يتساءل كثيرون، لاسيما في مجتمعاتنا المتأخرة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، عن ماهية الثقافة، وهل هي شيء جمالي، وهل هي من حق النخبة فقط، أم أن الانسان عموما له حق التثقّف، ومن هي الجهة التي تتحمل مسؤولية توصيل هذا الحق الى الناس كافة؟؟، أسئلة كثيرة يتم طرحها على الطاولة، ولكن في حقيقة الامر تبقى هذه الأسئلة مفتقرة للتطبيق في الواقع.
ويرفض كثير ممن لهم علاقة عملية مع الثقافة، حصرها في هدف واحد، أو جعلها حكرا على طبقة او شريحة دون سواها!، وكما ذكرنا فيما مضى ربما يتصور بعضهم، أن الثقافة شيء نخبوي جمالي، يتعلق بشريحة معينة من الناس، او بالطبقة الارستقراطية التي تنظر للثقافة وكأنها أمر كمالي، لابد منه لكي تكتمل الصورة الظاهرية للإنسان، وكأن الثقافة تنحصر في الشكل فقط، بينما هي نمط حياتي شامل.
كذلك هناك أدلة كثيرة يطرحها الواقع تؤكد على أن الجميع، من دون استثناء، هم بحاجة للثقافة، بل الثقافة هي حق من حقوق الانسان، لا يصح حرمانه منه، مهما كانت الاسباب او التبريرات، لسبب بسيط، يتعلق باكتمال شخصية الانسان، وهذا يعني، إذا حُرم الانسان من الثقافة لأي سبب كان، فإنه سوف يتعرض لنقص في المعرفة، وهذا بدوره يتسبب في خلل في الفكر وطبيعة السلوك، لأن الثقافة هي مصدر رؤية الانسان البعيدة والسليمة، فمن دون ثقافة جيدة لا يمكن أن نضمن رأيا أو رؤية سليمة للإنسان لما يدور في مجتمعه.
عامل مساعد لمعالجة المصاعب
معروف عن حياة الانسان في الدول المتأخرة، او حتى تلك التي توصف بأنها في طور النمو (الدول النامية)، بأنها حياة تتخللها مصاعب كثيرة، منها سياسية واخرى اجتماعية وكذلك ثقافية ايضا، والواقع ان السبب يعود الى القصور في الجانب الثقافي للإنسان، وقد يُطرح تساؤل في هذا الصدد، مفاده، هل الثقافة عامل مساعد على طرح البدائل والمعالجات، للمصاعب التي تواجه الفرد والمجتمع؟، وهل لها القدرة على معالجة الإشكالات الاخلاقية والتربوية وما شابه؟.
إن الجواب ينبغي يكون وافيا، ومن الأفضل أن يكون مصدر هذا الجواب جهة او شخصية متخصصة، لأن الثقافة تساعد الانسان على انفتاح الآفاق واتساعها، وهي التي تضخ الافكار الى العقل، محملة بمنظومة قيم ومسارات تكتنز بمحمولات اخلاقية ذات بعد انساني متطور، ينطوي على سمات التعاون المتعارف عليها، ومنها التعايش والاحترام وقبول الاخر وتقدير الرأي والتكافل والتسامح وما شابه، فهذه القيم كلها نتيجة حتمية للثقافة، وكلها تسهم في تحسين نوع حياة الانسان لاسيما في التفاصيل الصغيرة التي قد تختلف من مجتمع الى آخر.
لذلك ليس صحيحا أن يضعف أو يتراجع دور الثقافة، لاسيما في الأوساط الشعبية، وهذا يدحض الفكرة التي تقصر الثقافة على الجمال، او الترف، او الجانب الكمالي، فعندما تختفي الثقافة وتُحجَب عن الانسان لأي سبب كان، فإنه سوف يتعرض للجهل، ومن ثم قلة الوعي، وهذا بدوره يقوده الى الضعف والعشوائية في معالجة المصاعب والمشكلات التي تعترض سبيله، فضلا عن ضعف فاعلية العقل والدور العملي للفرد.
وفي المحصّلة سوف تستجد حزمة من التعقيدات التي تواجه الانسان في معظم تفاصيل حياته، فضلا عن عجزه في الحصول على حقوقه السياسية، او محافظته على الحقوق المدنية كما هو الحال لدى المجتمعات المثقفة او المتمدنة، وعندما يتساءل بعضهم هل هناك ربط بين الثقافة والمدني؟، وتطوير فاعلية الانسان والمجتمع، فإن الجواب الدقيق سوف يكون بالإيجاب، لأن التثقيف يسهم بصورة حاسمة في مضاعفة مشاركة الفرد في تغيير أوضاع الجماعة الى حال أكثر انسجاما مع قيمة الانسان ومكانته.
الثقافة حق أساسي للمجتمع
في تاريخ الطغاة والدول التي غابت عنها الحرية، في أمريكا اللاتينية مثلا، أو غيرها من دول العالم، تأكّد للجميع أن الثقافة هي العدو الأول لأولئك للحكام، حيث تعمل الانظمة السياسية الدكتاتورية، على حرمان شعوبها من الثقافة، حتى تسهل قيادتها وفق مصالح النظام السياسي، وحماية عرشه من السقوط، على الرغم من ادارته للدولة بطريقة، تحرم الناس من ثرواتهم، وحقوقهم السياسة، مثل الانتخابات واختيار الحكومة وما شابه.
لذلك ليس صحيحا إهمال دور الثقافة، لاسيما أنها حق للجميع، لا يصح اهماله، أو تجاوزه، كونه السبيل الاقصر والاسرع لنشر الوعي بين صفوف عامة الناس، حتى تعرف حقوقها، وتحافظ عليها، من خلال مطالبة النظام السياسي بتحقيقها، عبر وسائل ضغط كثيرة، تتصدى لها جماعات الضغط، ممثلة بالمنظمات والمؤسسات المعنية بالثقافة ومضاعفة الوعي.
كذلك قد يظن بعض المفكرين والمثقفين من باب الخطأ أو الوهم، أن الثقافة حكرا عليهم، وهو تصوّر غير صحيح بطبيعة الحال، لأن دور المثقف أساسا، هو نشر الثقافة بكل السبل المتاحة له، بين عموم طبقات وشرائح ومكونات المجتمع، بغض النظر عن التسميات والعناوين، فإذا كانت هذه هي مهمة المثقف، إذن لا يصح أن يدّعي بعض المثقفين، بأن الثقافة لا تخص الجميع، أو أنها أمر كمالي جمالي، لا يشمل عامة الناس! كما نقرأ ذلك في بعض افكار أصحاب الرسالة الجمالية للثقافة والأدب!.
على أننا بالإمكان أن نلاحظ بوضوح تلك العلاقة الوثيقة بين الثقافة والجانب المعرفي للفرد والمجتمع، لهذا اصبحت الثقافة حق اساسي من حقوق المجتمع، وهو بدوره حق اساسي من حقوق الانسان، يشمل التعليم، وتشكيل الوعي السليم، للتعامل مع الايجابيات والسلبيات بصورة عامة، حتى يتمكن الانسان من خلق البيئة الحياتية التي تناسبه وتضاعف من وعيه.
علما أن هناك مؤسسات وجهات وشخصيات تشترك في هذا تحقيق الهدف الذي يجعل من الثقافة متاحة للجميع، منها على سبيل المثال، المدارس والجامعات وأماكن الدراسة كافة كالمكتبات العامة، ولابد من اقامة الدورات التثقيفية التي يتم تقديمها بطريقة منظمة ومخطط لها، بالاضافة الى الندوات المدروسة، والمهرجانات، والمؤتمرات ذات الجدوى المدروسة والمخطط لها، بصورة مهنية دقيقة تمتلك درجة النجاح مسبقا.
اضف تعليق