اتخذ الملك السعودي الجديد سلمان قرارا يوم الجمعة لحل مسألة الخلافة بتعيين الأمير محمد بن نايف ابن شقيقه وليا لولي العهد مما يعني أنه سيكون أول أحفاد عبد العزيز آل سعود في تسلسل تولي السلطة يوما ما.
ونقل التلفزيون الرسمي مرسوما ملكيا ببقاء الأمير محمد في منصب وزير الداخلية على أن يصبح التالي في تولي العرش بعد الملك سلمان وولي العهد الأمير مقرن.
والأمير محمد صديق مقرب للولايات المتحدة ولاقى استحسان الدول الغربية لسحقه نشاط تنظيم القاعدة بين عامي 2003 و2006 عندما كان قائدا لقوات الأمن السعودية بينما كان والده وزيرا للداخلية.
وولد الأمير محمد في 1959 ويعتبر صغيرا نسبيا بين كبار أفراد الأسرة الحاكمة بالسعودية.
وتعيينه في منصب ولي ولي العهد يعني الإجابة على تساؤلات تطرح منذ وقت طويل بشأن الخلافة لسنوات كثيرة قادمة.
وسيكون ولي العهد الامير مقرن بن عبد العزيز مبدئيا آخر ملك من الجيل الاول من ابناء الملك المؤسس عبد العزيز، قبل ان يخلفه محمد بن نايف.
وبات الامير مقرن ايضا رسميا نائبا لرئيس مجلس الوزراء، وهو منصب يشغله الملك نفسه.
كما اعلن الديوان الملكي تعيين الامير محمد بن سلمان نجل الملك وزيرا للدفاع خلفا لوالده ورئيسا للديوان الملكي. بحسب رويترز.
واصدر الملك سلمان عددا من الاوامر الملكية التي تضمنت خصوصا اعفاء السكرتير الخاص للعاهل السعودي الراحل خالد التويجري من مناصبه، بما في ذلك منصب رئيس الحرس الملكي ومدير الديوان الملكي. وعين حمد العوهلي رئيسا للحرس الملكي.
ودعا الملك سلمان السعوديين الى تقديم البيعة للامير محمد بن نايف كولي لولي العهد مع تقديم البيعة الى ولي العهد الامير مقرن. وسيبقى جميع اعضاء مجلس الوزراء الآخرين بمناصبهم.
وتحركت المملكة سريعا لضمان الانتقال السلس للسلطة لتهدئة مخاوف بشأن انعدام الاستقرار في قيادة المملكة في وقت تشهد فيه المنطقة اضطرابات.
وأصبح الملك سلمان الآن على رأس السلطة في بلد يواجه قلاقل لم يسبق لها مثيل في المنطقة وتحديات داخلية صعبة على المدى البعيد تفاقمت بسبب الانخفاض الشديد في سعر النفط.
لكن الاعلان فورا عن ولي العهد الجديد وهو الأمير مقرن الأخ الأصغر للملك ومن ثم ولي ولي العهد يعني أن الملك سلمان تحرك بحسم لوضع حد للتكهنات بشأن مسار الخلافة الملكية وبشأن وجود انقسامات في الأسرة الحاكمة في السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم في وقت تواجه فيه المملكة اضطرابات غير مسبوقة على حدودها.
ومع صعود الدولة الاسلامية في العراق وفي سوريا التي تعصف بها الحرب اقترب من حدود السعودية تنظيم متشدد توعد باسقاط الاسرة الحاكمة في المملكة.
وفي اليمن سيطر الحوثيون الشيعة المتحالفون مع ايران على السلطة مما دفع البلاد الى حالة من الفوضى العارمة تفتح المجال أمام تنظيم القاعدة الذي شن تمردا في السعودية في الفترة من عام 2003 الى عام 2006 وكاد يغتال أحد كبار الأمراء عام 2006.
ومما يزيد الاضطرابات التي تجتاح تلك الدول منافسة مريرة جارية بين المملكة العربية السعودية السنية وخصمها الاقليمي ايران الشيعية والهزة التي تتعرض لها علاقة الرياض بالولايات المتحدة.
وانخفضت أسعار النفط لأكثر من النصف منذ يونيو حزيران مما قد يجعل المملكة تواجه على الارجح أول عجز في الميزانية منذ عام 2009 وتتعامل مع مشاكل مع اعضاء آخرين في اوبك يختلفون مع سياستها التي لا تدافع عن الاسعار.
واعتلى الملك عبد الله -الذي من المعتقد انه ولد في عام 1924- عرش السعودية في عام 2005 لكنه كان يدير فعليا شؤون المملكة منذ 1996 بعد ان اصيب سلفه الملك فهد بجلطة في الدماغ.
والملك سلمان بن عبد العزيز -الذي من المعتقد ان عمره 79 عاما- هو ولي العهد ووزير الدفاع منذ 2012 . وقبل ذلك كان أمير منطقة الرياض على مدى خمسة عقود.
وعبر الرئيس الامريكي باراك اوباما عن تعازيه في وفاة العاهل السعودي مشيدا بدور الملك الراحل في توثيق الروابط بين الولايات المتحدة والسعودية.
وقال نائب الرئيس الامريكي جو بايدن انه سيرأس وفدا الي السعودية في "الايام المقبلة" لتقديم العزاء في وفاة الملك عبد الله.
وأصدر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الذي أرسل القوات الامريكية الى السعودية لطرد القوات العراقية من الكويت عام 1990-1991 بيانا وصف فيه الملك الراحل بأنه "حليف حكيم يعتمد عليه ساعد البلدين على بناء علاقة استراتيجية."
ومع وصول سلمان الى سدة الحكم تسلط الاضواء على التوجه الذي ستتبناه مستقبلا المملكة أهم حليف عربي للولايات المتحدة والتي تتزعم العالم الاسلامي السني ولعبت دورا محوريا في المشهد الذي خلفه الربيع العربي في المنطقة.
والملك سلمان ظل ضمن حفنة من الأمراء تحكم المملكة منذ عقود ومن المرجح ان يستمر على الخطوط الرئيسية في السياسة الاستراتيجية السعودية بما في ذلك الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة والعمل على استقرار سوق الطاقة.
وحرص الملك الراحل قبل عام على ترسيخ وضع مقرن وليا للعهد بعد ان عينه رئيسا للمخابرات ثم مستشارا للملك في الشؤون الخارجية والأمنية. ووعد ولي العهد الجديد بمواصلة الاصلاحات التي بدأها عبد الله.
وسيتعين على الملك الجديد إدارة منافسة محتدمة مع إيران القوة الشيعية في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين إلى جانب صراع مفتوح في دولتين مجاورتين وتهديد الإسلاميين المسلحين وعلاقات مع الولايات المتحدة تعتريها بعض المطبات.
ولن يتمكن شبان سعوديون كثيرون من تذكر الفترة التي سبقت حكم الملك عبد الله سواء كملك منذ عام 2005 أو كحاكم فعلي للبلاد خلال عشر سنوات قبل هذا.
وترك الملك عبد الله إرثا يتمثل في جهود إصلاح النظامين الاقتصادي والاجتماعي في المملكة في مواجهة أزمة سكانية تلوح في الأفق وذلك من خلال توفير فرص عمل في القطاع الخاص وجعل الشبان السعوديين أكثر استعدادا على شغلها.
وارتفعت أسعار النفط يوم الجمعة إذ زادت وفاة العاهل السعودي من حالة عدم اليقين في أسواق الطاقة التي تواجه بالفعل عددا من أكبر التغيرات منذ عقود.
من هو الأمير مقرن؟
الأمير مقرن بن عبد العزيز (69) صار وليا للعهد في السعودية إثر اعتلاء الأمير سلمان سدة الحكم بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وقد كان مقرن مقربا من الملك الراحل ويعد تقدميا قد يصبح الملك الأخير من "الجيل الأول" من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز.
مقرن هو الأصغر سنا بين أبناء الملك عبد العزيز، ولد في أيلول/سبتمبر 1945 في الرياض، وتابع دراسات عسكرية في بريطانيا قبل أن ينخرط في الشأن العام.
مقرن تخرج في 1968 من مدرسة كرانويل العسكرية الشهيرة وخدم في سلاح الجو قبل أن يشغل اعتبارا من العام 1980 منصب أمير منطقة حائل ومن ثم أمير منطقة المدينة.
وأوكل الأمير مقرن قيادة المخابرات السعودية في تشرين الأول/أكتوبر 2005، وهي وظيفة سمحت له بتطوير خبرته السياسية ونسج علاقات إقليمية ودولية.
وفي 2012، عينه الملك عبد الله مستشارا ومبعوثا خاصا له.
ومطلع شباط/فبراير 2013، عين الأمير مقرن نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وهو منصب يفتح أمامه ولاية العهد.
وللأمير مقرن 15 ابنا وابنة رزق بهم من زيجتين.
ويرأس مقرن شأنه شأن باقي أمراء الأسرة المالكة عدة مؤسسات اجتماعية.
وعين الأمير مقرن في 27 آذار/مارس 2014، وفي خطوة غير مسبوقة، وليا لولي العهد، أي أنه سيكون حكما ولي العهد المقبل، وقد أراد الملك عبد الله بذلك أن يضمن وصوله إلى العرش.
وبما أنه الابن الأصغر للملك عبد العزيز، فقد يكون مقرن الملك الأخير من "الجيل الأول، وستطرح معه بقوة مسألة الانتقال الى الجيل الثاني.
وقال بيان تسميته وليا لولي العهد أن القرار اتخذ بموافقة ثلاثة أرباع هيئة البيعة التي شكلها الملك وتضم 34 عضوا من أجل إدارة عملية الخلافة في الحكم. بحسب الـ فرانس برس.
وقال مصدر سياسي سعودي إن "سبعة أمراء من هيئة البيعة أعربوا عن تحفظات" على تسمية مقرن في منصب ولي ولي العهد، ما يظهر وجود خلافات داخل أسرة آل سعود.
وقال المحلل المتخصص في شؤون الخليج فريديريك ويري إن عبد الله قام من خلال تسمية مقرن في هذا المنصب "بكسب بعض الوقت في مسألة الانتقال إلى الجيل الثاني".
وبحسب ويري العامل في معهد كارنيغي، فإن "الاختبار الحقيقي سيكون مع موت سلمان"، إذ أن مقرن لا ينتمي إلى الأجنحة القوية في الأسرة الحاكمة مثل الجناح المعروف ب"السديريين السبعة"، أي أبناء الملك عبد العزيز من حصة السديري.
وأضاف "قد نشهد مناورات مكثفة من قبل أمراء الجيل الثاني ما قد يؤدي إلى سياسة خارجية أكثر اضطرابا وأكثر فوضوية".
وولد مقرن لأم يمنية، ما سيشكل حالة غير مسبوقة عند وصوله إلى سدة الحكم.
وصورته كتقدمي تدفع للاعتقاد بأنه سيتابع على الأرجح برنامج الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأها الملك عبد الله بشكل حذر.
ومن خلال عمله في المخابرات، نسج الأمير مقرن علاقات قوية في الإقليم والعالم، ودخل على خط الملفات الأفغانية والباكستانية والسورية واليمنية واللبنانية بحسب مصادر دبلوماسية.
كما يعرف عن الأمير مقرن ريبته من الجار الإيراني.
وجاء في وثيقة دبلوماسية أمريكية سرية سربها موقع ويكيليكس أن الأمير مقرن أعرب عن قلقه من "تحول الهلال الشيعي إلى بدر شيعي" في إشارة إلى المخاوف من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة.
هيئة البيعة تضمن سلاسة انتقال السلطة ضمن آل سعود
وكان الملك الراحل وضع في 2006 آلية لضمان انتقال سلس للحكم في المملكة عبر تأسيس هيئة البيعة الموكلة باختيار ولي العهد.
والهيئة التي يفترض اساسا ان تعمل عند وفاة الملك، صادقت باغلبية اعضائها بحسب مصادر مطلعة على تعيين الامير مقرن وليا لولي العهد بينما كان الملك عبدالله على قيد الحياة.
وقد يكون الملك عبدالله اتخذ خطوة تثبيت خيار ولي العهد بعد حياته ليضمن اكبر قدر من الاستقرار وتأجيل اي خلافات ممكنة داخل الاسرة عند استحقاق الانتقال الى حكم الجيل الثاني، اي احفاد الملك المؤسس عبد العزيز.
والامير مقرن هو الاصغر سنا بين اخوته من ابناء الملك عبد العزيز، وقد يكون بالتالي آخر ملك من الجيل الاول.
وضمن آليات الخلافة، عين الملك عبد الله اعضاء هيئة البيعة ووضع على رأسها اخاه غير الشقيق الامير مشعل بن عبد العزيز.
وتضم الهيئة 35 اميرا من ابناء واحفاد الملك عبد العزيز مهمتهم تامين انتقال الحكم ضمن آل سعود لا سيما عبر المشاركة في اختيار ولي العهد.
والهيئة مكونة من ابناء الملك المؤسس. وينوب عن المتوفين والمرضى والعاجزين منهم احد ابنائهم، يضاف اليهم اثنان من ابناء كل من ابناء الملك المؤسس يعينهما الملك وولي العهد.
وكان الملك عبد الله اعلن في تشرين الاول/اكتوبر 2007 اللائحة التنفيذية التي تحدد اليات تطبيق نظام هيئة البيعة بعد عام من اصداره.
ووفقا للائحة، يتمتع اعضاء الهيئة بعضوية مدتها اربع سنوات غير قابلة للتجديد الا اذا اتفق اخوة العضو المنتهية ولايته على ذلك، وبموافقة الملك.
وبحسب نظام هيئة البيعة الصادر في تشرين الاول/اكتوبر 2006، توكل الهيئة الى لجنة طبية مهمة التأكد من اهلية الملك وولي عهده في ادارة الحكم.
وفي حال تقرير عدم الاهلية الدائمة، فان "مجلسا مؤقتا للحكم" مشكلا من خمسة اعضاء يتولى تصريف امور الدولة على ان تقوم الهيئة في غضون سبعة ايام "باختيار الاصلح للحكم من ابناء الملك المؤسس" عبد العزيز آل سعود.
ويقترح الملك على "هيئة البيعة" اسما او اسمين او ثلاثة اسماء لمنصب ولي العهد. ويمكن للجنة ان ترفض هذه الاسماء وتعين مرشحا لم يقترحه الملك.
واذا لم يحظ مرشح الهيئة بموافقة الملك، فان "هيئة البيعة" تحسم الامر بالغالبية في عملية تصويت يشارك فيها مرشحها ومرشح يعينه الملك وذلك خلال مهلة شهر.
وتتخذ "هيئة البيعة" من الرياض مقرا ويرئسها اكبر افراد العائلة المالكة سنا. وتعقد اجتماعاتها العادية بحضور ثلثي الاعضاء وتتخذ قراراتها بالغالبية وعبر التصويت السري.
اضف تعليق