خمسة شهداء (اثنين منهم اطفال) و11 مصابا حصيلة تفجير سيارة مفخخة في حي الموظفين في مدينة كربلاء المقدسة، وكما هو متوقع فقد أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم الارهابي في بيان نُشر على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وتداوله العديد من أنصار التنظيم.
لم يكن مستغربا ان يحدث هذا التفجير الارهابي، لاسباب تتعلق بعضها بطبيعة العمليات الارهابية لتنظيم داعش، والاخرى مرتبطة بالاجراءات الامنية العراقية المتخذة لمواجهة التهديدات الامنية في مختلف المحافظات العراقية لا سيما المحسوبة على المحافظات الآمنة. وشهر رمضان المبارك يمثل فرصة للجماعات الارهابية لزيادة نشاطاتها كما علمتنا في السنوات السابقة، مستغلة بذلك تجمعات المواطنين في اماكن وازمنة محددة للتسوق وشراء بعض الحاجيات الرمضانية، كما ان عقيدة تلك الجماعات المتطرفة تشدد على اهمية تكثيف الهجمات في هذا الشهر بالتحديد لتحصيل اكبر قدر من "الاجر والثواب بحسب فتاوى علمائها".
يظن البعض ان تفجير كربلاء لا يمثل شيئا مقارنة مع تفجيرات ارهابية حدثت في بغداد مؤخرا واكبرها تفجيرات مدينة الصدر، على اعتبار ان معيار اهمية التفجير تكمن في عدد الضحايا، الا ان ما حدث في كربلاء المقدسة مختلف تماما فضربته تكمن في "رمزيته" واستهداف داعش لمدينة كربلاء في الوقت الذي يشتد الخناق عليه في الفلوجة يعطي مقاتليه دفعة معنوية باعتبار انهم لا يزالون يتسطيعون استهداف العمق الاستراتيجي للجنوب العراقي وكربلاء التي باتت مركز الاهتمام العالمي لانطلاق مواقف المرجعية من على منبر جمعتها، وما تعنيه من فتوى الجهاد الكفائي ضد داعش.
كربلاء تتمتع بوضع امني على درجة عالية من الاستقرار ومنذ صدور فتوى الجهاد الكفائي وتبني المرجعية الدينية للحشد الشعبي، اصبحت قبلة للقيادات السياسية والامنية وحتى الشخصيات ذات الثقل الدولي، وقد تحدثنا في مقالات سابقة ومن خلال هذا المنبر الاعلامي على ان داعش سوف لن يتوقف عن ضرب المدن العراقية وانه سيضرب في المناطق غير المتوقعة وذات ابعاد رمزية اكثر منها لزيادة عدد الضحايا، فالتفجيرات الكبيرة لم تعد مفاجئة بعد سنوات طبعت اذان العراقيين على حدوث انفجارات يومية.
تفجير كربلاء كان فرصة لهزيمة الاعلام الخليجي الذي اشعل العالم بدموعه على اطفال الفلوجة من دون دليل ملموس، لكن وسائل الاعلام العراقية لم تحسن التصرف كما عاهدتنا على عدم الاكتراث الا لما يهم مصالح ممولها، وسياسات الدول الداعمة لها، فمشهد استشهاد الطفلين "علي وليان" الذين استشهدا نتيجة الاعتداء الارهابي لم يحظيا بالتغطية الكافية، وطبيعة جمهور وسائل الاعلام تتاثر بالمشاهد الانسانية العاطفية ومؤسساتنا الاعلامية التي تعودت على الشحن العاطفي طوال سنوات نجدها تتوقف فجأة حينما يحين الوقت لذلك، وكان بالامكان التركيز على الجوانب الانسانية لهذه الاعتداءات الارهابية، لكن تغطيتها اقتصرت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي فقط.
لا نود التذكير بان داعش يحاول فتح جبهة جديدة نتيجة خسائره في الميدان، لكن على القيادات الامنية العراقية ان تكون حذرة وعلى درجة عالية من اليقضة والانتباه، خشية حدوث انفجارات في نفس المدينة. فالجماعات الارهابية عودتنا انها تستهدف في الاماكن والازمنة غير المتوقعة، وفي بعض الاحيان تعود لتضرب نفس المكان سواء بتفجير مزدوج او تفجير في زمان مقارب للتفجير الاول بفارق الايام او الاسابيع، والاعتداءات الارهابية في بغداد شاهد على هاتين الاستراتيجيتين.
اذا ما اردت الاجهزة الامنية العراقية في كربلاء او غيرها من المدن العراقية منع تكرار الخروقات الامنية فعليها الاستفادة من الدعوات المستمرة لاعادة تقييم الخطط الامنية باستمرار، وعمل مراجعة شاملة لمهام الاجهزة الامنية وتحديد المسؤوليات بشكل واضح يمنع التداخل وبالتالي تضييع بوصلة المسؤولية وبالتالي تشتيت الجهد الامني. والجهد الاستخباري لا يزال "غائبا" او "مغيبا" وفي كلتا الحالتين اثر بشكل سلبي على امن المواطن العراقي وادى الى سقوط المزيد من الضحايا الابرياء.
وفي ظل الحصانة التي يتمتع بها المسؤولين الكبار والصغار وصحاب الباجات الخاصة يبدو ان الوضع الامني لا يستجيب للوصفات النقدية والتحليلية، ورجل الامن العراقي وكما لمسناه من مشاهداتنا الميدانية لا يفكر في تفتيش اغلب السيارات التي توصف بانها مخصصة لرجال الدولة او ان من يقتنيها مقرب من الدوائر الحزبية المتنفذة، وهناك من يتحدث عن قيام بعض اصحاب الباجات الخاصة بتمرير الاسلحة وغيرها من الممنوعات الامنية مستغلين "الحصانة العرفية" التي منحتها الاجهزة الامنية لهم، متناسية الشعارات المكتوبة في جميع السيطرات التي تقول ان (القانون فوق الجميع)، واذا كان باستطاعة هؤلاء العبور من دون الخضوع للاجراءات الامنية فيمكن للقاريء ان يتصور ما يستطيع ارهابي محترف ان يمرره على السيطرات الامنية.
ولان مدينة كربلاء اصبحت رمزا للحرب ضد داعش كما اسلفنا، فضلا عن ان هذه الجماعة الارهابية تعاني من ضربات القوات العراقية بجميع صنوفها في مدينة الفلوجة "العاصمة الصغرى التنظيم الارهابي"، ياتي هذا الاعتداء الارهابي ليؤكد استمرار داعش على قيد الارهاب بل وقدرتها على ضرب عمق الجنوب العراقي الذي طالما ظل عصيا على التنظيمات الارهابية.
اضف تعليق