شبكة النبأ: تستحق الحوزة العلمية أن توصَف بأنها صمام الامان للدولة والمجتمع، وقد بيّنا في مقالات سابقة ما هي المكانة الحقيقية التي تستحقها الحوزة العلمية، ولماذا على الدولة ونظامها السياسي الاهتمام بها، فالحوزة كما هو واضح من الوقائع والمواقف والاحداث، عنصر توازن أساس للمجتمع، وهي صاحبة الدور المؤازر لدور السلطة في صناعة الاستقرار، بعكسه لا تستطيع الانظمة السياسية في الدول الاسلامية ان تحقق عنصر التوازن المجتمعي من دون الدور الاساس الذي تتصدى له الحوزة العلمية في هذا الجانب.
فلا يوجد استقرار ولا تطور في ظل الاضطراب، والحوزة العلمية لها القدرة الحاسمة على ضبط الشارع، من خلال توجيهاتها التي تصب في خانة الاعتدال دائما، والابتعاد عن التعصب واثارة الشغب والضغائن بين مكونات وطوائف المجتمع الواحد، هذا هو دور الحوزات العلمية الموثوق بها من لدن الناس والمقلدين لها، وهكذا يبدو هذا الدور حاسما في صنع فرص التقدم للدولة والمجتمع، لأننا لا يمكن أن نتصور حدوث تطور من دون استقرار، والاخير كما ذكرنا صناعة رئيسة للحوزات العلمية.
التساؤل الذي ينبثق هنا، ألا تستحق الحوزات العلمية إعلاما بلا قيود، يتصدى لمهمة تواصل الحوزة مع أفرد المجتمع؟، ثم هل يجوز لنظام سياسي متوازن أن يتورط بمحاصرة الحوزات العلمية إعلاميا؟؟، لا شك أن مثل هذا الاجراء في مضايقة الحوزات اعلاميا ويمنعها من التواصل مع الناس، يمثل غباءً سياسيا بحتً للحكومة او النظام السياسي الذي يقود الدولة، فعندما يظن الحاكم وحكومته لأي سبب كان، بأن منع الحوزات من تشييد القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية والصحف الورقية والاذاعات وسواها من السبل الاعلامية، يحمي نظامه من سطوة الحوزات العلمية، فهو واهم بطبيعة الحال، وسنأتي على ذكر اسباب هذا التصوّر الوهمي للانظمة التي تحاصر الحوزات إعلاميا.
أما الانظمة التي تسمح بذلك، وتعمل بصورة جادة على فتح الآفاق الاعلامية أمام الحوزات العلمية، فإنها تحقق نجاحات على أصعدة كثيرة، أهمها انها تكسب الاستقرار المجتمعي الذي تسعى الحوزات الى تحقيقه دائما عبر تعاليمها المعتدلة والمسموعة في وقت واحد، وعندما يكون النظام السياسي قائدا لشعب منضبط متوازن ومستقر، فإن هذا النظام يمكنه أن يحقق قفزات كبرى في مجالات الانتاج المتنوعة، فضلا عن تطور المجتمع نفسه، وعيا وثقافة وابداعا وتطورا تنافسيا على مدار الساعة، وبهذا يكون الفائز الاول بمنح الحريات الاعلامية للحوزات العلمية هو النظام السياسي القائمة والدولة والمجتمع والحوزة العلمية ايضا، وكما يتضح لنا أن هذا الفوز يمثل فوزا جماعيا لدولة مستقرة وساعية للتطور المتصاعد.
وحينما يتوهم النظام السياسي بأن هناك مخاطر جمة، تنعكس عن منح الحوزات العلمية حرية اعلامية وحضورا فاعلا بين الناس، فإن المخاطر الناجمة عن ذلك ستطول النظام السياسي اولا، فضلا عن الدولة والمجتمع، فعندما لا يصل صوت الحوزة العلمية للناس، ستكون النتائج بالغة الخطورة، لأنك ستكون امام شعب غير منضبط، وقد يتعرض للانفلات في اية لحظة، والانهيار المجتمعي سوف يؤدي الى فوضى عارمة قد تطيح بالنظام السياسي قبل سواه، ولكن لا يمكن للحاكم المستبد والحكومة القمعية ان تفكر بهذه الطريقة المنطقية، لأن الحاكم وحكومته يفكران دائما بالكيفية التي يحمون من خلالها سلطتهم، وهؤلاء عندما يتوهمون بأن الحوزات العلمية تنافسهم على قيادة الناس، فإنهم يرتكبون بذلك خطأً فادحا، نتائجه عدم ضبط الشارع، وشيوع الفوضى وغياب الاستقرار، الذي يغيّب معه كل ما يمت للتطور والنمو المتصاعد بصلة، وهذا الأمر يمنع بناء الدولة كما يجب.
وفي الوقت نفسه يؤكد خسارة الأنظمة السياسية التي لا تمنح الحوزات العلمية موافقات تامة، تجيز لها استثمار وسائل الاعلام بكل اشكاله للتواصل مع الناس، من هنا لابد أن تعي الانظمة الاسلامية، أهمية الحرية الاعلامية للحوزات العلمية، ولا يجوز التفكير مطلقا، بأن هذا الاسلوب من التعامل يجعل الحوزة في حالة منافسة على السلطة، لأن دورها ينحصر في مجالات معروفة دينية، تربوية، اخلاقية، بالدرجة الاولى، وعندما تتدخل الحوزات في السياسة، فإنها تقوم في ذلك عندما ترصد نواقص وانحرفات في ادارة الدولة، ومن حق الحوزة بل من اهم ادوارها أن تردع المسؤولين اللذين يميلون الى الظلم والفساد والإفساد، كون الحوزة هي المعيار الذي يساعد الدولة ويحميها من الانهيار، فضلا عن ثقة الشعب بها، لهذا مطلوب من النظام السياسي أن لا يشط ويظلم ويشذ عن المسارات الدستورة للحكم، حتى يضمن عدم معاضرة الحوزة العلمية له، وفي الوقت نفسه يضمن مجتمعا مستقرا يميل الى الابداع والابتكار والانتاج الأفضل دائما.
اضف تعليق