خرجت مئات التظاهرات الكبيرة منها والصغيرة طيلة السنوات الماضية، لكنها ورغم كل الشعارات واللافتات التي حملتها لم تستطع ان تقيل مسؤولا عراقيا واحدا في الحكومة، المركزية او المحلية، بسبب سوء اداءه او فساده..
وهي ايضا لم تستطع ان تقدم احدا للمحاكمة لانتهاكات قام بها قد تتعلق بحقوق الانسان او جرائم جنائية خاصة او غيرها من تجاوزات قانونية..
على مستوى الطبقة السياسية نفسها، لم تستطع أي كتلة اقالة وزير او مسؤول حكومي كبير رغم كل التجاوزات التي قد قام بها، وحتى استدعاءه للبرلمان وهو لم يحدث الا في القليل النادر لايكون الا وفق ترتيبات سياسية مصلحية معينة بين كتلته التي ينتنمي اليها وبين بقية الكتل..
ربما تساؤل يفرض نفسه: هل كان بإمكان تجربة ديمقراطية تنجح في العراق وتكون نموذجا لتجارب عربية اخرى؟
كان يمكن ذلك، لو امتلك العراقيون فضاءا سياسيا غير مستبد كما هو عليه ذلك الفضاء قبل العام 2003، وبالتالي يسمح الواقع الجديد لهذا الفضاء ان يتمدد وان ينتشر.. ولو امتلكوا قاعدة اقتصادية للنهوض والتحديث، ولو امتلكوا القدرة على الاندماج الاجتماعي كمقدمة للتحول الديمقراطي.. وهو مايطلق عليه ألان تورين ودومنيك شنابر بالاندماج الديمقراطي والذي غيابه يؤدي الى ان يندفع عدد كبير من الافراد والجماعات الى الانفلات من مجال تأثيره او فعله، ويلقي بهم في احضان الجريمة والانتحار والعنف والارهاب.. اليس مانحن فيه وعليه هو ماينطبق عليه هذا التوصيف؟
لكن العراقيين، وطيلة عقود من الاستبداد لم يستطيعوا ان يفرزوا طبقة سياسية خارج الطائفة او العشيرة، تكون معادلا موضوعيا لطبيعة نظام الحكم السابق، وبالتالي هي استطاعت الصمود امام استبداد مثل ذلك النظام، في مجالها الخاص ولم تستطع عند صعودها الى الحكم ان تقدم نموذجا في المجال العام يحتذى به.. وهم لم يمتلكوا اقتصادا يعول عليه في التحديث والتنمية والنهوض، وغابت مدنية القوانين والحراك عن مجتمعه..
هل العراق وحده يفتقد لمثل هذه الشروط؟
تشاركه بلدان ما اصطلح عليه بالربيع العربي، فهي في ثورتها على حكامها المستبدين ابدلت استبدادا فرديا باستبداد جماعي عبر صعود قوى الاسلام السياسي، وفاعليات قبلية اخرى الى سدة الحكم، ومنها من عاد يحدوه الحنين الى نظام عسكري يبشر بارتدادات الى بدايات تشكل الدول الوطنية وظهور انظمة الانقلابات العسكرية..
حول فكرة الاندماج الاجتماعي يرى الباحث المغربي فوزي بوخريص في بحثه الموسوم (الاندماج الاجتماعي والديمقراطية: نحو مقاربة سوسيولوجية) ان ضعف الدولة، الراجع بالاساس الى غياب الديمقراطية ومباديء حقوق الانسان، وكذلك انعدام تنمية فعلية مبنية على تنظيم وتطوير الانتاج والتحكم في فائض القيمة الذي يصب اغلبه في الخارج، جعلها عاجزة عن الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، على مستوى تجهيز البلاد وتوفير الخدمات والمصالح العمومية والتكفل بالحاجات المتزايدة للأفراد والجماعات، والنتيجة هي اشتداد ضغط المجتمع على الدولة، ومقاومتها له بقمع متزايد، وباعتماد اكثر على الخارج لطلب المساعدة والحماية.
بالعودة الى عنوان الموضوع نتساءل: ما المقصود بالتحول الديمقراطي؟
أنه العملية التي يتم في اطارها صياغة أساليب وقواعد حل الصراعات بطرق سلمية، وصولا الى وضع دستوري ديمقراطي، وعقد انتخابات نزيهة وحرة، وتوسيع نطاق المشاركة السياسية باعتبارها معيارا لنمو النظام السياسي ومؤشرا دالا على ديمقراطيته.
ماهي الاسس والشروط الاساسية للتغير الديمقراطي؟
التخلي عن الايديولوجية الانقلابية -الاستقرار الاقتصادي- الإصلاح الديني - عدم التهديد الخارجي.
إذا تحققت تلك الشروط يمكن لنا ان نرصد اهم مؤشرات التحول الديمقراطي الناجعة وهي:
- التداول السلمي على السلطة، عبر نظام تمثيلي ونزاهة الانتخابات في إطار التعددية السياسية والفصل بين السلطات.
- الحريات العامة في الرأي والتعبير والتنظيم، إلى جانب حرية الصحافة، ونظام فعال للاتصال وتبادل المعلومات.
- المؤسسة السياسية، ومأسسة منظمات المجتمع المدني بمختلف مكوناته وفواعله الأساسية.
ترتبط عدة مفاهيم بالتحول الديمقراطي، منها:
الانتقال الديمقراطي: وهو اخطرها لإمكانية تعرض النظام فيها لانتكاسات، حيث تتميز بالصراع بين النظام السابق والممارسة الديمقراطية الجديدة.
الاصلاح الديمقراطي: وينطوي على فكرة جوهرية هي التغيير المستمر نحو الأفضل.
الترسيخ الديمقراطي:
وهي مرحلة ما بعد التحول الديمقراطي، حيث يتم تعزيز الديمقراطية واستمرارها.
لكن تعزيز الديمقراطية ورسوخها يتطلب وقتا وجهدا كبيرين وبشكل تدريجي عبر فترات زمنية قد تستمر لعقود، كما كان الحال مع أمريكا وبريطانيا.
اضف تعليق