بصورة تلقائية منظمة ومعتادة...
عادة العرب حين يحل عليهم ضيفاً يكرمونه بما استطاعوا، فلا يدعون امر يمكن ان يخدموا به ضيفهم الا وفعلوه اكراماً واحتراماً له، فقد كانوا ولا زالوا يفتخرون بإكرام الضيف وتوقيره، والعراقيين برأي وحسب التجارب التي عشناها في بلدان عربية مختلفة انهم من أكرم العرب واكثرهم حفاوة بضيوفهم فلا ظمأ يصيبه ولا جوع ولا حاجة مادية او معنوية.
سجية الكرم من أكثر السجايا الحمدية التي ترتفع بمقام الانسان والتي يمكن ان نعتبرها هبة سماوية للانسان تدلل على شجاعته فكثيراً ما سمعنا ممن هم أكبر من سناً ان الكرم شجاعة وليس بمقدور اي أحد من الناس ان يكون كريماً ولله في تفضيله لخلقه شؤون هو يعلمها سبحانه.
المصداق على كرم العراقيين هو تطوعهم لخدمة زائري الامام الحسين بتوفير الاكل والشرب والمنام وكافة الخدمات التي يحتاجها الانسان، وهذا الكرم المقدم مجاناً فاق كل التصورات وأصبح اهله مثالاً يحتذى في كل العالم تتناقله وسائل الاعلام العالمية للشعوب في مختلف ارجاء المعمورة، فأهل العراق يقدمون الغالي والنفيس ويقدمون صوراً قل نضيرها ان لم يكن معدوما.
شاء الله ان يجعل ابناء هذا البد مستعدين للعطاء بهذا المستوى العال من السخاء بإمكاناتهم المادية البسيطة معتمدين على انفسهم ومصادرهم دخولهم الخاصة، بينما ترتبك دول تعيش مستويات عالية من الرفاه الاقتصادي في التصدي لاستضافة جمع من الناس اقل يفد للعراق بكثير جداً وكثيرا ً ما تحدث خروقات عديدة وعلى كافة الصعد، على سبيل المثال ما يحدث للعربية السعودية في ايام الجح من ارتباك وهفوات رغم انها تحظر للمناسبة على مدار عام كامل ولم يدخلها سوى مليون حاج او ربما اكثر من ذلك بقليل، بينما كربلاء وحدها يدخلها قرابة العشرين مليوناً وهي تقدم لهم ما يليق بهم ومن دون منة ولا استثقال.
الكرم العراقي ليس وليد اليوم انما نتاج سنوات من الخدمة الحسينية المتوارثة عبر الاجيال، فقد تلحظ الكثير من الاباء يصطحبون ابناءهم صغار العمر معهم الى محطات الخدمة التي تعرف محلياً بالمواكب ليتعلم الخدمة والبذل وهو ما يجعله مستمراً في هذا الطريق بصورة تلقائية منظمة ومعتادة اذا ما تفقنا الكثير من سلوكيات الانسان مكتسبة ومتعلمة.
ومن مشاهد الكرم الكربلائي هي المواكب الصغيرة التي يديرها الاطفال في الشوارع والاحياء في كربلاء والعراق عموماً، ولعل اغلبنا ان لم يكن جميعنا شاهد مثل هذه المواكب ومداد هذه المواكب هو ما يجمعه هؤلاء الاطفال من مصروفهم اليومي الذي يمنحهم اياه الوالدين ليصبح على مدار السنة مبلغ يشترون به المعجنات العراقية (الكعك) ويقدمونه مع الشاي الى من يقدم عبر منطقتهم السكنية الى الامام الحسين عليه السلام في عاشوراء.
وكذلك الشيخ الكبير الذي لا يقوى على حمل نفسه في باقي ايام السنة لكنه يقف في الطرقات المؤدية الى كربلاء وهو يتوسل بهم لتذوق طعامه او الجلوس ولو لدقائق في منزله، اية كرم نفس هذا الذي يدفع رجل ذو شيبة ان يخدم شاباً بعمر ابنه قربة لله وللإمام الحسين (عليه السلام)، هذه صوراً للكرم العراقي الكربلائي.
قبل ايام كنت اشاهد فيلماً وثائقياً لزيارة اربعينية الامام الحسين (عليه السلام) تناول الفيلم عدة امور تنظيمية واخرى عبادية لكن ما لفت انتباهي حديث بعض الزائرين العرب الوافدين من احد البلدان العربية حين قال: ان الله حين اختار ارض العراق لتشهد واقعة الطف ومن ثم تتحول هذه الأرض (كربلاء المقدسة) الى قبلة لاستقبال ملايين الزائرين في السنة الواحدة يعلم بأنهم على قدر لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة التي ربما تفشل بلدان كثيرة اخرى بالقيام بمثل ما يقوم به اهل العراق فهنئاً لكم هذا التكريم واحمدوا الله على نعمه واسالوه دوامها.
اضف تعليق