من بين التعابير السجالية الأكثر تملصا في أواخر القرن العشرين وبواكير القرن الواحد والعشرين، يمكن ان يشكل التصحيح السياسي او الصواب السياسي أو الصائب سياسيا، إهانة، او تهمة، او نكتة، او عنوان جهد من اجل تغيير المجتمع. ولا سيما طرقه في تناول علاقات السلطة في العرق والاثنية والجنس والطبقة والجنسية، عن طريق اصلاح ثقافي غالبا ما يكون على نطاق صغير ولكنه يمتد متوسعا.
الصواب السياسي أو الصائب سياسيا: اللياقة الأدبية، اللياقة السياسية، الكياسة السياسية، أو اللباقة الاجتماعية، هي نوع من التسمية تعّبر عن اللباقة اللفظية والكياسة بجميع أنواعها، وإجمالاً حسن اختيار المصطلح المؤدب والعبارة البليغة التي لا تثير الفرقة والنزاع وتحاشي جرح شعور الآخرين، خصوصا عند الإشارة إلى فئات عرقية أو ثقافية أو دينية.
كما تستخدم في عدم الإشارة إلى جنس المخاطب حتى لا تتسبب في التمييز بين الجنسين، وعدم الإشارة إلى المرأة بلفظة السيدة أو الآنسة مساواة لها بالرجل الذي يشار إليه دائماً بالسيد بغض النظر عن حالته الاجتماعية، و"ذوو الاحتياجات الخاصة" بدل المعاقين و"المكفوفون" بدل العميان. كما تتجنب العبارات التي قد تعتبر مهينة لدى عرق معين سواء كانت شائعة في الحياة العامة أم لا.
قاموس أمريكان هيريتدج (2005)، يعرف العبارة أنها:
(ترتبط أو تساهم أو تساعد في إحداث تغيير اجتماعي وسياسي وتربوي وذلك من أجل تصحيح الحيف التاريخي الذي لحق بعض الجماعات بسبب انتماءاتها العرقية أو توجهاتها السياسية أو انتمائها الطبقي أو ميولاتها الجنسية وما تعرضت له المرأة من حيف عبر التاريخ).
كما يعطي القاموس تعريفا للمصطلح للإشارة إلى الشخص الذي يبالغ في الالتزام بهذا التغيير ويصب كل طاقاته عليه دون غيره من الأمور الهامة الأخرى.
ويعرف قاموس لوغران روبير (2006) هذه العبارة أنها:
(خطاب أو سلوك يمحي/تغض الطرف عن التعابير التي من شأنها أن تجني/تظلم/تقلل من شأن أقلية عرقية ما وتعكس في الوقت ذاته أخلاقيات المجتمع العامة وتنشأ عنها (مجموعة من العبارات الملطفة والمحرمات).
والتصحيح السياسي هو في الدرجة الأولى مصطلح سلبي من مثُل الاخرين وافعالهم. ومن حيث هو يدل على محاولة في محاربة التمييز الاجتماعي بتغيير الكلام اليومي والسلوك، وفرض هذا التغيير من خلال الضغط العام على الافراد، وكذلك فرض القيود القانونية والمؤسساتية الأخرى لتنظيم السلوك الجماعي، فهو يعني ان هذه الإجراءات ضيقة الأفق، وصارمة، ولا مزاح فيها، ومتشددة، بل حتى شمولية من حيث الدافع.
مفهومه اليوم بات يختلف اختلافاً بيناً، إذ أصبح يشير إلى: أي عمل أو قول يصدران عن شخص يراعي فيهما مسايرة الرأي العام حول قضية من القضايا، والمقصود بالعبارة في الخطاب العام هو مراعاة جميع شرائح المجتمع، حتى إن تطلب هذا قول ما لا يعتقد به المرء.
اذاً فالتصحيح سياسياً هو حكم يتنكر بقناع وصف، ويصرف الانتباه عن جوهر الإصلاحات المقصودة وقيمتها، يعبر عن موقف اقصائي من أولئك الذين يدافعون عن التغيير. وقد يدعي هؤلاء بدورهم هذه العبارة كنوع من الوصف الذاتي الساخر.
اذا استخدم (التصحيح السياسي) كصفة، فانه غالبا ما يُستمدّ من (النظريانية) التي رأى رايموند وليامز انها (تستعمل في سياق سياسي للإشارة الى جماعة او شخص او موقف يمكن ان يُنظر اليه باعتباره يقوم على مجموعة معينة من الأفكار. مضمونها ان الأفعال او المواقف السياسية التي تتخذ بهذا الشكل غير مرغوبة او عبثية).
تم استخدام المصطلح في الأصل من قبل الشيوعيين الرواد أو الحرس القديم بمعنى الالتزام أو التقيد بالخط السياسي للحزب في ثقافة المرء وسلوكه ولغته. إلا أن نشطاء حقوقيين وكتاباً في السبعينات من القرن الماضي أخذوا باستخدام هذا المصطلح على نحو تهكمي للسخرية من الالتزام العقائدي الدوغمائي لليساريين بالمسلك واللغة (التقدميين). ثم انهال عليه المحافظون الجدد في الثمانينات في معرض انتقادهم لمناهج التعليم المغرقة في التعددية الثقافية في الجامعات الأمريكية.
يفترض المصطلح الاحدث معنى يتسع بقدر كبير، او يمكن للمرء القول انه ينتشر بقدر اكبر في السياسة. فبمجيئه مع صحوة النسوية والنزعة المضادة للعنصرية والحركات الاجتماعية الأخرى الفاعلة منذ السبعينيات، يمكن للتصحيح السياسي ان يغطي مناظرات متشعبة حول الذوق العام، والعرف البروتوكولي، والموقف والملبس وكذلك الأفكار والسياسات والبرامج. كما يشير أيضا الى الاحتجاجات ضد القولبة او التمثيل السلبي للجماعات المحرومة في الكتب والأفلام ووسائل الاعلام الأخرى. تجمع العبارة الاسمية كل هذا لتوحي بحركة منظمة، غالبا ذات مضامين فاسدة: (مكارثية جديدة)، (فاشية عقلية)، (صورة جديدة من صور السيطرة الفكرية)، (ضحايا الثورة).
مع ذلك فان الاستعمال الغربي في الديمقراطيات الليبرالية (للتصحيح السياسي) او (العميق أيديولوجيا) الذي يؤكد او يسخر معا من التوافق الورع مع معايير لجماعة (خط الحزب)، او تفكير (الخط الصحيح) ظهر بين دعاة النسوية، وسلطة السود، والحركيين المناهضين للحرب في بواكير السبعينيات.
نددت الفيلسوفة البنيوية جوليا كريستيفا بالصواب السياسي او التصحيح السياسي، ولعبت كريستيفا دورا أساسيا في وضع الأساس الفلسفي حوله في أمريكا، حيث ذكرت في عام 2001 في صحيفة نيو يورك تايمز تنديدها به وقالت أن أعمالها تعرضت للتشويه من قبل الأميركيين. ووصفت سياسات الهوية والصواب السياسي بصفة عامة بأنها شمولية.
في كتاب إلغاء بريطانيا، يقول بيتر هيتشينز: (ما يصفه الأميركيون ببساطة... "صواب سياسي" هو نظام فكري أكثر تعصبا للسيطرة على الجزر البريطانية منذ الإصلاح).
وقالت الأكاديمية كاميل باليا أن الصواب السياسي يمكِّن الأعداء من اليسار، وينفر الجماهير ضد الحركة النسوية.
يشير مقال بقلم لاري إلدر في مجلة FrontPage عن حادثة في برنامج بيل مار حيث تم استخدام مصطلح (الحثالة البيضاء)، في إشارة إلى ضيوف برنامج جيري سبرينغر وسأل (لماذا يجوز قول كلمة الحثالة البيضاء؟). تعليقا على هذا، ونقلا عن مثيل لهذا المصطلح في مجلة لامعة، سأل المدون إد دريسكول (لماذا نقبل تعريف "الحثالة البيضاء" في أمريكا الصائبة سياسيا؟).
يربط أستاذ جامعة بنسلفانيا ألان تشارلز كورز والمحامي هارفي سيلفرغيت الصواب السياسي بالفيلسوف الماركسي هربرت ماركوزه. ويعتقدون أن الأفكار الليبرالية عن حرية التعبير قمعية، بحجة أن هذا (المنطق الماركوزي) هو قاعدة حول رموز الكلام في الجامعات الأمريكية، والتي يراها البعض على أنها نوع من الرقابة. أنشأ كورز وسيلفرغيت لاحقا مؤسسة حقوق الفرد في التعليم، والتي تقود حملات ضد رموز الكلام الصائبة سياسيا.
بعض النقاد المحافظين يزعمون أن الصواب السياسي هو تقويض ماركسي للقيم الغربية. يصف وليام ليند وباتريك بيوكانان الصواب السياسي كتقنية نشأت من مدرسة فرانكفورت، من خلال ما يصفه بوكانان بأنه (ماركسية ثقافية). يقول بوكانان، في كتابه وفاة الغرب: (الصواب السياسي هو ثقافة ماركسية، وهو نظام لمعاقبة المعارضة ولمحاربة البدع الاجتماعية وكما حاربت محاكم التفتيش البدع الدينية، وعلامتها هي التعصب).
كانت هذه الاستعمالات لدى اليسار السياسي محصورة بالصيغة النعتية تقريبا وقد تلاعبت بالشكوك التي تحيط باختلاف التجربة التاريخية في القرن العشرين بين المبدأ والعقيدة، وبين التحرير والقمع. ولذلك حين اعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الاب، عام 1991 ان (فكرة التصحيح السياسي قد اشعلت جدالا لا ينتهي في الأرض).
انتابت الحيرة الحركيين اليساريين، مؤكدين انه لا وجود لمثل هذه الفكرة او الاسم. مع ذلك، فبإضافة اقتران صار نموذجا الان بين التفاهة السياسية (محاولات تدبر المحادثات الطارئة) والرعب (المتطرفون السياسيون يجوبون الأرض)، فان دعوى بوش بان حرية الكلام تتعرض للهجوم في المجتمعات الليبرالية اكتسحت وسائل الإعلام عالميا.
وحين انتشر العنوان الجديد في سياقات استعمال مختلفة، اتسع نطاقه ليضم جمهرة من الصراعات التي تظهر في البلدان الرأسمالية المتقدمة من التغير الاجتماعي، وإعادة البناء الكلي لمواجهة العولمة، وتفكيك دولة الرفاهية في أواخر القرن العشرين. القى بوش خطابه في جامعة متشيغان، وقد اثار في الولايات المتحدة نقاشا مستعرا حول النتائج في التعليم العالي لسياسة الأفعال الاثباتية المعدة حول تعزيز مشاركة الأقلية، حول شفرات الكلام لحماية الافراد من تعبيرات البغض والكراهية، حول مراجعة القانون لتنويع منهج مثقل بأعمال الذكور البيض الموتى، وحول النسبية التي يخشى بعضهم ان تفيض من التعليم الثقافي المتعدد. وأثارت هذه النقاشات بدورها دراسات عن استقطاعات التمويل وانحراف معدلات المشاركة الفعلية بخاصة لدى الطلبة السود التي تميز هذه الفترة. وقد رأى أحد النقاد في هذه التهم الموجهة للتصحيح السياسي (ساترا دخانيا) للتمويه على (تقزيم) التعليم العالي وحصر الوصول اليه، ورأى اخرون فيها (محاولة لتقويض ما هو عام) في حين وجد اخرون في الحروب الثقافية فرصة الانسانيات الكبرى التي تواتيها من سنين لبلوغ جمهور أكبر.
في أماكن أخرى خدم المصطلح اغراضا جدالية مختلفة. في اوربا، تحدث الاكاديميون عن التصحيح السياسي وكانه مرض امريكي، واحيانا كأنما هو مشكلة (بروتستانتية)، او (تطهرية).
في استراليا المتعددة ثقافيا من الناحية الرسمية، صار البيروقراطيون هدفا رئيسا لنقاد التصحيح السياسي. وكتب أحدهم بقسوة عن (التنوع الذي ترعاه الحكومة) بمعنى (التوافق الذي تفرضه وسائل الاعلام والأكاديميون والأحزاب السياسية والبوليس الفكري) كلها معا.
في كل مكان خلق هلع التصحيح السياسي تراثا لقضايا التضحية القائمة على النوادر والاشاعات الواهية. وقد استمرت هذه بالدوران على نطاق واسع، حتى وان تم تفنيدها، وبدت المتعة التي تعطيها اهم من قيمة دعاواها الحقيقية.
والواقع انه حين بدأ المصطلح يستنفد نفسه بالاستعمال الزائد، تبلور لب مرجعه كقلق واسع الانتشار حول سلطة اللغة وتعذر الحصول على الحقيقة في المجتمعات التي تشربت بالإعلام. وإذا تذكرنا نظام المدينة الفاسدة الذي خلقه جورج اورويل في 1984، فقد كان خصوم التصحيح السياسي وانصاره على السواء يتهمون بعضهم ب (الابهام).
هناك دلائل في الاستعمال المتأخر على ان (التصحيح السياسي) يرتد الى مصطلح بسيط للتعبير عن العقيدة القويمة. في الديمقراطيات الليبرالية ما زال يولد مشتقات ساخرة، مثل التصحيح الاقتصادي (وهو مصطلح عدواني للتعبير عن الليبرالية الجديدة)، او التصحيح المهني (مدافعا عن الانضباط). اما معناه في السياسات التسلطية فكلاسيكي. ويستطيع الكاتب المعاصر ان يرى في عام 2000 ان التعبير (قلب البلاد الصينية) كان اصح سياسيا من (صين قلب البلاد) للاستعمال في هونغ كونغ.
اضف تعليق