الموت الروحي للانسان، هي البينة التي تقوم على افتراض وجود عالم بلا رموز..
الرمز كلمة مأخوذة من اليونانية، تعني قطعة من الخزف او الخشب تقسم بين شخصين بيد كل واحد منهما قسم يدل على هوية احدهما ويثبت طبيعة صلته بالآخر..
وهذان الشخصان يمكن ان يكونا ضيفين او حاجّين او دائنا ومدينا.. وبالجمع بين قسمي القطعة يعترف الطرفان بما بينهما من ضيافة او صداقة او دين..
لذلك يتضمن تعريف الرمز معنيي الفصل والوصل في الوقت نفسه..
استعملت الرموز في اليونان القديمة باعتبارها علامات يتسنى للآباء بواسطتها العثور على ابنائهم المعروضين للبيع..
وقد اكتسبت الكلمة بعد العصر اليوناني وما راج بعده من ديانات قديمة وصولا الى عصر المسيحية الاول، معنى (دليل انتماء) الى الجماعة الدينية الواحدة، فضلا عن معنى اقتسام (حقيقة دينية) ليس لها دلالة الا عند اعضاء تلك الجماعة..
والحاصل ان الصيغة الاصلية للكلمة اكدت معنى التوجه الى الاخر، باعتباره مشاركا في علاقة معينة، كأن يكون صديقا او قريبا او مشاركا في جملة من الطقوس وفي نظام القيم.. وهذا ماتسهر الجماعة الدينية خاصة على تحقيقه وتتعهد بمراقبته..
ان لكلمة الرمز والعبارات الرديفة لها او المترابطة بها مثل (وظيفة رمزية)، (فكر رمزي)، (ممارسة رمزية)، (عنف رمزي)، الخ، تاريخا غنيا في العلوم الانسانية، انها وللأسف غالبا ما اخذت دلالات تختلف باختلاف الكتاب والاختصاصات ما يجعل استعمالها شديد الدقة.
ميز الفيلسوف واللساني (شارل. س. بيرس) بين انماط ثلاثة من الاشارة (العلامة – الايقونة – الرمز) فالعلامة هي الدخان الذي يشير الى النار، او هي اثر اقدام تشير الى مرور حيوان، الايقونة هي الصورة المتشكلة التي تمثل موضوعا (صورة الشمس التي تتمثل بدائرة صفراء مع اشعة تنطلق منها) ثم اخيرا الرمز الذي يقيم مع مايمثل علاقة اصطلاحية محضة: مثلث احمر على لوحة اعلانات مرور يشير الى خطر..
يشير الرمز عادة الى صورة او الى موضوع له قيمة مقدسة او مجازية كما في القول (الحمامة هي رمز السلام) او ان اللباس الموحد هو رمز السلطة..
في كتابه (فلسفة الاشكال الرمزية) جعل ارنست كاسيرر الحقل الرمزي يضم كلا من اللغة والفن والعالم الاسطوري – الديني، وتشترك هذه الظواهر الثلاثة في احالتها الى تمثلات (متخيلة او فعلية) لها في ذهن الانسان دلالات متعددة.. هكذا فان رمز القمر الذي يعبر عنه بكلمة، او بصورة او برسمة، يشير الى النجم في الليل، ولكنه يدل ايضا على الانوثة والخصوبة والاحلام..
يعتبر ارنست كاسيرر ان قوة الايحاء في الرمز هي التي تتيح للكائن البشري (الحيوان الرمزي) ومن حيث الجوهر ان يتخيل ويبدع ويبتكر ويفكر..
تكتسب كلمة (رمزي) في الانثروبولوجيا دلالتين ضمنيتين، فهي تستخدم من جهة اولى بالمعنى العام الذي يشير اليه التمثل الجماعي المقونن.. وهكذا عمد كلود ليفي ستراوس الى تعريف الثقافة بوصفها جملة من الانساق الرمزية، تأتي اللغة في الصف الاول منها، وقواعد الزواج، والعلاقات الاقتصادية، والفن، والعلم والدين..
في هذه الحال يصار الى القبول بان الرموز قد انتظمت في نسق حيث تاخذ كل اشارة معناها بالنسبة الى الاخرى تبعا لمنطق تعارضي (مذكر / مؤنث، ابيض / اسود).. حينئذ يصار الى الحديث عن انساق رمزية.. من جهة ثانية، وبمعنى اكثر اتساعا، تشير الرمزية الى الطقوس، الاحتفالات، الاساطير، الممارسات السحرية والمقدسة.. وهكذا بالامكان الحديث عن ممارسة رمزية في الاشارة الى التبريك، العماد، او اية حركة مقدسة.. ان غسل اليدين هو فعل صحي في حد ذاته، الا انه في اطار الطقس الديني يصبح فعلا رمزيا يشير الى الطهارة الروحية..
بخصوص العلاقة بين الرمز والشعار فانها تقوم على مبدأ الاختلاف، ذلك ان الشعار صورة مرئية تعاقدت المجموعة عليها للاشارة الى فكرة او الى كائن مادي او معنوي من مثل اعتبار العلم شعارا للوطن او اتخاذ اكليل الغار الذي يوضع على رؤوس الابطال مثلا شعارا للمجد..
يمكن رصد خمس خصائص كبرى تتصف بها الرموز وهي:
1 – التلبس بالوجود الانساني، اذ لاسبيل للكلام عن الرموز خارج الحياة الانسانية.. ولذا يستحيل غياب الرموز عن اية وضعية وجودية للانسان في الكون مثلما يعتقد ذلك ميرسيا الياد..
فالرمز هو تلك اللغة التي تجعل المؤمن مثلا ينتمي الى المجموعة المتكلمة باللسان ذاته، بمعنى ان لكل جماعة دينية نظامها وقيمها الرمزية بها تعرّف.. وحينما ينهار هذا النظام او تهتز تلك القيم تفقد تلك الجماعة هويتها الدينية..
2 – قد تكون العلاقة في الرمز بين الرامز والمرموز اليه، نازعة الى شيء من الثبات.. من ذلك القبة في المسجد او الخيمة لدى البدو الرحل ترمز دائما الى السماء. ولكن الثبات المشار اليه بين مكوني الرمز ليس ثباتا مطلقا، بمعنى ان للرمز معنى بديهيا ومتفقا عليه، ولكن بالامكان ان تضاف الى ذلك المعنى الاصلي معان اخرى.. ان بإمكان الرمز حينما يكتسب معنى جديدا ان يعيد صياغة الشعائر الدينية..
3 – للرمز معقوليته الخاصة ومنطقه المميز له. فرمزية الالوان (في قانون الطرق مثلا) ليست محايدة او اعتباطية (اللون الاحمر يرمز الى الخطر بينما يرمز اللون الاخضر الى الامان والاباحة). وحسبنا مثالا على الانسجام بين الشكل الذي يظهر فيه الرمز والمعنى المستخلص منه ماهو موجود في التقاليد الكنسية المسيحية حين يقدم الخبز والخمر على انهما رمزان معبران عن جسد المسيح ودمه..
4 – خضوع الرموز لمبدأ التصنيف، فهي تتوزع على مراتب عديدة اهمها:
الرمز الحي والرمز الميت – توزع الرموز بين ان تكون كونية وبين الا تكون كذلك – الرمز البسيط والرمز الصميم.. فالرمز البسيط هو الرمز الموات، اما الرمز الصميم فانه يتوفر على ثلاثة ابعاد حسب بول ريكور فهو في الوقت نفسه:
كوني: لانه يتجلى في العالم المرئي المحيط بنا..
وحلمي: اي انه ينتمي الى عالم الاحلام، اذ الرمز متجذر في الذكريات والحركات التي تظهر في احلامنا معبرة عن سيرتنا الحميمة تعبيرا واضحا.
وشاعري لانه يتوسل اليه بواسطة اللغة..
5 – قابلية الرموز للتأويل، بمعنى ان الرمز لامعنى له مالم يخضع لعملية تأويلية حسب معايير دقيقة تختلف باختلاف منطلقات المؤولين الفكرية والمنهجية..
اضف تعليق