ماذا يجري في العراق الآن على الصعيد السياسي؟؟ سؤال ينبغي أن يجتمع أهل الحل والعقد، كي يجيبوا عنه بدقة وجرأة وتصويب لا يقبل الخطأ أو المجاملات، حتى يفهموا بالضبط ما الذي يجري فعلا في الساحة السياسية، ولماذا هذا الانحدار السريع نحو حافة الهاوية، لماذا تتصادم جميع الاطراف العاملة في الساحة السياسية، بدلا من الخوض عبر الحوار لمعرفة الاسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الصراع، هل أنتم عراقيون أيها المتصارعون، ألا يوجد منكم من ينتمي الى دين واحد ومذهب واحد وعرق واحد؟، أليس بينكم مشتركات كثيرة يمكن أن تجمعكم في قاعة واحدة تصلح للحوار الجاد بدلا من التصادم، لماذا لا تتوجهون الى احتواء هذا الصراع والتوصل الى حلول تضمن حقوق الشعب اولا، ثم حقوق الاطراف السياسية كافة؟.
هناك معركة ظهرت بوادرها منذ صيف 2011، وهناك طرفان يشتركان في هذه المعركة، الطرف الأول هم دعاة الاصلاح، او هكذا يطلقون على أنفسهم، وهم المتظاهرون الذين تقف وراءهم جهات دينية وسياسية ومدنية فضلا عن المواطنين المستقلين وهم كثر، ولكنهم بالعموم ينتمون الى الطبقة الفقيرة الأوسع والأكبر من بين شرائح المجتمع العراقي، أما الطرف الثاني، فإنهم حسب وصف المتظاهرين وبعض المراقبين، يدعونهم بـ (رؤوس الفساد) في البلاد، ويطالب المتظاهرون منذ ست سنوات تقريبا، بتحسين الخدمات، والحد من الفساد المنتشر على نحو واسع في المؤسسات والدوائر الحكومية المختلفة، كذلك يريد المتظاهرون مقاضاة الفاسدين والمفسدين، وإعادة الأموال المنهوبة الى خزينة الدولة.
وهناك هدف مهم أعلنه المتظاهرون، وهو التغيير الحكومي، واستبدال العناصر الضعيفة، الوزراء بأشخاص (تكنوقراط) لهم القدرة على ادارة الوزارات بعلمية وكفاءة، لاسيما أن عموم الوزارات باتت كالغنيمة التي تقاسمتها الأحزاب والكتل والحركات السياسية، وراحت تتحكم بها وكأنها ملك خاص لها هي ومواردها وما يخصص لها من أموال، حتى أن هناك (لجنة اقتصادية) تابعة لكل حزب في الوزارات تستقطع نسبة يُقال أنها (10%) من مبالغ الصفقات الاستثمارية والخدمية التي تخصصها الوزارات للمشاريع، فتقوم هذه اللجان الاقتصادية (الحزبية) بالاستيلاء على نسبة الاموال تحت غطاء (قانوني) يبيح لها سرقة اموال الشعب بصورة علنية لا أحد يستطيع الاعتراض عليها.
هذه بعض الاسباب وليست كلها، التي جعلت من كافة المشاريع الخدمية تراوح في مكانها سنوات طويلة، وغالبا ما يتحقق منها نسب انجاز لا تفوق الثلث، فتبقى لا هي للحياة ولا هي للموت، لسبب معروف وواضح، هو سرقة الاموال المخصصة لهذه المشاريع بطرق كثيرة، فيما يتضوع الشعب جوعا وحرمانا ما دفعه الى اعلان المظاهرات واستمرارها.
أسباب أخرى لاندلاع المعركة
كثيرة هي الأسباب التي تقف وراء اندلاع معركة الاصلاح، ومنها ما هو سياسي مبيّت، يأتي بسبب أحقاد مضمرة متبادلة بين أحزاب وتيارات سياسية، وهذا ما يفسر الظاهرة الجديدة التي طرأت على المظاهرات، بعد أن كان طابعها سلميا بصورة تامة، فقد تم استهداف عدد من مقرات الاحزاب والمكاتب الحكومية واقتحام تلك المقرات والممتلكات العامة بحسب وسائل الاعلام، تحت غطاء الضغط الجماهيري من اجل التحقيق الفعلي للاصلاحات، وعدم بقائها حبرا على ورق كما يصرح قادة المتظاهرين في القنوات الفضائية.
بطبيعة الحال هذا الحدث المستجد على المظاهرات، أخرجها وأبعدها عن أهم اهدافها، وهو الهدف السلمي، فصوت المتظاهرين الهادر (سلمية سلمية سلمية)، لم يعد يتوافق مع ما حدث من استهداف لتلك المقرات، لأنها ببساطة أخرجت الاحتجاج عن أهدافه وأساليبه السلمية، فضلا عن بروز صورة من الصراعات (الحزبية السياسية) القديمة، وظهورها فوق السطح بصورة علنية، وكأن الأمر تحوّل من مظاهرات شعبية، الى صورة من الصدامات الحزبية وتصفية الحسابات وما شابه، وهو امر لا يمكن أن يكون في صالح المظاهرات بحسب مراقبين مستقلين، أكدوا على أهمية عدم الانجرار نحو العنف والدخول في دوامة الفوضى.
يقول بعض المتابعين، هناك احتمال كبير لبدء القتال (الشيعي الشيعي)، وهناك بوادر قوية تنبئ بهذا الأمر، ولعل ما قام به المتظاهرون، يعني انحراف دفة المظاهرات الى التصادم العنيف مع الأجهزة الامنية وبعض الجهات الحزبية التي تمتلك قوات قد تقوم بضرب المتظاهرين، فتحدث الشرارة التي تشعل حرائق في عمق البيت الشيعي، لا أحد ينجو منها، فهل تريد الاطراف السياسية الشيعية المتصارعة أن تصل الامور الى هذا الحد من الخطورة والدمار؟؟.
إن ما يجري على درجة من الخطورة التي لا يمكن غض الطرف عنها، او اهمالها، او التعامل معها وفق سياسة التجاهل، او اللامبالاة، فمثل هذه الأعمال التي قد تبدو بسيطة في بدايتها، يمكن أن تكون بوابة كبيرة لمحرقة أكبر، تأتي على الجميع من دون تمييز بين هذا أو ذاك، فهل وعى أصحاب الحل والعقد درجة خطورة مثل هذا التصادم الذي يبدو بسيطا وعاديا في عيونهم؟؟، وهل هناك خطوات عملية تلوح في الأفق لوأد الفتنة، ومحاصرة النيران التي بدأت تزداد لهيبا مع تغيير مسار المظاهرات من جادتها السلمية، الى طريق العنف والتصادم؟.
هل هناك حلول في الأفق
تابع العراقيون عبر وسائل الاعلام، في النشرات الاخبارية للقنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والوكالات الخبرية المختلفة، المحلية سواها، تلك الأخبار الصادمة التي تتحدث عن تطورات جديدة رافقت المظاهرات الاخيرة في بعض المظاهرات ومنها مدينة العمارة، حيث تم حرق مقار لاحزاب وحركات سياسية وعسكرية، وهذا في الحقيقة يحدث للمرة الأولى، ضمن الحراك السياسي الذي لا احد يعترض عليه.
ولكن يقول كثيرون، ألا يرى القائمون على التظاهر، والمتظاهرين، ما يجري في ساحات القتال مع العدو الأهوج داعش الاجرامي؟، أما جواب المتظاهرين، فينص على ان خطوات الاصلاح لا تزال حبرا على ورق، وان الفساد لا يزال قائما، وان حكومة التكنوقراط باتت في خبر كان، وان الوعود التي اطلقها رئيس الوزراء لم يتم تنفيذها، يرد على ذلك بعض العراقيين، هل الاهم التغيير الوزاري أم تحقيق النتائج العسكرية المضمونة؟؟.
لابد من ظهور حلول في الأفق القريب، قبل أن تستفحل ظاهرة التصادم بين المتظاهرين والجهات الأمنية، ولابد أن تبدأ الاحزاب ذات الصلة، وقادة المتظاهرين من الساسة والمرجعيات والتجمع المدني بوضع خطوات جادة على طريق احتواء ظاهرة التصادم بين المتظاهرين والعناصر الامنية، اما ما هو نوع هذه الخطوات وكيف يتم اتخاذها ومتى؟، فإن الامر يعود الى القادة وليس غيرهم، فهذه الحلول لن تأتي من الناس البسطاء مطلقا.
مطلوب من القادة للاطراف كافة ان يعلنون بصوت عال وواضح وقوي، عن ردع العنف بقوة، وعن محاسبة كل شخص او مجموعة باللجوء الى العنف وتغيير مسار المظاهرات السلمي الى جادة العنف، غير مسموح مطلقا أن تجروا مئات الآلاف من الشباب الى محرقة داخلية لا احد يستطيع أن يطفئ نارها اذا اشتعلت، أما كيف يتم ذلك، فهو امر واضح، على قادة الاطراف كافة ان يلتقوا فورا حول مائدة مستديرة وفي قاعة واحدة وأن يتباحثوا بشفافية ووضوح وقلوب خالية من الأحقاد والضغائن، ما مضى مضى، ولنبدأ دائما من جديد، فالهدف هو حماية البلد وشبابه من محرقة تفتح فمها الواسع للجميع، وعلى قادة الأطراف كافة أن يتنبهوا لهذا الوحش الكاسر لأن الموت الأعمى لا يفرق بين الجميع.
اضف تعليق