انتشال المجتمع من الشلل الفكري

قراءة في كتاب الإمام الحسين (ع) تحرير العقول وهداية القلوب

في البدء كانت كلمة الحسين وفي المنتهى تبقى كلمته لأنها كلمة الحق وتجسيد الحقيقة والانكشاف المطلق للواقع، فكلمته عليه السلام النور الذي يبدد ظلامية التضليل والزيف، لينير درب الباحثين عن الحقيقة. ومن لا يركب سفينة الحسين فانه سيغرق حتما في ظلمات العدم...

جاء استهلال هذا الكتاب جملة في غاية الأهمية حيث يقول مؤلّف هذا الكتاب، الشيخ مرتضى معاش: إن النهضة الحسينية هي (ثورة في التفكير لتحريك المجتمع الجامد او الراكد وإخراجه من حالة الشلل الفكري وانتشاله من العجز.

وتعني هذه الجملة بأن المجتمع كان يعيش حالة استسلام خطيرة، وكان مسلّما بالأمر الواقع، وخاضعا خانعا للطاغية، يأتمرُ بأمره ولا يناقش ولا يعترض ولا يطرح رأيه أو أفكاره، ولا يتقدم خطوة باتجاه الرفض، وهذا يعني أن حالة الاستسلام قد هيمنت عليه تمما مما يتوجب التحرك الناهض القوي لانتشاله من هذه الحالة و(استنقاذه من الضلالة).

ومن الملاحَظ أن هذا الكتاب يبدأ بالآية القرآنية الكريمة: (ومن يعظم شعائر الله فذلك من تقوى القلوب) سورة الحج 32، وهذه دلالة على أهمية الشعائر في حياة المسلمين عامة والشيعة على وجه الخصوص، كما أن هناك دور كبير لهذه الشعائر كما يشير المؤلّف الشيخ مرتضى معاش إلى ذلك، بعد أن يورد قولا للإمام علي بن موسى الرضا جاء فيه:

(إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام).

من الواضح أن الغاية من هذا الكتاب، توضيح الجوانب التي قد تكون خفية على بعض المسلمين وغير المسلمين، ومن هذه الأمور ما نتلمّسه في المقدمة التي كتبها المؤلّف مقدِّمًا لكتابه هذا حيث يقول:

(في البدء كانت كلمة الحسين وفي المنتهى تبقى كلمته لأنها كلمة الحق وتجسيد الحقيقة والانكشاف المطلق للواقع، فكلمته عليه السلام النور الذي يبدد ظلامية التضليل والزيف، لينير درب الباحثين عن الحقيقة. ومن لا يركب سفينة الحسين فانه سيغرق حتما في ظلمات العدم).

بعد ذلك ندخل في عمق متن الكتاب الذي يتألف من عدة فصول، وهذه تحتوي في مجملها على عناوين مهمة ومتميزة كلها تصب في الغاية من النهضة الحسينية، والكفية التي يتم فيها استثمار هذه النهضة لكي يتم انتشال المجتمع من حالة اليأس التي كانت تخيّم عليه.

ويؤكد الشيخ مرتضى معاش أن نهضة الإمام الحسين وثورته على الطاغوت المتجبّر آنذاك لا تتوقف عند رموز ذلك العصر وإنما يتعداه إلى أنظمة الفساد في مكان وزمان ماضيا وحاضرا ومستقبلا، حيث يمثل الفكر الحسيني تهديدا مباشرا وأبديا للطغاة أينما كانوا.

في الفصل الأول الذي يحمل عنوان (نهضة الحرية) نطّلع على عدة مواضيع وهي كما يلي:

الثورة الفكرية في النهضة الحسينية

وهذه الثورة كما ذكرنا سابقا هي ثورة تحريك لحالة الجمود التي أصابت المجتمع، كما أنها تخص كافة المجتمعات حاضرا ومستقبلا التي تعاني من أنظمة الاستبداد والفساد، فالفكر الحسيني لهم بالمرصاد حيث يرى المؤلف الشيخ مرتضى معاش بأن النهضة الحسينية هي ثورة في التفكير لتحريك المجتمع الجامد، مع التركيز على أهمية (نسف ثقافة السيف والعنف والاستبداد) ونشر ثقافة العفو واللين والتكافل، وترصين حالة الاستقرار وحماية الحقوق والحريات لاسيما حرية الرأي التي تهدد عروش الطغاة والمستبدين.

ثم يركز المؤلف على مظاهر وعلامات تنتشر في المجتمعات الراكدة ومنها هذه المظاهر: العبودية للطاغوت، الفوضى واللامبالاة، وعدم الالتزام والانضباط، وعدم احترام المجتمع.

وتوجد علامات ومؤشرات أخرى منها: الانغماس المادي، التفكير الانعزالي، التفكير العدمي، التفكير الجبري، وعدم التحلي بإرادة الاختيار، والخضوع المطلق للمجتمع والحاكم.

هذه المؤشرات دلالة قاطعة على استسلام المجتمعات للطغاة والمستبدين، وهذا يستدعي التحرك وفق ممكنات النهضة الحسينية، والتشبث الجاد بالفكر الحسيني ومبادئ النهضة الحسينية، وهذا يستوجب المعرفة التامة والفهم الراسخ لهذه النهضة والتشبّع بالفكر الحسيني الوقّاد، حيث يتضمن الفصل الاول ايضا موضوعات في غاية الأهمية هي:

مسؤولية التبليغ في قضية الامام الحسين (ع)

حيث يرى مؤلّف هذا الكتاب بأن عاشوراء هي استمرار للرسالة الاسلامية والولاية، فكل ما يرتبط بالإسلام، كان منتهيا لولا الامام الحسين عليه السلام، والابلاغ يعني الايصال الفاعل والمثمر والصحيح والعميق لمبادئ هذه النهضة الحسينية التي تأخذ بالناس نحو الحرية والدين الصحيح والعقائد السليم.

فيقول الشيخ مرتضى معاش في كتابه هذا، يجب التعويل الكبير على (الدين والحرية في النهضة الحسينية) ويؤكد المؤلّف على ان النهضة الحسينية حررت الإنسان من أية قيود جبرية...وفتحت له آفاق الحرية والاختيار، فيكون الإنسان حرا مختارا وليس مكرها أو مجبرا، لنصل إلى موضوع يحتاجه الناس كثيرا لكي يتحولوا من حالة الجمود إلى الحركة الفعالة، ويناقش بأسلوب مبسّط وشيّق قضية الحرية من أجل الحياة، فقد واجه الإمام الحسين الظلم ورفض الخنوع والاستسلام عبر الجملة العظيمة التي خلدها الزمن إلى يوم يبعثون وهي الجملة التي أطلقها الإمام عليه السلام في وجه الطغاة (هيهات منّا الذلة).

وبسبب هذا الموقف الثوري الخالد كما يقول الشيخ مرتضى معاش في كتابه القيّم هذا، قدم الإمام الحسين عليه السلام أعظم تضحية من أجل أن يكون الإنسان حرا.... حتى لو كان الثمن حياته وهي أغلى ما يملك، وحتى يكون المجتمع قويا معافى، حقوقه محمية، وحرياته مكفولة، وتبقى الأنظمة المستبدة عاجزة عن إخضاعه طالما كان متمسكا بالنهضة الحسينية وسائرا في مسار الفكر الحسيني الثائر.

ويطرح هذا الكتاب موضوعا في غاية الأهمية، وهو يتعلق بالكرامة الإنسانية، فما قيمة الإنسان إذا ما أهدرت كرامته، وأهين في حياته ومماته، واستسلم للطغاة خوفا أو مصلحة أو طمعا، في كل الأحوال مهما كانت الأسباب ليس هناك ما يبرر هدر الإنسان لكرامته، بل مطلوب منه الحفاظ عليها بكل السبل والوسائل والإمكانات المتاحة.

فنقرأ عنوانا عميقا وشاملا وهو (دور النهضة الحسينية في حماية الكرامة الإنسانية) حيث يرى المؤلف بأن الإمام الحسين عليه السلام سعى بكل يمتلك، إلى حماية كرامة الإنسان من انتهاك السلطات الظالمة الفاسدة، وشحذ الهمم وألهم الثوار ليس في وجوده الفعلي بل حتى وقت قريب كان المسلمون وغير المسلمين يأخذون العبَر من نهضة الحسين عليه السلام.

سبل مواجهة الاستعباد

ثم ينتهي الفصل الأول عند موضوع: حركة النهضة الحسينية في مواجهة الاستعباد، وفي هذا الفصل يوضح المؤلف تحريك النهضة الحسينية للنفوس والعقول لكي تكون مستعدة لمواجهة أنواع الاستعباد كافة من دون تردد أو مساومة.

لندخل في مضمار آخر وهو المضمار الأخلاقي لثورة عاشوراء كما نقرأ في الفصل الثاني الذي حمل عنوان: أخلاق عاشوراء، وهي قائمة على التمسك بالحق ورفض الظلم، والاستعداد للمواجهة في سبيل الحرية والكرامة وهذه من قيم النهضة الحسينية التي لا يتنازل عنها المؤمنون بالفكر الحسيني.

ويضم هذا الفصل مواضيع في غاية الأهمية منها (الشجاعة في نهضة الامام الحسين عليه السلام)، وكذلك عنوان آخر في غاية الأهمية وهو: كيف يؤثر مفهوم التضحية الحسينية على تحسين حياتنا.

لنصل إلى الشباب الحسيني ودورهم في معاضدة المجتمع وتحريكه عبر النهضة الحسينية وحمل لوائها، فهناك تأثير هائل للنهضة الحسينية يطرحه المؤلف الشيخ مرتضى معاش في كتابه تحت عنوان: كيف تؤثر قيم النهضة الحسينية في بناء الشباب.

أما الصبر كقيمة يحتاجها الفرد والمجتمع، فهي سلوك عظيم يرتفع بقيمة وشأن الإنسان، ويجعل فوزه مضمونا في آخر المطاف، حيث يطرح المؤلف عنوان: عاشوراء يوم الصبر العظيم، وأي يوم أعظم من ذلك اليوم الذي يواجه في الإمام الحسين عليه السلام معسكر الجبابرة، ويثور عليهم لتبدأ انطلاقة الشعلة الحسينية في ذلك اليوم (العاشر من محرم) وتمضي عبر التاريخ ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ثورة أبدية ضد الانحراف بأشكاله كافة.

ثم نقرأ في الفصل الثالث المخصص إلى أبي الفضل العباس والسيدة زينب عليهما السلام وعناوين مهمة منها: (العباس عليه السلام ومعنى الحياة بالبصيرة) ويطرح نموذج التضحية الذي يقدمه كدرس للإنسان حتى يكون وفيا متمسكا بهذه القيمة العظيمة. 

ثم عنوان آخر وهو: السيدة زينب عليها السلام أسوة الصبر الجميل. وهي تقدم الدرس الإيثاري العظيم، وهي جبل الصبر الذي سدّ فراغ رحيل الأب والأخ والزوج، لحماية النساء والأطفال في رحالة السبي الظالمة. وقامت بالدور القيادي بعد استشهاد الحسين عليه السلام وأصحابه وبداية مأساة السبيّ إلى الكوفة والشام، فكانت الراعية والقائدة وصوت الحق الذي هز وقض مضاجع المجرمين وجعلهم يتخبطون حائرين مهزومين في عقر ديارهم.

وأخيرا الفصل الرابع وهو يحمل عنوان زيارة الأربعين، وهو الموضوع الذي يهدف إلى استثمار زيارة الأربعين في تطوير حياة المسلمين وعامة البشر.. ويتضمن المحاور التالية:

- زيارة الأربعين وآفاق تحقيق النهضة الشاملة

- زيارة الاربعين والفرص الكامنة في التغيير والاصلاح

- الابعاد الاجتماعية في زيارة الاربعين

- البعد السياسي في زيارة الاربعين

- الاستثمار الاعلامي في زيارة الاربعين

وكل هذه المحاور يتم معالجتها من قبل المؤلف الشيخ مرتضى معاش في لغة سلسة واضحة عميقة ومفهومة في آن واحد، تحتوي على عناصر البساطة والوضوح والتشويق، لتقدم للقارئ كتابا حسينيا مؤثرا وفاعلا ومكتظا بالمعاني والقيم والأفكار الحسنية الخالدة.

اضف تعليق