من الأقوال المهمة التي قالها أحد الخطباء في احد المجالس وهو يخاطب المستمعين له، أن الأنظمة السياسية عبر التاريخ، يغلب عليها الاستبداد، وأن الحكام في تاريخ البشرية، قلما نجد فيهم من هو عادل في إدارته للحكم، فغالبية الحكام يميلون الى الظلم والاستبداد، ويصابون بسحر السلطة، إلا ما ندر، حيث يندر وجود الحاكم العادل، فيما يتناسل الحكام الدكتاتوريون وكأنهم السمة الغالبة في العالم على مدى التاريخ السياسي الذي يمتد على آلاف السنين.
أما الحديث عن نهاية هؤلاء الحكام المستبدين، وحكوماتهم القمعية، فإن جميع التجارب التاريخية، قديما ومنظورا ومعاصرا، تتحدث عن نهايات متشابهة لهم، حيث ينتهي الحاكم بانتفاضة جماهيرية كبرى، تقضي عليه وعلى حكومته وترمي به في مزبلة التاريخ، ولكن الأمر الغريب أن أحدا من هؤلاء الحكام الدكتاتوريين لم يتعظ مما حدث للحكام السابقين، بل يزداد هؤلاء قمعا وحرمانا لشعوبهم.
إنهم يصرون على ممارسة القمع، بحجة أنهم عادلون، وأن المعارض لهم يتجاوز حدوده، ولكنهم في الحقيقة يصادرون حرية الناس في وضح النهار، بحجة حماية الأمن، او هيبة الدولة، او أنهم ينسبون المعارضين الى الأعداء والاستعمار وما شابه من تبريرات وحجج واهية لا أساس لها من الصحة، ولذلك فهؤلاء الحكام المستبدون، يحاصرون الصوت المعارض ويقصونه وأحيانا يقضون عليه بالقتل، او النفي، فضلا عن التعذيب والملاحقة، والمضايقات التي يقوم بها جلاوزة النظام.
في عصرنا الراهن، الآن، هناك حكومات إسلامية، تعلن أنها مسؤولة عن شؤون المسلمين، وتدّعي أنها تعمل على حماية حقوقهم، وهي تعطي لنفسها مثل هذا التفويض من دون أن يمنحها أحد هذا الحق، والأدهى من ذلك أنها لا تعترف بالرأي الذي يعارضها، بغض النظر عن الجهة المعارضة ومكانتها، فهذه الحكومات مثلا، لا تتورع عن محاربة المرجعيات الدينية، وتذهب الى محاصرتها ومضايقتها عبر أفعال تثير الاستغراب والاشمئزاز في الوقت نفسه.
حيث تقوم أجهزتها الأمنية بمضايقة وملاحقة ومحاصرة كل من يعارضها، ويصل الأمر الى حد الاستهداف الشخصي للمراجع، او للاشخاص المعارضين، وهذا دليل قاطع على قمعية هذه الأنظمة، الأمر الذي يثير كثيرا من التساؤلات، عن عدم استفادة الأنظمة الدكتاتورية من تجارب غيرها، او من الحكومات الدكتاتورية التي سبقتها واندثرت بسبب أفعالها وحماقة حكامها، لاسيما تلك التي يزن قادتها الأمور والمقامات كما يجب.
الفساد سلاح المستبد
النظام الدكتاتوري لا يبحث عن الكفاءات، ولا يرغب بالعقول المتميزة، ولا يهمه أمر الأذكياء، مثلما لا تهمه قضية بناء الدولة المتميزة، إن جل ما يطمح به الطغاة، سلسلة من الأهداف يقف على رأسها، حماية كرسي الحاكم، ويكون الولاء ليس للوطن او الشعب المحروم، بل يُحسَب الولاء على أساس مدى خدمة الفرد لنظام الحكم ولحكومة الحاكم الطاغية.
لا يعبأ هذا النظام بنوعية الناس، وعقولهم وكفاءاتهم، ولا يضع معايير وطنية او علمية وما شابه لتقريب هذا الشخص او ذاك، لأن المعيار الأول لديه، هو الولاء له والانضمام تحت خيمته، والوقوف الى جانبه حتى لو كان ظالما، ويُذكَر أن احد طغاة العصر الحديث، كان يتحدث عن الشرف كثيرا وعن الأخلاق، واعتبرها في أحاديثه أهم ميزة للانسان.
ولكنه كان يحاكم أفراد الشعب ويميزهم بعضهم عن بعض استنادا الى موقفهم من حكومته، هل هم مؤيدون أو معارضون له؟ هذا هو المعيار الذي يقيس به جودة الانسان وليس اخلاقه، على الرغم من ان هذا الحاكم يتحدث كثيرا عن الشرف والاخلاق، وفي احد نشاطاته المتلفزة، ظهر هذا الحاكم وهو يقرّب احد الاشخاص الفاسدين له، ويمنحه امتيازات كبيرة واهتماما أكبر مع انه معروف للجميع بفساده وفقدانه للاخلاق!!.
نخلص من هذا الكلام، الى أن الأنظمة الدكتاتورية تعتمد على الفساد والفاسدين والمفسدين في تعضيد سلطتها، وتقوية قبضة السلطة وتمسّكها بالعرش، فهناك عصابات فساد تعيث فسادا في مؤسسات البلاد ودوائره المختلفة، وقد يمتد ذلك الى مديات أوسع، فتصبح هذه العصابات عنصر قوة ضاربة بيد الأنظمة المستبدة، تستخدمها لتخويف الآخرين والمعارضين لها، وتعتمد عليها في تحقيق أهدافها غير المشروعة، ولذلك قال الفلاسفة والمفكرون سابقا، أن الفساد والطغيان صنوان.
بمعنى أينما حلّ الطغاة حلّ الفساد، لأن الحكام الظالمين لا يهمهم كفاءة المواطن كما سبق ذكره، وانما مدى ولائه للنظام، من هنا تزدهر ظاهرة التملق والمتملقين في هذه الانظمة ومؤسساتها، وتتم مطاردة المعارضين، وكلما تضخّمت ذات السلطة، كلما تجاوزت أكثر على من يعارضها في الرأي والتصوّر، حتى لو كانت المعارض جهة مهمة كالمرجعية مثلا، فالحاكم المتضخم الذات النرجسي المتجبّر تغطي عينه وقلبه غشاوة السلطة، فلم يعد يرى احدا غير نفسه وعرشه وكيف يحميه من السقوط، أما وسائل الحماية ومبدئية هذه الوسائل ومدى شرعيتها، فهذه ليست مشكلة بالنسبة لهذا الحاكم، لأن مشكلته الأساسية كيف يحمي سلطته حتى لو كان الحماة من الفاسدين والمفسدين.
السقوط المدوّي
بالنتيجة الى أين يصل الطاغية؟، وقبل ذلك لماذا لا يستطيع الحاكم الظالم تقدير الأمور كما هي وبالصورة الصحيحة، وكيف يمكن أن يتجرأ على محاربة المرجعية؟ أو الشعب برمته؟، أليس هذا جهل من الحاكم، أليس هو نوع من الغباء، ألم يطّلع هؤلاء الطغاة الجدد على ما حدث للطغاة السابقين، لماذا يتم اعتماد نظام حكم قسري ظالم من هؤلاء الحكام؟ ولماذا يتم الاعتماد على أجهزة أمنية مختلفة، متضخمة، متجبرة يحكمها الفساد؟؟.
أسئلة كثيرة توضع أمام الحكام وحكوماتهم المستبدة، وعليهم الإجابة عنها لمصلحتهم هم قبل غيرهم، يجب أن يعي هؤلاء الحكام هذه المسألة، ولابد أن يجيبوا عن هذه الأسئلة حتى لو تم الأمر بصورة منفردة، أي بينهم وبين أنفسهم، لأنهم بالنتيجة، ليس أمامهم سوى أن يجبوا عنها، وعلى السؤال الأهم، لماذا يقصون الآخرين، ولماذا لا يحترمون الشعب، ولماذا لا يهتمون بالصوت والرأي الآخر الذي يرى غير ما يرون؟؟.
هذه الأسئلة عندما توضع أمام الحاكم المستبد وحكومته القمعية، ينبغي أن تتم الإجابة عنها بإخلاص، لأنها قد تنقذ هؤلاء من الظلام الذي يحيط بهم، ونعني به ظلام الظلم الذي يتم إلحاقه بالشعب وبالمعارضة، ونعني هنا بالمعارضة كل الأصوات والآراء التي لا تتفق مع الحكومة، وهذا حق مكفول لها، الله سبحانه وتعالى كفل هذا الحق، والاسلام كفله أيضا.
ولعل الأشد غرابة من أفعال مثل هذه الحكومات وحكامها الطغاة، أنهم يناصبون المرجعية العداء؟؟!!!، كيف ولماذا؟؟، ألا يعرف هؤلاء المستبدون أن وراء المرجعية ملايين من البشر المؤمنين؟ لماذا لا يبحث الحكام عن حلول أفضل من القمع والتجاوز والملاحقة والإقصاء؟، لماذا لا يتحاورون ويصلون الى الحلول التي تحافظ على حقوق جميع الأطراف، أليس الحكم هو عقد ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فلماذا التجاوز على بنود او مضمون هذا العقد، ولماذا لا يلتزم الحاكم في الغالب به؟.
خلاصة القول ليس أمام الدكتاتوريات الحالية خيارات افضل من سابقاتها، وليس امام الحكام الظالمين فرصا أفضل ممن اندثر قبلهم تحت تراب التاريخ، وصار حكاية ودرسا للآخرين، فالنهاية المدوّية واحدة، والسقوط المدوّي للطغاة متشابه، ولذلك هناك فرصة لمن لا يزال منهم على رأس الحكومات، وبإمكانهم إعادة قراءة التاريخ والاحداث، والخروج بنتيجة تنتشل هؤلاء من المصير الحتمي الذي يتربص بهم، اذا لم يغيروا طريقتهم في حكم الشعوب والتعامل مع المعارضة.
اضف تعليق