أخفق القصف الجوي الذي ينفذه تحالف تقوده السعودية في إرغام الحوثيين في اليمن على الجلوس إلى مائدة المفاوضات أو تصدع تحالفهم مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأصبح من المحتمل أن تعلن الجماعة الفوز بعدن ثانية مدن اليمن.
وسيكون سقوط مدينة عدن الساحلية أكثر من ضربة رمزية للرياض إذ أنه سيعقد المساعي السعودية لإقناع الوحدات القبلية والعسكرية اليمنية بالانقلاب على جماعة الحوثي المتحالفة مع ايران.
وتهدف العملية العسكرية التي تنفذها السعودية وعدة دول سنية أخرى إلى منع الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة من تحقيق السيطرة على البلاد كلها وتوسيع نفوذ ايران الشيعية في المنطقة. بحسب رويترز.
ويتمتع الحوثيون بالزخم في ساحة القتال لأسباب أهمها التحالف التكتيكي مع الرئيس السابق صالح الذي يحتفظ بولاء جانب كبير من الجيش.
وربما يتوقف الكثير على قدرة الرياض على إقناع القبائل ووحدات الجيش الموالية لصالح بتغيير موقفها وذلك باللعب على كثرة التقلبات في التحالفات التي يمتلئ بها المشهد السياسي في اليمن.
وقال فارع المسلمي الباحث اليمني بمركز كارنيجي الشرق الأوسط "لا يوجد حتى الآن بلد له نفوذ في اليمن أكبر مما للسعودية."
وأضاف "القبائل والمسؤولون المحليون يتلقون مدفوعات سعودية منذ سنوات. وإذا كان للسعودية استراتيجية منظمة ورغبة في ذلك بوسعها تنشيط هذه الاتصالات المحلية لدعم مصالحة داخلية. ولا يوجد أثر لذلك حتى الآن."
وقد دعا صالح نفسه إلى إنهاء القصف السعودي وتعهد في المقابل ألا يرشح نفسه هو أو أحد أقاربه في الانتخابات الرئاسية. لكن السعودية صمت آذانها عن ندائه في العلن على الأقل.
وحتى الآن يظل الحوثيون على موقف التحدي.
زخم المعركة
من المحتمل أن تؤدي هيمنة الحوثيين وحلفائهم على الأرض إلى تعقيد هدف توجيه الموالين لصالح للانقلاب عليهم.
وقال جون جنكينز الذي كان حتى العام الماضي سفيرا لبريطانيا في السعودية لرويترز "إذا تمكن الحوثيون من السيطرة على عدن بالكامل سيصبح لديهم صنعاء وإب وتعز والحديدة وعدن. وهذا يمثل المجموعة الكاملة من المدن تقريبا. فماذا تفعل عندئذ؟"
وأضاف جنكينز الذي يعمل الان بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "أفترض أنهم (السعوديون) يريدون حماية عدن وحكومتها لانها تصبح عندئذ مقر الحكومة الشرعية ويمكنهم عندئذ السعي للفصل بين صالح والحوثيين."
وتابع "كيف تدفع الحوثيين إلى مائدة التفاوض؟ عليك أن تعمل على دفعهم بكل جدية فيما أرى. فهل عانوا بما يكفي؟ لا يبدو الأمر على هذا النحو."
وحتى الآن تركزت الحملة في الضربات الجوية على القواعد العسكرية فحرمت الحوثيين من الطائرات الحربية والصواريخ وفي قصف بحري لقوات الحوثي التي تهاجم عدن المقر الرمزي في جنوب البلاد للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يحظى بدعم السعودية.
وتهدف دول الخليج لاستخدام الضغط العسكري في دفع الحوثيين إلى استئناف عملية الانتقال السياسي التي تدعمها الأمم المتحدة ويقودها الرئيس هادي والتي تعطلت عندما سيطرت جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر أيلول.
وقد أغضبت هذه الخطوة من جانب الحوثيين الرياض التي تعتبر الجماعة الشيعية الزيدية في شمال اليمن ارهابية.
تدخل بري في عدن
ومساء يوم الاربعاء دخلت مجموعة من مقاتلي الحوثي ووحدات الجيش المتحالفة معها إلى منطقة خور مكسر في وسط عدن واشتبكت مع القوات الموالية لهادي ما أدى إلى سقوط صواريخ على حي كريتر بوسط المدينة.
ونفذت الوحدة انسحابا جزئيا بعد أن هاجمتها طائرات التحالف في ساعة مبكرة من صباح يوم الخميس. غير أن الخطر مازال محدقا بعدن.
وترددت أنباء يوم الخميس عن إنزال عشرات الجنود في ميناء عدن لكن لم يعرف شيء عن جنسيتهم.
وقال سعود السرحان المحلل السياسي بمركز الملك فيصل في الرياض "أعتقد أن قوة من التحالف ستدخل عدن وتبقى فيها لحماية الحكومة الشرعية."
وأضاف "هم لا يريدون تدمير الجيش اليمني كله ولا يريدون أن يرتكبوا نفس الخطأ الذي ارتكبه الأمريكيون في العراق.
"سيحاولون اقناع القوات الموالية لصالح بتغيير ولائها والبقاء سالمة. فعليها محاربة تنظيم الدولة الاسلامية والقاعدة ولا يفيد تدميره (الجيش اليمني) أحد."
وقال مسؤول دبلوماسي خليجي من بلد متحالف مع الرياض إن التحالف يريد ان تنقلب القوى القبلية ووحدات الجيش على الحوثيين.
وتابع "القبائل القوية ستتشجع ما أن يفقد الحوثيون غطاءهم الجوي. وستدرك فلول القوات المسلحة اليمنية أن تأييد علي عبد الله صالح لم يكن من الذكاء."
وقال محمد البخيتي عضو المكتب السياسي للحوثيين لرويترز إن السعودية تسعى لتقسيم التحالف الحوثي مع صالح وحمل صالح على الانقلاب على الحوثيين. وحذر من أن الحوثيين "سيقضون على" صالح إذا حاول أن يفعل ذلك.
ورغم أن قوات الحوثي اكتسبت خبرة قتالية بعد الحروب العديدة التي خاضتها مع الدولة في معاقلها الشمالية على مدار السنوات العشر الأخيرة يبدو أن نفوذ صالح في صفوف القوات المسلحة محوري لنجاحها على الأرض.
وقال رياض ياسين عبد الله وزير الخارجية اليمني لرويترز "الشيء الرئيسي الان هو أنه إذا توقفت قوات علي عبد الله صالح عن القتال معهم فأعتقد أنهم (الحوثيون) سيبدأون في التراجع."
وقال السرحان إن العديد من قادة الجيش "شبه المستقلين" يتريثون لمعرفة من سيفوز. وأضاف "ما ان ينضموا للتحالف ستتغير الأمور سريعا."
وقال المسلمي من مركز كارنيجي إن جبهة الحوثيين وصالح مازالت متحدة غير أنه إذا طرأ تحول على هذا العامل فسيكون له أثر هائل على مسار الصراع.
ويبقى احتمال قيام التحالف بعملية برية كبرى ضد معاقل الحوثيين في شمال البلاد احتمالا بعيدا إذ أن الرياض تخشى أن تسقط في مستنقع قتال الحوثيين في عقر دارهم.
لكن دبلوماسيين يقولون إن قوات العمليات الخاصة قد تدخل اليمن لجمع معلومات مخابرات والتنسيق مع الحلفاء من القبائل.
وقال ابراهيم شرقية فريحات محلل تسوية النزاعات لدى مركز بروكينجز في الدوحة "السعوديون بحاجة لمعلومات الاستخبارات على الأرض وبوسعهم الحصول عليها بنشر قوات خاصة في اليمن أو بالاعتماد على اليمنيين الموالين لهم."
إنزال جنود في عدن بعد سيطرة الحوثيين
وفي سياق متصل فانه تم إنزال عشرات الجنود بحرا في مدينة عدن اليمنية فيما يبدو أنها محاولة أخيرة يبذلها تحالف تقوده السعودية للحيلولة دون سقوط المدينة الجنوبية في أيدي المقاتلين الحوثيين بعد أن سيطروا على وسطها يوم الخميس.
ووصل الجنود في سفينة واحدة بعد بضع ساعات من دخول الحوثيين المتحالفين مع إيران وأنصارهم إلى وسط عدن رغم حملة جوية تقودها الرياض منذ أسبوع لوقف تقدمهم.
ومدينة عدن الساحلية الجنوبية هي آخر معقل كبير للمقاتلين الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي فر من عدن قبل أسبوع ويتابع الموقف من الرياض مع تداعي ما تبقى من سلطته.
ولم يتسن على الفور تحديد جنسية الجنود لكن التحالف يقول إنه يسيطر على المنطقة البحرية قبالة سواحل عدن. وإذا تأكد أن الإنزال خطوة من جانب التحالف فإنه سيكون أول انتشار لقوات برية منذ بدء العملية قبل أسبوع.
وسيطر الحوثيون المتحالفون مع أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح على العاصمة صنعاء قبل ستة أشهر وتحركوا صوب عدن الشهر الماضي وحافظوا على تقدمهم رغم التدخل العسكري السعودي الذي يستهدف إعادة هادي إلى السلطة.
وقال سكان بمنطقة كريتر في وسط عدن إن الحوثيين وحلفاءهم سيطروا على المنطقة بحلول منتصف النهار اليوم الخميس ونشروا دبابات ودوريات مترجلة في شوارع المدينة الخاوية بعد اشتباكات عنيفة في الصباح. بحسب رويترز.
وهذه هي المرة الأولى التي تصل فيها الاشتباكات على الأرض إلى هذا العمق داخل وسط عدن. ويوجد في كريتر الفرع المحلي للبنك المركزي اليمني والعديد من الأعمال التجارية.
وقال ساكن يدعى فاروق عبده لرويترز عبر الهاتف من كريتر "الناس خائفون ومذعورون بسبب القصف. لا يوجد أحد في الشوارع.. الأمر أشبه بحظر تجول."
وذكر ساكن آخر أن قناصة من الحوثيين انتشروا فوق الجبل المطل على كريتر ويطلقون النار على الشوارع. وأضاف أن حرائق نشبت في عدة منازل بعدما تعرضت لقصف صاروخي فيما حثت مكبرات الصوت السكان على الانتقال إلى مناطق أكثر أمنا بالمدينة.
وقالت وزارة الداخلية السعودية في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية إن جنديا من حرس الحدود السعودي قتل وأصيب عشرة آخرون بجراح حين أطلقت نيران من منطقة جبلية في اليمن على موقع المراقبة الذي كانوا به.
وأضافت "نتج عن تبادل إطلاق النار استشهاد العريف سلمان علي يحيى المالكي... وإصابة عشرة من رجال حرس الحدود بإصابات غير مهددة للحياة حيث تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج والرعاية الطبية اللازمة."
والمالكي هو أول قتيل من القوات السعودية يعلن عن سقوطه في الحملة العسكرية التي بدأت قبل أسبوع وتقودها المملكة ضد المقاتلين الحوثيين في اليمن.
وطالبت حكومة هادي بإرسال قوات برية دولية للتصدي للحوثيين. وقال وزير الخارجية رياض ياسين عبد الله إنه لا يمكنه تأكيد إنزال قوات من التحالف في عدن لكنه قال لرويترز إنه يأمل بشدة أن يكون هذا قد حدث.
وقال متحدث باسم الحوثيين في وقت متأخر يوم الأربعاء إن القتال في عدن أظهر فشل التدخل العسكري السعودي.
وأضاف المتحدث محمد عبد السلام لقناة المسيرة التلفزيونية التي تديرها الجماعة إن "الانتصارات" في عدن تربك تلك الحملة وتسكت الدول "المعتدية".
القاعدة تحرر سجناء
وقتال الحوثيين ليس سوى أحد الصراعات في اليمن الذي يواجه أيضا حركة انفصالية جنوبية واضطرابات قبلية كما يتمركز فيه فرع قوي لتنظيم القاعدة.
وأجبر القتال واشنطن على إجلاء موظفين أمريكيين من البلاد وهي إحدى ساحات حرب سرية تخوضها الطائرات الأمريكية بلا طيار ضد القاعدة.
وكانت احتجاجات حاشدة في الشوارع عام 2011 قد أجبرت صالح على ترك السلطة لكنه أصبح لاعبا قويا بعد تحالفه مع الحوثيين.
وينحدر الحوثيون من الأقلية الزيدية الشيعية التي ظلت تحكم مملكة في شمال اليمن لمدة ألف عام حتى 1962. وينتمي صالح لهذه الأقلية لكنه حارب لسحق الحوثيين عندما كان رئيسا.
وفي مدينة المكلا الساحلية المطلة على بحر العرب والواقعة على بعد 500 كيلومتر إلى الشرق من عدن قالت مصادر في الشرطة والإدارة المحلية إن مقاتلين يشتبه بأنهم من تنظيم القاعدة اقتحموا السجن المركزي وحرروا 150 سجينا بعضهم من القاعدة.
وذكرت مصادر أمنية أن أحد السجناء المحررين يدعى خالد باطرفي وهو قيادي إقليمي في القاعدة اعتقل قبل أربع سنوات. وقال سكان إن جنودا موالين لهادي اشتبكوا مع مقاتلين يشتبه بأنهم من القاعدة في وقت مبكر يوم الخميس.
وقال سكان إن مقاتلين جنوبيين يقاتلون الحوثيين منذ عدة أيام في مدينة الضالع سيطروا على المدينة الواقعة على بعد مئة كيلومتر إلى الشمال من عدن لكن الحوثيين يطلقون نيران القناصة من فوق الأسطح.
وذكر سكان أن ضربات جوية نفذت أيضا ليل الاربعاء في بلدة شقرة الساحلية التي يسيطر عليها الحوثيون وتقع على الساحل بين عدن والمكلا.
اضف تعليق