مع اشتداد الغموض، والضبابية الكثيفة التي تلف حاضر ومستقبل العراقيين، وتزداد الحاجة للمثقف الرائد أو النموذج، لهذا يبحث العراقيون في الغالب عن الفرصة التي يعثرون فيها على (سنّارة) الإنقاذ، كي يمسكوا بها، ويخرجوا من حالة الغرق في الفوضى، ومن ثم يواصلون العبور إلى جرف الوضوح والاستقرار، ولكن...
مع اشتداد الغموض، والضبابية الكثيفة التي تلف حاضر ومستقبل العراقيين، وتزداد الحاجة للمثقف الرائد أو النموذج، لهذا يبحث العراقيون في الغالب عن الفرصة التي يعثرون فيها على (سنّارة) الإنقاذ، كي يمسكوا بها، ويخرجوا من حالة الغرق في الفوضى.
ومن ثم يواصلون العبور إلى جرف الوضوح والاستقرار، ولكن هذا الهدف من المحال أن يتحقق ما لم يتم التخطيط له بروّية وحكمة مقرونة بالتطبيق العلمي العملي الرصين، حتى تكون النتيجة هي وضوح المستقبل، وانتعاش الحاضر.
لذلك يتطلع العراقيون إلى النموذج الموثوق الذي يدلّهم على السبل الصحيحة، ويبحثون على مدار اليوم عن الشخص المعلم، أو المنظمة النموذجية، أو المؤسسة الإيثارية، لكي يجدوا في هذه المسميات نموذجا يساعدهم على اكتشاف المسالك الصحيحة التي تقودهم إلى آمالهم وأحلامهم وأهدافهم البسيطة والمشروعة، ليصبحوا مثل الأمم والشعوب المستقرة.
نادرا ما نجد شابا عراقيا لم يتطلع إلى الفرصة التي تجعل منه إنسانا ناجحا يصل إلى المكان المنتِج الصحيح، ونحن نقرأ هذه الرغبة الواضحة في وجوه جميع الشباب العراقيين، ليس المثقفين وحدهم، ولا المتعلمين العارفين المطلعين ثقافيا وفكريا وحياتيا، بل حتى الشباب البسطاء تقرأ في عيونهم المتلهّفة هذه الرغبة في العثور على الفرصة التي ترفعهم من حضيض (البطالة) إلى قمة (تحقيق الذات).
المثقف الواعي لمسؤولياته
هذه القضايا والأهداف تحتاج إلى نموذج يجسدها ويدل الشباب وغيرهم عليها، ولابد أن يتصدر ذلك النموذج المثقف الواعي لمسؤوليته اليوم، فالناس جميعا في العراق يعيشون إرهاصات التحول الهائل والصادم في حياتهم التي تواجه سيول التغيير الجارفة.
إنهم واجهوا على حين غرة التطور التكنولوجي المفاجئ والكبير، وانفتحت لهم أبواب العالم، وثقافات المجتمعات كلها، وأصبحت أمامهم عوالم من الصعب تصديق ما يحدث فيها، كما أن الهجمة الصناعية المادية المتلاحقة لم تعط للعراقيين فرصة للتأمل والفرز بين الصالح والطالح، فاختلطت عليهم الأمور، وضاعت الحدود بين المادي الضار والمعنوي المفيد.
كما أن حالة الفوضى لم تقتصر على خلط الأوراق الفكرية والثقافية، بل هناك تحرك خبيث ومتواصل لجعل الواقع المادي شديد الشراهة والتلاعب بالغرائز المنفلتة، لقد امتلأت الأسواق العراقية عن بكرة أبيها بالسلع المادية التي يسيل لها لعاب الغريزة عند الإنسان غير المحصّن، وهنا تبرز بقوة مسؤولية المثقف الرائد لكي يقدم النموذج المطلوب.
لقد امتلأت أسواقنا بالسلع المادية العجيبة الغريبة، ومعظمها كمالية كالسيارات الفارهة التي بلغ أسعار بعضها (50 شدّة، خمسون ألف دولار أمريكي)، ولم يتوقف الأمر عند السيارات، والماركات المسجلة للملابس ووسائل النقل المختلفة والأطعمة والأغذية المعلبة وأشياء مصنعة ما أنزل الله بها من سلطان.
الشباب بين الضغوط المادية والفكرية
هذه الهجمة المادية أفقدت العراقيين رشدهم، ولم يعد أحدهم قادرا على الفرز بين الجيد والرديء وتداخلت الأشياء أمام أبصارهم وبصائرهم، ولهذا أصبحوا بحاجة ماسة لمن يرشدهم ويدلهم على الصواب قبل سواه، ومن الذي يتصدى لهذه المهمة غير الإنسان المثقف؟، أليس هذه مهمة الناس الواعين العارفين المتنورين؟
ثم هؤلاء الشباب ألا يستحقون الوقوف معهم وإرشادهم على السبل التي تحقق لهم بعض أهدافهم ومشاريعهم، وصولا إلى الحياة الكريمة التي يستحقونها، هل النموذج الثقافي الواعي موجود في واقع العراقيين، وإذا كنا نراه هنا أو هناك، يوجد سؤال آخر لابد من طرحه وهو، هل هؤلاء المثقفون يقومون بدورهم الإرشادي للناس عموما وللشباب على وجه الخصوص؟
هذه الأسئلة لابد من الإجابة عنها، كي لا تبقى الأمور ملتبسة، وحتى لا تزداد حالة الغموض والتيه التي يعيشها شباب يمكن أن نجدهم في الواقع العراقي بسهولة، معظم الكسبة الشباب لديهم هذا التطلع، لهذا نجد كثيرا من حملة الشهادات الجامعية وربما العليا هم كسبة يعملون في ظروف صعبة، مما تصبح حاجتهم للنموذج كبيرة جدا.
المثقف الرائد المسؤول الذي يتحلى بشخصية واثقة كريمة متفاعلة متوازنة، هو ما يحتاجه العراقيون اليوم لاسيما الشباب كونهم في أول الطريق، لذلك فإن الشباب الكسبة يستحقون المساندة، بل وعموم الشباب والمراحل العمرية الأخرى، وهذه بالضبط مسؤولية المثقف المخضرم، وصاحب التجربة الكبيرة والخبرات المتراكمة.
أسئلة كثيرة يتم توجيهها للنموذج الثقافي الذي من المهم أن يتصدى لدوره المعروف بين العراقيين، فلا فائدة من ثقافة لا تساعد الشباب، ولا خير بمثقف أناني يحتفظ بثقافته ووعيه لنفسه، ولا يقدم شيئا من خبراته وتجاربه للآخرين.
اضف تعليق