شبكة النبأ: من القضايا الرئيسية في الدراسات الثقافية هي الهوية، حيث انها تدرس السياقات التي يقوم الافراد والجماعات داخلها ومن خلالها بتكوين هوياتهم او فهمهم لذواتهم والتعبير عنها وحمايتها.
الهوية، ادراك الفرد نفسيا لذاته، وقد اجتهدت موسوعة النظرية الثقافية في الاشتغال على تعريف الهوية من خلال استحضار عدد كبير من الاسماء، اضافة الى عدد اخر من اسماء المشتغلين بالحقل الاجتماعي.
فهي تبدا من ديكارت ووجوده الذي يتخذ الشكل المفكر، مرورا بدافيد هيوم ونظرية الحزمة التي تتغير باستمرار، ثم اميل دوركايم والذي اعتبر الفرد ليس سوى نتاجا للمجتمع، وان الهوية الفردية ليست عنصرا اوليا، بل هي ثمرة للتنظيم الاقتصادي.
اما جورج هربرت ميد، فهو القائل بتوقف تطور النفس على الاخرين الذين تلتقي بهم هذه النفس، او هو نوع من الاستدخال بين الانا والاخر.
مرورا بفرويد الذي راى ان الهوية ترتكز على تمثل الطفل لاشخاص محيطين به، ونظرية اريك اريكسون الذي تصبح الهوية عنده عملية تتم بين هوية الفرد وهوية ثقافة مجتمعه.
اتسع مفهوم الهوية في حقل العلوم الاجتماعية لكي يشمل الهوية الاجتماعية والهوية الثقافية والهوية العرقية. وهي مصطلحات تشير الى توحد الذات مع وضع اجتماعي معين، او مع تراث ثقافي معين او مع جماعة سلالية.
ويمكن الحديث ايضا عن هوية الجماعة، بمعنى التوحد او الادراك الذاتي المشترك بين جماعة من الناس. وهذا التعريف تذهب اليه (موسوعة علم الانسان.. المفاهيم والمصطلحات الانثروبولوجية).
مفهوم الهوية كان موضع نقاش من جانب بعض الباحثين المعاصرين، لان هذا المفهوم ينطوي على خاصية ثابتة ومستمرة للفرد والجماعة. ويرى هؤلاء الباحثين ضرورة التركيز على عملية التوحد، وليس البحث عن هوية ثابتة.
الاراء الجديدة والاكثر حداثة ونقدية تميل الى تبني موقف مضاد للجوهرية، والى التاكيد على وضعية البناء الاجتماعي لجميع الهويات. فينظر الى الهويات على انها تتاسس في سياقات اجتماعية وتاريخية محددة، وانها خيالات استراتيجية، عليها ان تتجاوب مع الاحوال المتغيرة، ومن ثم فهي عرضة للتغير واعادة التصوير باستمرار، واتضح ايضا ان الهويات لا يمكن ان تكون مكتفية ذاتيا: بل هي تتاسس في الواقع عبر لعبة الفروق، وتتشكل في ومن خلال العلاقات المتغيرة بهويات اخرى. وهو ما يذهب اليه كتاب مفاتيح اصطلاحية جديدة.
تعاني الهوية في بعض الاحيان من (اختلال – اضطراب) فيقال مثلا اختلال الهوية وهو ما نشاهده كثيرا في مجالات الاغتراب او الادوار والوظائف بالنسبة للافراد، واضطراب الهوية كثيرا ما يلاحظ في الظواهر المتعلقة بحيرة بعض الافراد في انتمائهم الجنسي (ذكر –انثى) وهو ما يعرف باضطراب الهوية الجنسية، وبالتعبير الاكثر حداثوية (الاضطراب الجندري).
الخلط بين الهوية والانتماء شائع كثيرا، رغم ان الهوية تدل على "الجوهر" الواحد والثابت؛ و"الهوية" تقتضي أن يكون الشيء في وجوده الجوهري متميّزا بما يجعله واحدًا وثابتا، بحيث يوصف بأنه «هو نفسه» فيكون «مماثلا لذاته» باستمرار على الرغم من كل ما يطرأ عليه من التغيرات العرضية.
في حين أنّ (الانتماء) علاقة اشتراك متغيرة ومتعددة بالنسبة الى كل شروط الوجود والفعل ضمن هذا العالم، حيث ان الانسان تتعدد انتماءاته وتتغير وتتداخل بقدر تعدد الافعال والاحوال التي يشترك فيها مع غيره.
اضف تعليق