q

بأي شيء يتميز المتميزون.. ما هي الخصال والصفات والملَكات التي تحضر في شخوصهم.. تفكيرا وعملا.. فتجعل منهم مختلفين عن الملأ الأعمّ.. ولا يشبهون إلّا أنفسهم؟.. كثيرة هي الخصال والملَكات التي ترفع من شأن الإنسان.. لكن قليل أو نادر من يتمكن منها ويحصل عليها.. فهي عصيّة على التمنّي أو الرغبة.. وهي صعبة المنال إلا على من تتعاظم في ذاته العظمة والتفرّد.. وقديما قال الشاعر:

وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها..... وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ.

إذاً فالتفرد ليس سهل المنال.. فهو يحتاج الى روح عظيمة.. وإرادة فولاذية.. وإصرار ما بعده إصرار.. حتى يكون المسعى لا يشبه مساعي الآخرين.

وتلك هي ميزة العلامة الفقيد السيد محمد جواد الحسيني الشيرازي رضوان الله عليه.. هذا النابغة الذي ومضَ في حياتنا كالبرق.. ليغادرنا الى علّيين.. محملا بحسنات الأعمال الكبيرة.. تلك التي يستحيل تحصيلها إلا بملَكَة المثابرة التي خُلقت مع العلامة الفقيد.. بلى إنه لخسارة كبرى أن تفقد الأمة – والشباب على وجه الخصوص- شخصية تم بناءَها بمثابرة لا تلين.. فأبدعت أيما إبداع.. في مجالات العلم.. تحصيلاً وتدريسا.. وفي الفضاء التربوي تعليما وتنويرا وتطبيقا.. وفي الإخلاص الى الله أولا.. وأوليائه.. وعباده المخلصين.

حزمة من الملَكات تحصَّن بها الفقيد.. فجعلت منه المثال الذي يبحثُ عنه الشباب لك يحذوا حذوه ويمشوا في ركبه.. علما وتربية وأخلاقا لا يمتاز بها إلا من ثابر وسعى وأصرّ وحفر في صخور المعرفة والفقه والدين والعلوم واللغة وفنونها.. فكان خير من سعى وقطف من الشباب في عمر وجيز كأنه عمر الشُهُب.. مرَّ بنا سريعاً.. ليترك في عقولنا وقلوبنا نور العلم والمعرفة والخلق الرفيع.. ترادفه مزايا لا تنتسب إلا للكبار من أمثال الفقيد محمد جواد الشيرازي.

فهو الذي عرف عنه الأدب والأخلاق والعلم والتواضع والتسامح.. وهو الغاض للبصر.. الورع.. التقي.. الساعي لنشر علوم أهل البيت الذاكر لله.. متخذا من أهل بيت العصمة.. القدوة والمثل.. وكان (رضوان الله عليه همه) شغله الشاغل تحصيل العلم.. والاهتمام بطلبة الحوزة.. وحل ما يعترضهم من مشكلات.. فكان كثير المجالسة لهم.. والسامع لشكواهم.. فضلا عن تقديمه الدروس.. لعدد من الطلبة الذين تعلقوا به أشد التعلق.. وأحبوه أشد الحب وقدموا كبير الاحترام.. لشخصه الكريم وأعجبوا أشد الإعجاب بأسلوبه وبما يكتنز من عظيم المعرفة والمعلومات التي ترتفع بعقل الإنسان وعاطفته معاً.

إنها المثابرة التي ورثها العلامة الفقيد من أجداده العظام.. أولئك الذين ركبوا المخاطر.. وخاضوا في بحار وبحار حتى ينشروا ويثبتوا أركان الدين والمذهب في مفازات الأرض وقفارها النائية.. ومدنها البعيدة والغريبة.. آملا في إصلاح الإنسان في الأرض.. وهذه الميزة نجدها في العلامة الفقيد.. عندما شمَّر عن سواعد عقله وبثَّ أنوار العلم في عقول مجموعة سخية من الشباب.. أخذوا على يديه الكريمتين نعمة الفقه والتعلّم في دروس حثيثة ومحاضرات مكتنزة بالفقه الرشيد.. فكانوا خير طلبة لخير معلّم.

لم يتم كلّ هذا إلا بالمثابرة التي تحصّل عليها العلامة الفقيد من جذوره العريقة.. كيف لا وهو من أسرة الشيرازي الكريمة التي عُرفت بدماثة الأخلاق.. والجد.. والاجتهاد في خدمة المؤمنين.. وحفظ الشريعة الغراء.. والذود عن الشعائر الإسلامية العظيمة.. ومد يد العون لمن يحتاجه من المسلمين وغيرهم.. فالرابط الإنساني يكفي كي تمتد الأيادي الشيرازية الحانية لمن يحتاجها.. وهكذا أخذ السيد محمد جواد الشيرازي عن أهله وذويه وأجداده.. هذه الخصال والصفات والملَكات الحميدة التي زرعها الله تعالى في تربة عقله وروحه.. لتزهر علوما وأخلاقا ومعارف.. لم يشأ الفقيد أن تبقى حبيسة الذات.. فبادر بتوزيعها على من يحتاجها من الشباب المسلم.. والأهل والأصدقاء الأكارم وعموم الناس.

فإلى روحه الرحمة والمحبة والتكريم.. والى جهوده الكريمة الشكر والإعجاب والدعاء إليه تعالى.. بأن يمنّ على عبده الصالح السيد محمد جواد الحسيني الشيرازي.. بالرحمة والسلام والطمأنينة.

نبذة عن حيـاة العلامة الفقيد السيد محمد جواد الحسيني الشيرازي رضوان الله عليه

* ولد في قم المقدسة عام ١٤٠٨هـ .

* هو النجل الثاني لآية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي دامت بركاته.

* بدأ بالدراسات الحوزوية منذ نعومة أظفاره في عام ١٤٢٠هـ.

* درس المقدمات والسطوح العالية في قم المقدسة على كبار أساتذتها، منهم: عمه العلامة السيد جعفر والعلامة السيد مهدي وآية الله السيد حسن النبوي وآية الله السيد الموسوي الطهراني والعلامة الشيخ محمد رضا النائيني وغيرهم.

* درس بحث الخارج في قم المقدسة في الفقه والأصول على آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي وآية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني وآية الله السيد محمد رضا الشيرازي.

* في النجف الأشرف على آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم وآية الله العظمى الشيخ بشير النجفي وآية الله السيد محمد باقر الحكيم وآية الله السيد مرتضى الشيرازي.

* درس المعارف والكلام على آية الله الشيخ باقر علم الهدى في مشهد الإمام الرضا -عليه السلام- وعلى العلامة السيد قاسم الأحمدي صاحب كتاب تنزيه المعبود.

* قام بتدريس العلوم الحوزوية في المقدمات والسطوح العالية: كاللمعة ورسائل الشيخ الأعظم ومكاسبه.

* ربى مجموعة من طلبة العلوم الدينية الأفاضل.

* تميز بحسن الخلق والتواضع والجد والمثابرة في تحصيل العلم والورع والتقوى والالتزام بالشعائر الحسينية المقدسة.

* توفي الجمعة ليلاً ٢٧ ربيع الأول ١٤٣٧هـ عند رجوعه من زيارة الإمام الحسين عليه السلام بين النجف وكربلاء في حادث سير مؤسف.

(إنا لله وإنا إليه راجعون).

اضف تعليق


التعليقات

رشا
لما لم نعد نرى محاضرات على موقع اليوتيوب2017-01-10
أحمد الخاقاني
رحمةُ الله على هذا السيّد الجليل الزّكي الطّاهر ، لقد رحل عن هذه الدُّنيا سريعاً ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون2021-06-15