صورتين من مكانين مختلفين، ترسمان واقعاً واحداً لأقلية شيعية وسط تجاذبات سياسية و اثنية؛ امرأة من قضاء طوزخورماتو على الارض وقد تعرضت لقناص استشهدت على أثرها قبل أيام، والصورة الاخرى، لامرأة؛ لكن لم تستشهد، في قضاء آمرلي، استقبلت قوات التحرير (الحشد الشعبي) بالبندقية ترفعها عالياً وهي تهتف بشعارات الصمود والتحدي، ضمن أجواء الابتهاج بفك الحصار عن الناحية قبل حوالي عامين.
منذ 2003 وحتى اليوم، لم تكتسب المناطق التي يقطنها الشيعة في الموصل وصلاح الدين وكركوك، مثل تلعفر شمالاً، وطوزخورماتو جنوباً، وأقضية وقرى عديدة، ذلك الوضع الادراي والسياسي والامني على سبيل تحقيق نسبة من الاستقرار أسوة بسائر مناطق الوسط والجنوب، والسبب أنها تقع ضمن بقع جغرافية تجعلها "أقلية" من الناحيتين؛ العرقية (تركمانية)، والطائفية(شيعية)، الامر الذي جعلها عرضة للطعنات والاعتداءات أكثر من غيرها، يضاف اليها تهدايدات بالتغيير الديمغرافي، كما تصور أصحاب المشروع الداعشي في الموصل أنهم نجحوا بتهجير سكان تلعفر وزجّهم نحو الوسط والجنوب العراقي.
عن الاحداث الجارية في قضاء طورخورماتو الواقعة ادرارياً ضمن صلاح الدين، مشكلة الشيعة هناك، وجودهم عند نقطة تقاطع المصالح السياسية للمكونين الآخرين في العملية السياسية في العراق؛ الكرد، والسنة، فالاكراد متشبثون بالمادة 140من قانون الدولة العراقية الذي سنّه الحاكم الاميركي في حينه، بول بريمر، والخاص بتسوية المناطق المتنازع عليها، او ما يسميه الاكراد بـ "التطبيع" بمعنى إعادة الهوية الكردية الى هذه المناطق بعد تغييرها من قبل النظام البائد او تعريب المناطق التي يقول الاكراد أنها كانت بالأصل كردية. بالمقابل؛ يتشبث السنّة بوجودهم في هذه المناطق، لاسيما طوزخورماتو، كونها تقع ضمن صلاح الدين ادارياً، وليس كركوك، كما كان عليه الحال في ثمانينات القرن الماضي.
وجاء الظهور الداعشي واجتياحه العسكري السريع والمفاجئ لمحافظة الموصل وصلاح الدين وجنوب كركوك، ليحقق مزيداً من الضغط على السكان الشيعة في مناطق عديدة، بما لم يفعله الآخرون في السنوات الماضية. وبغض النظر عن حقيقة الصراع على الارض بين السنة والاكراد، وتحديداً في المناطق بين كركوك وصلاح الدين، او ربما هنالك نوعاً من التخادم السياسي لرسم خارطة جديدة، فان الذي يهمنا استمرار الاوضاع المأساوية في طوزخورماتو وتعرض الاهالي والسكان المدنيين الى قصف مباشر من عناصر "البيشمركة"، اضافة الى انتشار القناصين على أسطح البنايات العالية في القضاء، وقد تعرّض عدد كبير من المواطنين والمنتسبين للاجهزة الامنية بجروح برصاص القناصة، فيما استشهد آخرون.
وهذه ليست المرة الاولى التي تهيج فيها المشاعر القومية لدى "البيشمركة" في هذا القضاء، ففي تشرين الثاني من العام الماضي، اندلعت مواجهات مسلحة مشابهة بين هؤلاء وبين قوات الحشد الشعبي، لمجرد الخلاف على وجود السيطرات العسكرية في القضاء، لان الاكراد يعدون أنفسهم الوحيدون اصحاب الحق في إقامة هكذا سيطرات في القضاء، وإن كانت لغيرهم، فلا يجب ان تكون لسكان المدينة من التركمان الشيعة. وهذا ما صرحوا به خلال مفاوضات وقف اطلاق النار آنذاك، رافضين وجود قوات أمن خاصة من أهل القضاء لحماية مساكنهم وأهلهم. بمعنى أن الامن؛ إما ان يكون من قبل محافظة صلاح الدين، او من الاقليم ولا غير! علماً ان القضاء يسكنه العرب السنة والاكراد ايضاً.
من هنا؛ فان المسؤولية الاخلاقية والقانونية تقع على الحكومة المركزية تحديداً بممارسة ضغوط شديدة لسد الطريق نهائياً على الباحثين عن المادة 140 و"التطبيع" في طوزخورماتو، اذا كان الاكراد أقلية في هذا القضاء. فاذا كان الاكراد حريصين على الهوية الكردية لهذا القضاء، فما سكوتهم عن القصف الداعشي المكثف الذي تعرضت له ناحية "تازه" الشهر الماضي، وما تخلله من قصف كيماوي على الاهالي العزّل؟ وهل أخذت القضية صدىً اعلامياً كما تستحقه من قبل الاكراد الذين يحتفظون بذاكرة نشطة للهجمات الكيماوية ضدهم فيما مضى من الزمن؟ وايضاً ما سكوتهم عن استمرار احتلال "بشير" طيلة الفترة الماضية، إن كانت تقع ضمن المناطق المتنازع عليها جغرافياً؟
تحدث البعض عن ضرورة تعاون الحشد الشعبي مع البيشمركة لمواجهة "العدو المشترك" وهو تنظيم "داعش"، في حين لا يجهل المتابعين وقوف هؤلاء متفرجين على القمع والتنكيل الذي تعرض له الشيعة التركمان على يد الارهابيين والتكفيريين طيلة السنوات الماضية، لاسيما في الفترة الاخيرة.
إن تحطيم "الحلقة الاضعف" والتحول الى الرقم الصعب في الخارطة، لن يكون بتدخل عسكري من الحشد الشعبي في هذه المناطق، وإن كان الحضور العسكري مؤثراً جداً في توفير الحماية والدعم المعنوي للسكان. بيد أن القضية – بالحقيقة- لا تنحصر في هذا القضاء، إنما في مناطق أخرى ربما يأتي دورها في تكرار نفس مشاهد طوزخورماتو، لاسيما مع تواصل مسلسل الهزائم الداعشية امام أبطال الحشد الشعبي، واحتمال التوجه شمالاً نحو الموصل. إنما يحتاج الامر الى رؤية شاملة واهتمام خاص بعموم المناطق التي يقطنها الشيعة التركمان وحمايتهم من أي استفزاز او عدوان، وعدم تركهم – اكثر من هذا- وحيدين في الميدان تحت وابل القذائف والنيران، التي تأتي من البيشمركة تارةً، ومن "داعش" تارةً اخرى".
ولمن يتحدث عن الازمة السياسية التي يفتعلها البعض في بغداد لمصالح معينة، والتذرّع بانها السبب في تأجيل البحث في ملف الشيعة التركمان، فان هذا الملف لجديرٌ بأن يأخذ الاولوية بين الملفات الاخرى، ليكون -على الاقل- عامل ترميم الصدع في البيت الشيعي الذي طاله التشظّي السياسي بسبب اللهاث المخزي خلف المصالح الفئوية وحتى الشخصية، تحت شعار الاصلاحات ومحاربة الفساد وغيرها.
اضف تعليق