عندما يتعرض بلد ما الى أزمة حادة، من أي نوع كانت، سياسية او اقتصادية او اجتماعية، فإن الحكومة هي المسؤول الأول عن التصدي بالدراسة والتفسير ووضع الحلول والمعالجات لهذه الأزمة من خلال اللجوء الى الخبراء وذوي الكفاءات وما شابه، وطالما أن الحكومة هي فريق العمل المتصدي لادارة شؤون البلاد وهو المعني رقم واحد في معالجة الازمات، وعمل الحكومة يكون ذا طابع جماعي، فلابد هنا من دور القائد الذي يقود وينظم عمل هذا الفريق.
وعندما ينجح الفريق الحكومي او سواه ممن يتدخل في وضع الحلول للأزمات، فإن النجاح يكتب للقائد اولا، ومن ثم الى الفريق الذي يعالج الأزمات، وحتما هناك فرق بين رجل الدولة ورجل الازمة، بهذا المعنى فإن قائد الفريق الحكومي ينبغي أن يكون رجل دولة، يكون قادرا على التصدي لجميع الازمات خاصة اننا من البلدان ذات الأزمات المزدوجة.
لذلك رجل الازمة قد يكون ذا رؤية واحد او تخصص واحد، أما رجل الدولة فهو صاحب رؤية استراتيجية بعيدة النظر، لذلك هناك أسئلة كثيرة تتوالد من بعضها في هذا مجال التوصيف الدقيق للقائد الحقيقي المتميز، وقبل الاجابة لنعرف أولا بماذا يتّصف هذا القائد؟، للاجابة عن ذلك إنه باختصار شديد ذلك الرجل الذي يضع في مقدمة حساباته وخياراته، مصلحة الدولة، لذلك فهو يؤمن بأن حاضره الفردي ومستقبله، يرتبط عضويا مع حاضر ومستقبل الدولة، فلا فرق بين مصلحة الدولة ومصالحه ونجاح الدولة هو نجاح له وبهذه الطريقة يكون هناك نوع من التوحد بين القائد والدولة تجعل منهما في نركب واحد.
على العكس من القائد الذي يبحث عن مصالحه اولا ومن ثم الدولة، وفي هذه الحالة سوف هناك صراع من القائد ضد دولته، وهو في هذه الحالة كمن يدمر كيانه ومستقبله وبنائه بيده، وأن أي خلل أو اعتلال يصيب الدولة، سينعكس عليه وعلى أبنائه وذويه والمقربين منه من دون أدنى شك، أما القائد الذي يتصدى للازمات بعيدا عن مصالحه فهو بحق قائد ناجح يتحرك في عموم أنشطته الفكرية والعملية، من مبدأ الحرص على الدولة وسلامتها، والحرص على حاضرها ومستقبلها، وبنائها وفقا لمعايير العصر في التقدم والارتقاء.
من هم القادة الناجحون؟
كذلك يعي القائد الناجح أن عمله وفق مبدأ الايثار ونكران الذات والدقة والذكاء سوف يحقق له حاضرا ومستقبلا سياسيا كبيرا، ولفريقه او من يكون معه، بالاضافة الى ثبات رؤيته التي تمتد الى الأزمان القادمة، حيث ستعيش الاجيال في دولة مرفهة مستقرة متطورة ومتوازنة، صنعها وأسهم في بنائها وتطورها، رجال دولة يستحقون الاحترام والتقدير والاستذكار الذي يشيد بأدوارهم الخلاقة، بصفتهم أسهموا في بناء دولة متحضّرة وشعب يستحق الحياة، وهؤلاء هم رجال سياسيون قادة يفضلون الدولة اولا وبناءها وبناء المجتمع على أنفسهم ومصالحهم، وهذه أهم السمات التي تميز هؤلاء القادة عن غيرهم.
هل هناك قادة فاشلون؟ الجواب نعم، فمن هم؟ وبماذا يمكن التعرف عليهم؟، لا شك أن الفارق بين القائد الناجح والفاشل يتمثل بمسافة بعيدة من الفوارق، منها على سبيل المثال أن القائد الناجح لا يعمل لنفسه مطلقا، انما يعمل من اجل تقدم ورفعة الدول ويعد هذا العمل له ولشعبه، على العكس من القادة الفاشلين، فهؤلاء يعملون لأنفسهم ويعتقدون أنهم ينون أمجادا ذاتية لهم، لكنهم في الحقيقة يعملون ضد أنفسهم كما اثبتت صفحات التاريخ.
لذلك فإن القادة الفاشلون هم الذين يصنعون الأزمات، ويعرقلون حلها، وكأنهم لا يستطيعون العيش إلا في ظل الازمات والتوترات المتواصلة، بمعنى يمكن توصيفهم كالسمكة التي تموت لو غادرت الماء، هكذا هم تماما، يموتون لو انه يعيشون في حياة بلا أزمات، لذا نلاحظ أن شخصية قائد الازمات معبأ بالافكار المتضاربة والمتناقضة، بل والمتصارعة ايضا، إنه عبارة عن كتلة تناقضات لا يمكن لها أن تتواءم أو تستقر أو تتفاهم مع الآخرين، أو تلتقي معهم في مسار واحد، لذلك غالبا ما يلجأ مثل هؤلاء الرجال الى صنع الازمات، لأنها الجو الوحيد الذي يلائم حركتهم ونشاطهم مع الآخرين.
أنانية السياسي المفرطة
لذا يمكن القول بصريح العبارة أن هؤلاء يمكن وصفهم بالمرضى الذين يعيشون على تعكير الاجواء بحيث ينطبق عليهم تماما التوصيف الذي يقول إنهم أولئك الذين يصطادون في المياه العكرة، وهكذا فإن صفاء الاجواء وسير الحياة بوتيرة متناغمة وجيدة لا يروق لهم، لأن سبل الفساد لن تتوافر لهم، في حين هم لا يعيشون إلا في اجواء الفساد واختلاق الازمات.
لذا ينبغي مساندة القائد الناجح والوقوف بالضد من الساسة الذين يعملون بأنانية مفرطة، فيصبح هؤلاء سببا في تعكير دائم لأجواء النقاء والعمل السليم، كما انهم يسهمون دائما بوضع العصي في دواليب التقدم الى أمام، فنجاح الدولة يعني فضح هؤلاء وكشفهم ومن ثم طردهم خارج عملية البناء، في أي مجال من مجالات الحياة، لذلك نلاحظ تمسك هؤلاء في بعضهم بقوة، بحيث يشكلون كتلة موّحدة تستميت من أجل صنع الازمات والمشاكل على نحو متواصل، في عموم مفاصل الدولة والمجتمع، سواء في السياسة او الاقتصاد او اي مجال حيوي يسهم في تطوير الدولة وتقدمها، حيث لا يروق لهم ذلك، كونه لا يخدم مصالحهم ذلت النزعة الفردية، فهؤلاء لا يعملون من اجل المجتمع ولا الدولة لذلك نجدهم فاشلين دائما.
وهكذا هم متميزون ومندفعون في صناعة المشكلات الكثيرة سياسية واقتصادية واعلامية وسواها، من اجل خلق الاجواء التي تغطي على انتهاكاتهم وتجاوزاتهم على حقوق الناس، كما يحدث الآن في حالة استشراء الفساد المالي والاداري بمفاصل الدولة مثلا، فمن يتعاطى عمليات الفساد هذه ليس فردا ولا مجموعة واحدة، إنهم أفراد ومجاميع تتكاتف فيما بينها، لتنشر الازمات والتوترات هنا وهناك، لكي يتاح لها تحقيق مآربها السيئة، في حين يبقى القائد الناجح في منأى عن مثل هذه الأعمال كونهم يعملون من اجل بناء الدولة اولا.
إذاً يحتاج بناء الدولة الى قادة ناجحون مع العمل على طرد الساسة الذين يصنعون المشكلات ويضعون المعوقات امام تقدم الدولة، ويمكن أن يتحقق هذا الهدف عندما نأتي بالكفاءات ونمنحها دورها الحقيقي في بناء البلد، كذلك عندما يتخذ رجال الدولة الخطوات الحقيقية التي تكفل القضاء على البطالة المقنّعة او الماثلة في الشارع، ورفع مؤهلات العاملين في مؤسسات الدولة، للحد من معرقلات بناء الدولة العراقية المعاصرة، نحتاج ايضا الى بؤر تفكير مشعّة ومنتجة، تنشر الافكار السليمة بين الجميع، فالعمل المادي وحده لا يكفي، لابد أن يكون هناك تآزر بين المعرفة والعمل الجاد، ومن ثم التخطيط العلمي والتطبيق الدقيق على الارض.
اضف تعليق