q

نقرأ دائماً من علماء النفس وعلماء الاجتماع، أهمية التفكير الايجابي وتنمية مشاعر الحب واحترام الآخر، والانطلاق في رحاب التطور والتقدم، ورغم أن هذه الفكرة الحضارية، مشروع انساني، والمعني به شخص الانسان، فهو المدعو لأن يأخذ بزمام المبادرة لتحصين نفسه من مجمل منظومة التفكير السلبي، بيد أن العوامل الموضوعية لها مدخلية مباشرة في تكريس وجود هذه المنظومة، وإلا فان الانسان لا يعيش لوحده – بكل الاحوال-، ومن هذه العوامل؛ السلطة الحاكمة التي تجد مصالحها في الكيفية التي يكون عليها المواطن والمجتمع بشكل عام.

فاذا كانت الحالة الايجابية في الفكر والروح، تفيد الانسان، فان الحالة الغايرة تفيد – في كثير من الاحيان- بعض الانظمة السياسية، كون الحكام في هكذا انظمة بعيدين عن القيم الايجابية اساساً. لذا فانهم يقتاتون على الكراهية والتأزم والتوتر وكل القيم السلبية المنتجة لافكار مماثلة، لان هذا البعض من الانظمة ذات التوجه الديكتاتوري – سواء الظاهرية منها او المستترة- لا تنسجم مع الاستقرار النفسي للجماهير المؤدي الى التطوير والإصلاح المستمر في المجالات كافة، ومنها النظام السياسي الفاسد نفسه.

أما الانظمة السياسية الناجحة فهي التي تفكر في الحاضر والمستقبل معاً، عندما تتعامل مع أفكار الناس وحالاتهم النفسية، فهي تعمل على نشر القيم الايجابية الداعية الى الفضيلة والابداع والأمل والتطلع الى الأفضل. وبذلك فهي تؤسس كيانها وتضمن حياتها السياسية على قاعدة رصينة، وهي في ذلك لن تخسر شيئاً، إن نقل باكتسابها الكثير من الامن والاستقرار وفرص التقدم.

الى ذلك يشير سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي – قدس سره - في "السبيل الى إنهاض المسلمين"، في سياق حديثه عن "الدولة والعداوات"، بأن "من أهم ما يلزم على الدولة الاسلامية ان لا تترك العداوات تأخذ سبيلها الى الظهور، واذا ظهرت شرع في إطفائها فربما سببت – العداوات- الموت والدمار، وربما سبب نار عود ثقاب الى إحراق غابة...". وهذه رسالة الى من يهمه الأمر في بلاد تتطلع الى الاستقرار وتتطلع الى التطور والرقي، مثل العراق الذي يكافح لإنجاح التجربة الديمقراطية، وقبلها إنجاح تجربة الانسان الايجابي في فكره وسلوكه، بأن يكون العمل على محاصرة مشاعر الكراهية مهما كانت الاسباب والدوافع، فربما تكون هذه المشاعر مطيّة الى اهداف معينة في فترة معينة، فانها تنقلب بنتائجها وآثارها المدمرة على اصحابها. لان ببساطة؛ المتطبع على الكراهية ونبذ الآخر، لن يكون بوسعه إظهار مشاعر الحب والمودة بين ليلة وضحاها، او حتى بين ايام واشهر، فالقضية تكون بحاجة الى تجديد و"فرمتة" أن صح التعبير. وخلال فترة التريّث هذه، تكون البلاد والعباد في حالة مراوحة وخسارة لفرص التطور والنمو، الى جانب خسائر مادية فادحة.

كل هذا، يمثل أمنية جميلة تحتاج الى آلية للتطبيق العملي، وهو ما يشير اليه "علم النفس الايجابي" في إطلالاته الحديثة مقابل حقبة علم النفس التقليدي (السلبي) والذي يشير اليه الدكتور مصطفى حجازي بما يصفه بـ "إطلاق طاقات الحياة" والبحث عن طرق تنمية التفكير الايجابي في النفس الانسانية، ويتحدث في هذا السياق عن "العلاج المعرفي" القائم على محورية كبح المشاعر والعواطف الجيّاشة.

وبما ان الفكر هو الذي يحرك المشاعر والعواطف، كما يقود السلوك الانساني، فان الحاجة تزداد اكثر الى التفكير الايجابي في اواسط المجتمع، لاسيما في اوساط الشباب من ذوي القابلية السريعة الى الانفعال والانقياد في مناسبات عديدة، ربما ابرزها المشاركة في التجاذبات السياسية التي عادة ما يكونون – مع سائر فئات المجتمع- اطراف غير رئيسيين في اللعبة السياسية او عملية تقاسم الامتيازات والقدرات كما يجري حالياً في العراق.

ويحدثنا "حجازي" عن العلاج المعرفي لمواجهة مخاطر التفكير السلبي بانه "يتلخص في اكتشاف الافكار المغلوطة والافتراضات غير الواقعية المسببة للانفعالات وعلى رأسها الكآبة والقلق وروح الهزيمة، ومحاكمتها وتبيان لا واقعيتها او خطئها، وصولاً الى إحلال افكار ايجابية".

ولنا ان نتسائل عن كيفية اكتشاف هذه الافكار المغلوطة التي من شأنها نشر الكراهية والبغضاء؟، ان الحكومة ومؤسسات الدولة من جانب، والمؤسسات الدينية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني من جانب آخر، هي المسؤولة عن نشر الوعي والمعرفة بآفات التفكير السلبي وما يمكن ان ينتجه من مضار مدمرة، في مقدمتها نشر الكراهية في المجتمع، وتحولها الى شعار يحمله الجميع بحجة المشاركة في الحراك السياسي، وذلك من خلال تبيان آثار التفكير الايجابي أولاً؛ قبل الحديث عن مضار التفكير السلبي، وكيف أن مشاعر الحب والمودة، قادرة على خلق رؤية جديدة للحياة بشكل عام، بما فيها الواقع الموجود رغم تعاسته ومساؤه، والقدرة على تغييره او إصلاحه، بينما الكراهية تجعل الجميع في الشوارع على طول الخط، في حالة تظاهر واعتراض وغضب تحت شعارات لها طابع الحق والمشروعية، ويكونون في دوامة البحث الدائم عن الحقوق الضائعة.

 

اضف تعليق