يدخل الانسان قاعة الامتحان، يخرج منها بانتظار النتيجة، هناك من ينجح وآخر يفشل، هناك من يحصل على درجة نجاح عالية وآخر عالية جدا ومنهم من يحصل على درجة امتياز، أما درجات الفشل فهي أيضا تتدرج نحو الحضيض، القاعة هي الحياة، ومادة الاختبار هو نشاط الانسان في حياته الطويلة القصيرة، طويلة بعمرها سنواتها وعقودها، وقصيرة بمرور العمر وكأنه لحظة لا أكثر، ولكن ما هي نتيجة الاختبار؟؟.

هل انت ناجح أم فاشل؟؟، وما هي درجة النجاح والفشل التي حصلت عليها؟؟، هل استثمرت سنوات عمرك بصورة جيدة وصحيحة أم حدث العكس؟، هذا هو السؤال الصعب بل الأصعب، لذلك يُقال من أفضل الناس أولئك الذين خرجوا من قاعة الاختبار وتلوح على وجوههم ملامح السعادة والاطمئنان، فهل أنت ممن ترك قاعة الاختبار مطمئنا أيها الانسان؟؟.

من هو الانسان الناجح؟ سؤال بسيط واضح، لا يحتاج الى معالجة معادلات عميقة لكي نصل الى الحل، الانسان الناجح هو الذي يفيد الآخرين، وينقل تجربته وخبراته إليهم كي يستفيدوا منها، ويواصلوا الطريق الى الأعلى، فالأب ينقل خبراته الى أبنائه، والمعلم الى طلابه، والمهني الماهر الى العمال الذين يعملون تحت يده وأوامره الصناعية، كما أن الطبيب يجلب الطلاب الى صالة العمليات كي يتابعوا كيفية اجراء العملية بتفاصيلها الدقيقة، حتى يكتسبوا الخبرات الدقيقة، والحال نفسه عندما يقوم المهندس المعماري بنقل خبراته الى المهندسين الشباب الجدد والطلاب.

الكاتب والمثقف هو الآخر يمكنه أن ينقل تجربته الأدبية الثقافية الى الطلاب، والى الآخرين عموما، هل فعل المثقف ذلك، هل نجح الكاتب في نقل مهاراته الكتابية الى الكتاب الشباب، هل أقدم على هذه الخطوة، أو هل فكر بها، هل وضع منهجا للقيام بنقل التجربة الى الآخر، هل سعى في هذا المجال، وهل توصل الى نتائج جيدة في نقل التجربة.

سوف أتحدث عن تجربتي الخاصة في هذا المجال، باعتباري أنتمي الى الادباء والكتاب، واستطعت خلال عقود من حياتي أن أكوّن ثروة من المعلومات الادبية والثقافية والكتابية بشكل عام، حصلت عليها من خلال قراءة عشرات الكتب التي عرفت ممن سبقوني بأنها مهمة، وأنها قادرة على توسيع مساحات (الخيال عندي، وتمدني بالقدرة على التفكير والكتابة)، بالاضافة الى المران والمراس على الكتابة والقدرة على المطاولة.

أسئلة تطرح نفسها علينا

فحتى يمكنك كتابة صفحة واحدة، تنطوي على أفكار، وتنقل تجربة معينة من ذهنك وخيالك، الى الآخر، عليك أن تبذل الكثير من الجهد حتى تكون قادرا على انجاز مثل هذا الهدف، الذي قد يبدو سهلا للوهلة الاولى، ولكنه في الحقيقة عمل صعب لا يتمكن منه كل من يرغب القيام به، بل هو من مهمة العقول التي اكتسبت مهارات الكتابة عبر سنوات مضنية من القراءة والكتابة، والسعي الحثيث والصبر والمطاولة والبحث، وصولا الى تقديم ورقة فيها أفكار.

هناك أسئلة لابد من الإجابة عنها، منها، لماذا يستوجب الأمر أن ننقل تجاربنا الى الآخرين، ما هي الفائدة التي سنحصل عليها، هل هناك مردود فردي سنحصل عليه بصورة مباشرة، وهل يساعدنا هذا الأمر على النجاح في الاختبار الدنيوي، وقبل هذا وذاك، ما هو الأفضل للانسان، أن ينقل تجاربه ومعرفته للآخرين أم الأفضل أن يحتكرها في ذاته ويبقي عليها مغلقة الأبواب، ويأخذها معه الى قبره؟؟.

أشيع في مدينتي أن هناك رجلا يجيد صناعة الحلوى بطريقة متميزة، لدرجة انه صار أشهر صنّاع وباعة الحلوى في المدينة، ليس هذا فحسب بل عبرت شهرته اسوار المدينة الى المدن الاخرى، بل الى الدول الاخرى، أثرى هذا الرجل من صناعته للحلوى بنفسه، كان لديه ثلاثة أولاد يساعدونه في مهنته هذه، قيل أنه في حياته كان يرفض نقل تجربته وخبرته في صناعة الحلوى الى العاملين معه، حتى أولاده شملهم بهذا المنع، كان يخشى أن يسرقوا (سر المهنة) منه وينفصلوا عنه ثم يصبحون من المنافسين له.

يقال أنه غادر قاعة الامتحان (الحياة) وأخذ معه سر تجربته وصناعته للحلوى، لم يفد احدا، ولكن ما هي الفائدة التي حصل عليها من فعلته هذه؟؟، لقد حاول العاملون معه ومنهم ابناؤه بعد رحيله، وجربوا وتمكنوا من صناعة حلوى أكثر تميزا من حلوى الأب، ولكن بقيت ذكراه تنطوي على إساءة له لأنه رفض نقل خبرته الى الآخرين، هل من حقه أن يفعل ذلك، هل من حق الانسان أن يفعل ذلك، والمفكر أيضا، هل له الحق في أن يحتكر أفكاره، وهل من حق المثقف أن يحجز خبراته في رأسه بعيدا عن الآخرين؟؟.

أسئلة كثيرة في هذا المضمار تحتاج الى أجوبة، ولكن في حقيقة الأمر الأجوبة واضحة، من أسوأ الصفات أن يكون الانسان أنانيا الى هذه الدرجة، ليس من حق المثقف أن يحتكر المعرفة، ليس من حق الكاتب أن يحتكر خبراته، او يمنعها من الوصول الى غيره، هل مطلوب منها المبادرة في إيصالها الى الآخرين؟، من من المثقفين بادر وقدم تجربته وخبراته لطلاب او شباب في مقتبل العمر، هل بادر المثقف بصورة طوعية في الاتجاه؟.

هنالك ورش معرفية ثقافية ادبية قدمت مثل هذه التجارب، بعضها كان ناجحا، وبعضها شكليا، أي يدخل ضمن إسقاط الفرض لبعض المنظمات الثقافية الداخلة ضمن مسمى (منظمات المجتمع المدني)، فبعض هذه المنظمات لم تكن غايتها تقديم المعرفة والثقافة والتجربة للشباب، بقدر رغبتها بتحقيق اهداف مادية معروفة.

كمثقف، أو أديب، أو كاتب، كيف أقدم تجربتي وخبرتي للآخر، سؤال طرحته على نفسي، وقبل ذلك هل يستوجب الأمر أن أفعل ذلك، هل ينبغي أن أنقل ما امتلكه من معرفة ومعلومات الى الشباب، او الى الآخرين عموما، الكاتب الأديب، يحمل روحا اكثر ميلا الى الخير، من المتوقع أن يحمل هذه السمة، هناك كتاب وادباء أنانيون، أمر وارد ومعروف، ولكن بالنتيجة أن تنقل تجربتك وخبرتك للآخر، وتخرج مطمئنا من قاعة الاختبار، هذا أفضل لك بطبيعة الحال، وانطلاقا من هذه الرؤية باشرتُ بنقل خبرتي للآخر وأكثرهم من الشباب، كيف تم ذلك؟؟.

خطوات لابد منها

لا أتذكر يوما أنني بخلت بالاجابة عن سؤال لأحد الشباب حول الأدب والثقافة والمعرفة عموما بحدود ما أمتلك من معلومات وخبرة، لا أتذكر أنني تصرفت بطريقة أنانية مع كل من يصغرني عمرا في هذا المجال، قدمت كل ما أملك في أمسيات وفي لقاءات خاصة، حتى عندما تجمعني الأماكن العامة والشوارع والساحات والمقاهي والسيارات مع الشباب، لا أتردد لحظة بنقل معرفتي إليهم، ولكن بطريقة لا تشعرهم بأنني أكثر فهما منهم او تعاليا عليهم.

وأخيرا كلما توافرت لي فرصة بتقديم هذه الخبرات مجانا أبادر لذلك بسرعة البرق، وافرح واكون سعيدا عندما أقوم بمهمة نقل التجربة والمعلومة والخبرة الى الآخر، ومن خلال ما قمت به شخصيا، أشرح كيف قمت بهذه المهمة، أقصد مهمة نقل معرفتي في الأدب والثقافة الى الآخرين وخاصة الشباب:

- أن أكون مستعدا نفسيا للقيام بنقل تجربتي الى الشباب.

- أن أكون صادقا مع نفسي في أهمية نقل التجربة.

- ألجأ دائما الى اسلوب التشجيع.

- أعتمد الصبر في التعليم.

- لا أنتقص من الآخر مطلقا، وعندما اريد التنبيه الى خطأ ما، فلا أذهب إليه مباشرة بل بالتلميح، وباسلوب لا يسبب أذى نفسيا للطالب او المتعلم.

- ألتقط المواهب المتميزة.

- أحاول المساواة في العلاقة مع الجميع، حتى في طريقة الكلام والحوار وإبداء الإهتمام.

- زرع الصبر والأمل في نفوس المتعلمين.

- التركيز على السمات الجيدة في شخصية الطالب.

- التنبيه الى نقاط الضعف باسلوب غير مباشر.

- زرع شعور الثقة بالنفس لدى المتعلمين.

- إن الفشل هو الطريق نحو النجاح، فمن لا يفشل لا يعرف طريقه الى النجاح.

اضف تعليق


التعليقات

صباح محمد باقر
العراق
بارك الله بجهودك الطيبة، و وفقك الله لكل خير، كما ادعو الله أن يكثر امثالك حتى لا نواجه الشحة في الاقلام المسؤولة والهادفة.2016-04-13