هل يمكن إيجاد حد فاصل بين السينما والفكر الغربي الذي نشأت داخله، بصورة تتحايل على أن السينما هي فن غربي بالكامل؟، يبدو هذا السؤال ملحاً مع معرفة أن السينما فن تقني ما كان ليوجد بدون ابداع التكنلوجيا وكذلك الفلسفة الجديدة.
لذلك فالسينما القائمة اليوم من حيث الصورة والمحتوى بمثابة تكنيك وفن جاءت ضمن سياق الظهور وتطور الفكر، والفكر الغربي وتجلياته على وجه التحديد وهنا يأتي السؤال هل ثمة مجال لإبداع سينما تعالج قضايا المرأة ضمن إطار مرجعي مجتمعي إسلامي؟.
وهذا التساؤل لا يقصد منه الحديث عن قضية (الأسلمة) ذلك أن فكرة أسلمة كل شيء ومن ذلك الفن والتكنلوجيا قد سيطرت ولأكثر من مئة عام على عقول المستنيرين والمجددين الإسلاميين ، ومازالت تستحوذ على أذهان الكثيرين.
تأريخياً تصنف النظرية النسوية للفيلم ضمن دائرة السياسات والنظريات النسوية ، وطبقاً لعناصر تفكيك وتحليل الفيلم السينمائي والأبعاد النظرية، فالنسوية عموماً لديها نزعات واتجاهات متعددة على هذا الصعيد.
شكّل الجسد أساساً في الرؤية النسوية الناقدة للسينما وكذلك لصناع السينما والمخرجين ، ولكن ماذا إذا أصبح الجسد محرماً في السينما هل يمكن عندها إبداع سينمائي يتوجه إلى شخصية المرأة كإنسان يستمد أهميته وحضوره من دوره لا من جسده؟.
قد يبدو هذا التصور ضرباً من التخيل في السينما الإيرانية وخاصة الأفلام التي قدمتها مخرجات إيرانيات، وهي أفلام تصلح نموذجاً لمناقشة إشكاليات حضور المرأة المسلمة في السينما ومدى القدرة على طرح موضوعات مثل الحرية والدور الاجتماعي في سينما محكومة بقوانين صارمة فيما يتعلق بالجسد.
قامت الآراء الجدلية الأولية بالنسبة للفيلم السينمائي ضمن الرؤية النسوية استناداً الى المتون النسوية الأولى لفرجينيا ولف و سيمون دي بوفوار، وانتشرت نظرية الفيلم النسوية بتأثير من الموجة الثانية للنسوية، ثم ما لبث الباحثون والباحثات أن قدموا نظريات جديدة لتحليل الفيلم السينمائي.
كانت المحاولات الأولى قد أنجزت في الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل عام 1970 استناداً إلى نظريات علم الاجتماع، وتركزت بشكل مكثف على أداء الشخصيات النسائية في الأفلام خاصة الروائية منها بغية فهم عقلية المجتمع فيما يتعلق بالمرأة.
وبدأت مولي هاسكل تضمن عدداً من مراجعاتها السينمائية من وجهة نظر نسوية، فيما بدأت نساء أخريات بمراجعة دور المرأة في تحليل الأفلام. لكن هذا الجهد في مجمله كان يفتقر إلى الاستمرارية وخاصة في المجال العلمي والأكاديمي على غرار ما كان يجري في التأريخ والأدب وعلم النفس.
وتعتقد هاسكل أن الأسلوب الذي يتبعه المخرجون الرجال لتقديم صورة المرأة يعكس في الحقيقة قيمهم وحياتهم الخاصة، كما ترى أن حضور النساء في النظام الذي يحكم صناعة الأفلام وكذلك في القوانين الاجتماعية الغربية تعكس صورة كلية القيم الذكورية، وتقوم النساء بدور الناقل للفانتازيا الذكورية، وحتى في مجال الإخراج السينمائي فإن هاسكل تتحدث عن أن المجتمعات سواء كانت النامية أو المتقدمة مازالت إلى اليوم تستنكر على المرأة العمل كمخرجة لأن الإخراج "عمل قيادي والناس مازالوا يرفضون المرأة كقائد"1.
ومن اللافت في قضية "المرأة والسينما"2 أنه وعلى الرغم من أن المعالجة التنظيرية لهذه القضية قد تأخرت إلى السبعينات من القرن العشرين، إلا أن حضور المرأة كمخرجة وفي ذات الوقت صاحبة فكر نسوي يعود إلى عشرينات القرن حيث نجد نساء قدمن أفلاماً نسوية واضحة، وفي ساحة يغيب عنها التنظير ببعده الأكاديمي البحت على هذا الصعيد تظهر التجربة النسوية الإيرانية في صناعة السينما ملفتة للإنتباه، ففي مجتمع محكوم بأنظمة صارمة تتواجد أكثر من عشرين مخرجة إيرانية من فئات عمرية مختلفة، بعضهن استطاع أن يحفر لاسمه مكانة مهمة داخل ايران وخارجها.
مارست السينمائيات الإيرانيات عمليات تحايل طويلة وصعبة، فيها ابتكار وتحد للتغلب على قيود غياب الجسد في السينما وأفرز هذا التحايل نوعاً من السينما تتواجد فيه المرأة كشخصية قوية مؤثرة، متعلمة، مستقلة تكتسب حضورها وتأثيرها من خلال عوامل عديدة، اجتماعية وثقافية دون أن يكون للجسد تأثيره لتتحول الرؤية البصرية إلى مسارات أخرى تحضر المرأة فيها وتغيبزفي الوقت ذاته.
وتبدو طريقة المخرجات الإيرانيات في التحايل على محظورات الجسد ابتكارية، فقد قدمت المخرجة منيجة حكمت بطلتها في فيلم "سحن النساء" حليقة الرأس متغلبة بذلك على حرمة كشف الشعر لتتشكل في السينما الإيرانية ظاهرة "حليقات الرأس"، ورغم التوظيف الدرامي لذلك الفلم والأفلام الأخرى، إلا أنها تمثل في حقيقتها خطوة احتجاجية على هذا المحظور، وفي فيلم آخر هو "سيدة أيار" غيّبت المخرجة بني اعتماد الرجل كحضور جسدي بالكامل وجعلته يتواجد من خلال صوته فقط في نص عميق ومؤثر.
وتبدو نتائج تحليل محتوى الأفلام الذي أجريته على السينما الإيرانية منذ عم 1979 لغاية 2009 مفاجئة، فالسينما النسوية الإيرانية هي سينما تقوم في محورها على المرأة (النوع الاجتماعي)، وشخصية البطل في جميع الأفلام إمرأة، ومن بين 639 مشهداً كان البطل متواجداً فيها وصلت نسبة المرأة فيها إلى 92% وقدمت المخرجات الإيرانيات صفات الشخصية النسوية في السينما شخصية مستقلة جريئة ومتعلمة تتحمل مسؤولية الحياة وتستمد حضورها من نفسها بنسبة 90%، ويمكن القول أن السينما النسوية الإيرانية في مجموعها هي رواية للقصة من وجهة نظر النساء.
--------------------
1/ popcrn venus, p.333
2/ مقابلة للباحثة مع الناقدة مالي هاسكل عبر البريد الالكتروني
المقابلات:
مقابلة للباحثة مع المخرجة رخشان بني اعتماد
مقابلة للباحثة مع المخرجة منيجة حكمت
مقابلة للباحثة مع المخرجة مانيا اكبري
مقابلة للباحثة مع المخرجة بوران درخشندة
مقابلة للباحثة مع المخرجة تهمينة ميلاني.
اضف تعليق