في المشهد العاشورائي تتكرر مقولات \"الحسين عليه السلام رمز الحرية\"، وترتفع المنابر بذكر هذه الكلمة العميقة الأثر في العقول المستنيرة، بينما يقلل اخرون من ربط \"الحرية\" بالثورة الحسينية، فاللذين يهتفون بعبارة \"هيهات منا الذلة\" لم يستطيعوا اعلان الثورة على السلطات التي استغلت حقوقهم وسحقتهم سحقا، سواء كانوا في العراق او البلدان الأخرى، بينما تتحول الأيام العاشورائية الى مراسيم تقليدية بعيدة كل البعد عن الخطاب الإصلاحي والثوري. يرد معارضو الشعائر...
في المشهد العاشورائي تتكرر مقولات "الحسين عليه السلام رمز الحرية"، وترتفع المنابر بذكر هذه الكلمة العميقة الأثر في العقول المستنيرة، بينما يقلل اخرون من ربط "الحرية" بالثورة الحسينية، فاللذين يهتفون بعبارة "هيهات منا الذلة" لم يستطيعوا اعلان الثورة على السلطات التي استغلت حقوقهم وسحقتهم سحقا، سواء كانوا في العراق او البلدان الأخرى، بينما تتحول الأيام العاشورائية الى مراسيم تقليدية بعيدة كل البعد عن الخطاب الإصلاحي والثوري. يرد معارضو الشعائر.
هذه الجدلية تنتعش مع ذكرى عاشوراء في كل عام، ويُشَغّل الكثير منا مجساته لتحسس السلوك غير الحر بالنسبة للمشاركين في المراسيم الحسينية، لماذا نفعل هذا الامر ولا نفعل ذاك؟ ما هي الأولويات التي يجب ان نركز عليها؟ وما هي الأمور التي يجب التخلي عنها او محاربتها ومنع تفاقمها في المجتمع حتى لا تصبح مرضا يصيب الجميع؟
تساؤلات كثيرة تطرح، واجاباتها موجودة في ثنايا الثورة الحسينية، فالامام الحسين عليه السلام هو سيد احرار العالم ولا جدال في ذلك الا لفاقدي حاسة التفكير، علمنا كيف لا نكون عبيدا للشخص، ولا نعبد المكان الذي نسكن فيه، هو ارسى منهج التفكير بدل التقليد الاعمى، واستخلاص الدروس عبر تحليل الواقع الذي يعيشه المجتمع دون الركون الى التفسيرات الجاهزة.
اداة القياس لسلوك الاحرار تقوم على القراءة التي تضع الثورة الحسينية بعيدا عن فكر "المقدس"، فالحسين لم يعلن ثورته من اجل ان يكون له كم كبير من الاتباع بعد استشهاده، ولا هو طالب جاه، انما يريد إعادة الامة الى مسارها الذي انحرفت عنه، وقال ذلك بعبارته الشهيرة: اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، انما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، اريد ان امر بالمعروف وانهى عن المنكر. هذا هو خطاب الثورة وبيانها الأول، وما ينحرف خارج هذا الاطار لا يمكن ان يحسب على ثورة عاشوراء.
وفي ثورة الحسين نداء عملي بالحرية، تلك التي تدعونا للانعتاق من كل شيء، حتى المكان الذي نعيش فيه ونقدسه، وهو مدينة رسول الله صلى الله عليه واله، فاذا وجد الشخص انه غريب في وطنه ووجد ان مجتمعه لا يعطي قيمة لمبادئ العدل الإلهي، يجب اعلان المعارضة بكل الطرق المتاحة، ومن بينها الرحيل خارج اسوار المدينة ذاتها لكشف عودة الحاكم المستبد وفضحه امام الناس الذين شغلتهم تعقيدات الحياة، فالقداسة للحرية وليس للمكان او الشخص.
دافع الامام الحسين عليه السلام بشدة عن فكرة تحرر الانسان، فاذا رفض الاخر مفهوم الدين، عليه ان يحافظ على حريته، وفي مقولته: "إن كنتم لا تخافون الله ولا تؤمنون بالمعاد فكونوا أحرارا في دنياكم". يؤكد الامام الحسين ان الحرية مفهوم يتسع لكل الإنسانية، وواجبةٌ على الفرد ان آمن بالتعاليم الدينية او رفضها. فقيمة الانسان بحريته، ولا أهمية لفعل من دون اختيار، وهنا ذهب الحسين الى اعظم تطبيق للحرية حين حرر جيشه من بيعته، وسمح لهم بترك المعركة ان هم أرادوا ذلك، ليبرهن ان لا استثناء ولا تضييق على الحرية مهما اشتدت الظروف.
جعل الامام الحسين الحرية في مرتبة عليا، حتى قبل الدفاع عن الامة، فهي بدون حرية لا وجود لها، وفي زمن الحرب، يمنع مصادرة الحرية، أي ان قرار المشاركة في الحرب من عدمه متروك إلى تقدير الشخص الذي يختار بعد عملية تفكير عميقة في القضية وحينما يصل الى القناعة التامة يمكن ان تنطلق منه طاقة هائلة تحرك جميع افراد الامة التي أصابها التعب وركنت نفسها الى الحاكم المستبد الذي جعلها أسيرة لافعاله.
التفكير الحر هو كسر للجمود الذي يصيب عقل الامة، ونظرة ثاقبة في المتاح من فرص التقدم في الحياة، فالله سبحانه وتعالى اعطى الانسان العقل ليميزه عن المخلوقات الأخرى ويجعله خليفته في الأرض، وتعطيل هذا الجزء الحيوي يهبط بالانسانية الى مرتبة الحيوان او يقربها كثيرا منه، ودين الإسلام لا يرتضي للفرد ان يصل الى هذه الدرجة، يمنع على الانسان الطاعة العمياء للحاكم حتى وان البس نفسه تاج رسول الله وزعم الخلافة كما فعل يزيد بن معاوية.
وفي جانب مهم على تحررية الفكر الحسيني، ليس بعدم خضوعه للحاكم المستبد فقط، انما في رفضه التفسيرات الجاهزة التي قدمها وجهاء المجتمع الإسلامي آنذاك، الذي حثوا الامام الحسين عليه السلام بضرورة تأجيل الثورة لاسباب عدة، وبعضهم كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه واله، لان اجتماع الجماعة على رأي خاطئ لا يرفعه الى مستوى الصواب.
اضف تعليق