في الوقت الذي تحاول فيه دول اوربية تشريع قوانين جديدة تسهم في تسريع عملية اندماج المهاجرين مع المجتمع ؛ تقوم الدول الخليجية وبكل الوسائل بطرد السكان الاصليين الشيعة من بلدانهم تحت ذرائع واهية حيث يعيش الشيعة في تلك الدول بحالة صعبة للغاية، بسبب السياسات القمعية من قبل انظمة الحكم هناك، فشيعة البحرين الذين يمثلون الغالبية العظمى من الشعب يقبعون تحت حكم الاقلية السنية المدعومة من الانظمة السنية في المنطقة، فيما كانت للقرارات السعودية الاخيرة بإدراج فصائل شيعية على لوائح الارهاب العربية الاثر الكبير على حرية الشيعة في جميع الامارات الخليجية.
وبعد القرارات العربية المتلاحقة بإدراج حزب الله على قوائم الارهاب العربية التي يخلو منها الارهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني؛ تستمر الانظمة القبلية بإصدار قرارات محلية تستهدف الوافدين والمواطنين الشيعة هناك. فوزارة الداخلية السعودية اصدرت في منتصف الشهر الحالي قرارا يتضمن عقوبات لكل من يتعامل مع حزب الله مؤكدة في بيان رسمي أنها ستعاقب كل من ينتمي لحزب الله اللبناني أو يؤيده أو يتعاطف معه أو يؤوي أحدا من عناصره والقرار يطبق بحق السعوديين أو المقيمين، وكتطبيق للقرار الجائر سارعت السلطات السعودية باعتقال عالم الدين الشيعي الشيخ حسين الراضي كونه تبنى موقفا رافضا للحرب على الشعب اليمني وقد دعا الى ايقافها اكثر من مرة ، وبعد تصنيف حزب الله "منظمة إرهابية" وإصدار قرار بخصوص اعتقال من يؤيد أو يتعاطف مع الحزب، صرح الشيخ الراضي باستنكاره للقرار وقال: "إن كانت جريمة حزب الله قتال إسرائيل والتكفيريين فأنا معهم". وأضاف: "حزب الله الذي أعاد العزة والكرامة للإسلام والمسلمين والعروبة والعروبيين، من حق هذه الشعوب ان تُكرّمه وتُبجّله وتعتز به كمفخرة من مفاخرها وإرثًا حضارياً لها". معتبرا هذا التصنيف عار يلحق بالأمتين العربية والإسلامية. وبعد ايام من حديثه هذا اعتقلته السلطات السعودية وقد يعدم في اي لحظة مع قيادة متهورة لا تعرف غير لغة الحرب والسلاح.
ولم تكتفي السعودية بملاحقة مواطنيها بل دفعت الكويت الى اصدار ملاحقة النائب الشيعي في مجلس الامة عبد الحميد دشتي حيث أصدرت النيابة العامة الكويتية مذكرة "ضبط وإحضار" بحق دشتي بعد رفع الحصانة عنه على خلفية تصريحاته الرافضة للعدوان السعودي على الشعب اليمني ويحمل القرار في طياته بصمات سعودية إذ قال السفير السعودي في الكويت، عبد العزيز الفايز، أن السعودية رفعت شكوى للسلطات الكويتية، مطالبة بمحاسبة النائب الشيعي عبد الحميد دشتي، على خلفية مواقفه المعارضة للسياسة السعودية في المنطقة .
المتابع للشأن الخليجي يجده مهادنا طيلة سنوات حكمه السابقة لكنه انتفض اخيرا بعد اقرار الاتفاق النووي مع ايران وانسحاب الولايات المتحدة من بؤرة الصراع في المنطقة ، وهذه الانتفاضة تعتبر غير موفقة الى حد بعيد وذلك لعدة اسباب اهمها:
اولا: الاتفاق النووي الايراني لا يمكن مواجهته عسكريا فالدول العظمى لم تستطع ايقاف هذا البرنامج النووي عسكريا بالإضافة الى ان إسرائيل ورغم كل ما تملكه من ادوات الضغط السياسي والعسكري لم تستطع تنفيذ اجنداتها عسكريا في المنطقة والمثال هزائمها في لبنان وعلى يد الشيعة عام 2000 و 2006 ، وحتى وان ارادت الدول الخليجية ايقاف ما تسميه بالتوسع الايراني فمن غير الممكن ان يتحمل الشيعة "جريمة" النجاح الايراني والمواطن المسكين الذي يعيش في السعودية او البحرين او الكويت لم يشارك في صناعة قنبلة نووية ايرانية او شارك بالتخطيط للتوسع الايراني .
ثانيا: العالم يتغير بسرعة وقواعد الصراع في العالم يتم تحديثها باستمرار، فالحرب العسكرية لم تعد فاعلة كما في السابق وحتى ان تم اللجوء اليها فإنها تختلف عن تلك التي تقوم بها الحكومات الخليجية والحديث يدور اليوم حول الحرب الخاطفة والحرب الالكترونية وصراع الفضاء الافتراضي ، وهي ادوات لا تملكها دول الخليج وان حصلت عليها فهي لا تجيد استخدامها بشكل فعال ..ومن غباء السعودية وحلفها الثلاثيني ان دخلوا في صراع طويل في اليمن لا يمكن حسمه في المدى القريب .
ثالثا: السعودية وحلفائها العرب متورطون في حروب اقليمية في كل من اليمن وسوريا والعراق وبالتالي فان عليهم حسم تلك الملفات ومن ثم التوجه الى تصفية مواطنيهم في الداخل الذين لا ذنب لهم سوى اختلافهم مع المذهب الرسمي هناك اما الحديث عن معاقبة حزب الله وغيره فهي حجة من اجل القضاء على الوجود الشيعي الذي بات يمثل تهديدا لعروش القبائل الحاكمة لما يملكه من مقومات النجاح التي تؤهله لبناء دولة تعتمد على الاسس الاسلامية وتستطيع مجارات المتغيرات المتسارعة في العالم.
ويرى بعض الخبراء ان استمرار التصعيد الخليجي ضد الشيعة وعلى رأسه السعودية سوف يؤدي بالنهاية الى جملة من المتناقضات تقلل من امكانية تحقيق بعض الدعوات السعودية التي تراها ضرورية للحفاظ على مكانتها كقطب اقليمي فاعل في منطقة الشرق الاوسط ، فهي تطالب برحيل الرئيس السوري بشار الاسد كشرط اساسي لأي حل مفترض للازمة السورية والسبب كما يتضح من تصريحات المسؤولين السعوديين كون الاسد ينحدر من الاقلية العلوية بالإضافة الى استخدامه اساليب قمعية ضد شعبه كما تقول السعودية ، وهذه الاسباب نفسها تنطبق على السعودية فهي تدعم نظام الاقلية السنية في البحرين وتمارس القمع ضد مواطنيها ، ولو اردنا عقد مقارنة بين الاحتجاجات التي انطلقت ضد نظام الاسد ونظام ال خليفة السني نجد ان الشيعة لم يرفعوا سلاحهم ضد حكم الأقلية في البحرين منذ عام 2011 وحتى هذه اللحظة هم متمسكون بسلمية التظاهر .في حين ان حلفاء السعودية التكفيريين قتلوا وشردوا ملايين الشعب السوري حتى ان بعضهم ادرج على لائحة الارهاب العالمية ، وهو ما يقلل من فاعلية الدعوات السعودية لإسقاط الاسد وفي المقابل فان سلمية الاحتجاجات الشيعية في الدول الخليجية تعطيها اعترافا دوليا وتسحب شرعية السلطات التي تقمعها.
وما بين التشديد على الشيعة هناك انفتاح خليجي على دولة الكيان الصهيوني فبات الحديث عن التطبيع مع هذا الكيان الغاصب لمقدسات المسلمين في فلسطين امرا اعتياديا ومرحبا به فدولة الإمارات فتحت خطوط تواصل دبلوماسية مع اسرائيل إذ كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية نهاية عام 2015 كشفت عن افتتاح ممثليه دبلوماسية لدولة الاحتلال الإسرائيلي بإمارة أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة لأول مرة وذلك بعد الانتهاء من كامل الإجراءات الرسمية. وقد أكد ذلك دبلوماسيون إسرائيليون إذ قالوا ، إن إسرائيل تعتزم فتح بعثة تمثيل دبلوماسي لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبوظبي، وسيكون أول مكتب تمثيل في دولة الإمارات العربية المتحدة . وقد اعتبر أصدقاء إسرائيل في واشنطن أن للخطوة دلالات أبعد بكثير مما تبدو، وأنها خطوة تأتي على إثر تحسن في العلاقات بين السنة في المنطقة وإسرائيل مع ما تبع ذلك من تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن لقائه عدداً من المسؤولين الخليجيين على هامش قمة المناخ التي استضافتها العاصمة الفرنسية باريس نهاية عام 2015 .
وعلى ضوء ذلك عنونت مجلة «نيوزويك» غلافها بعبارة :إسرائيل تفتتح أول بعثة ديبلوماسية في الإمارات في وقت تستمر علاقاتها مع السنة بالتحسن، ما يعني ان هناك توجها اسرائيليا للتطبيع مع الانظمة السنية في المنطقة وهو ما يؤكد ما ذهب اليه بعض المراقبين بان التطبيع مع اسرائيل دفع الى التشديد على الشيعة في محاولة لارضاء الصديق الجديد وابعاد السكان الشيعة الاصليين والحجة كما تظهرها الحكومات الخليجية هي التعاطف او الانتماء لحزب الله . فبات عداء الصهيونية عارا على العرب !؟ .
ومع كل قرار خليجي ضد الحركات الشيعية في المنطقة يقول مسؤولو تلك الدول انه جاء لردع التوسع الايراني على حساب الدول العربية واذا كان هذا هو معيار العقاب فكان الاولى بهذه الدول ان تعاقب الكيان الصهيوني الذي اغتصب دولة فلسطين ومقدساتها الاسلامية بالإضافة الى استيلائه على اجزاء من دول عربية اخرى ، وهو لا يتوانى عن قتل اي فلسطيني حتى وان كان جريحا فقد تناولت وسائل إعلام يوم 24 اذار مقطع فيديو ، يظهر جندي إسرائيلي وهو يطلق الرصاص على رأس مصاب فلسطيني ملقى على الأرض بلا حراك، واعتبر المدافعون عن حقوق الإنسان أن ما حدث جريمة حرب في حين أدانت الأمم المتحدة عملية إعدام الجريح الفلسطيني ووصفتها بأنها عمل مريع وغير أخلاقي ، وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادنوف في بيان "أدين بشدة الإعدام التعسفي الظاهر لمهاجم فلسطيني في الخليل في الضفة الغربية".
التعامل المزدوج مع الشيعة واتهامهم بالتبعية لإيران وفي المقابل الترحيب بالكيان الصهيوني كدولة صديقة رغم كل جرائم الحرب التي يرتكبها ضد العرب الفلسطينيين ، يسهل الطريق امام اي محلل لهذه القرارات ويجعل كل التفسيرات الموضوعية تصب في التأكيد على وجود مخطط لاستهداف الشيعة من خلال التضييق عليهم واقصائهم كمرحلة اولى والقضاء على الفكر الشيعي بالمنطقة في المراحل اللاحقة، ومن يقرأ القرارات العربية بإنصاف يجدها تبتعد كثيرا عن شعارات العروبة وحمايها من التوسع الاجنبي، الا اذا كان الخليجيون لديهم مفهوما مغايرا للعروبة التي تعلمناها في المناهج المدرسية.
اضف تعليق