عليك أن لا تمرَّ عبر بوّابة الحياة مرور الكرام، بل ضعْ بصْمتَك التي تميّزك عن غيرك وامضِ قُدُمًا، فهناك مليارات من البشر يعيشون على هذه الأرض معك، ومنهم من رحل إلى العالم الآخر ومنهم من لا يزال ينتظر دوره في الانتقال من الدنيا إلى العالم الثاني...
عليك أن لا تمرَّ عبر بوّابة الحياة مرور الكرام، بل ضعْ بصْمتَك التي تميّزك عن غيرك وامضِ قُدُمًا، فهناك مليارات من البشر يعيشون على هذه الأرض معك، ومنهم من رحل إلى العالم الآخر ومنهم من لا يزال ينتظر دوره في الانتقال من الدنيا إلى العالم الثاني، فكم من هؤلاء أنجز منجزا يجعله مذكورا عند الأجيال القادمة ويخلّد اسمه ومنجزَه؟، وكم منهم أصرَّ على أن يحقق ذاته عبر هذا الإنجاز المتفرّد؟
تحقيق الذات Self-actualization)) كما يفسره العلماء المعنيون، هو حاجة الفرد للتعبير عن ذاته بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والوصول إلى أقصى ما يمكن تحقيقه من إمكانات وقدرات بقصد إشباع حاجاته، وإعادة حالة الاتزان التي تساعده في استخدام تلك الإمكانات والقدرات في خدمة الفرد والمجتمع، والقيام بأدواره ومسؤولياته وواجباته المعتادة.
استُحدث مصطلح تحقيق الذات في بادئ الأمر على يد المُنظر المناصر للنظرية العضوية كورت غولدستن بدافع تحقيق كامل الإمكانات الكامنة للمرء، إذ يقول: إن جُنوح النفس البشرية لتحقيق ذاتها على أكمل وجه ممكن، هو الدافع الأساسي دافع تحقيق الذات.
مجتمعات غنية بإنجازها
برز هذا المفهوم بصورة أكثر كمالًا في تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات، حيث يشغل تحقيق الذات فيه المستوى الأعلى من التقدم النفسي وذلك عند إتمام تحقيق كامل الإمكانات الكامنة للفرد. وهذا لن يتم إلا من خلال الإنجاز الذي يتمكن الإنسان من تحقيقه في مسيرته الحياتية من بين الملايين الذين يقاسمونه الأرض سكنا وحركة ونشاطا.
هنالك مجتمعات فقيرة بإنجازها، والسبب هو فقر الأفراد فيما يخص الاندفاع نحو تحقيق الذات، وهناك تبعات ومشكلات كثيرة تنتج عن فقر الإنجاز المجتمعي والفردي، منها قصور نمط العيش، والغوص في حياة الفقر والعوز والمرض والجهل، لأن المجتمع الخالي من الإنجاز يعيش فقيرا ليس في الإنجاز وحده، وإنما يعيش فقيرا في كل شيء، لماذا؟
لأن فقر الإنجاز ينعكس على حياة المجتمع في جميع المجالات، فسوف يكون مجتمعا فقيرا في التعليم، والصحة، والخدمات، لأنه فقير أصلا بالعوامل والعناصر التي تحقق ذلك الإنجاز، كالثقافة والاقتصاد والسياسة وسواها، وكلنا نعرف أن المجتمع المنجِز هو حصيلة مجموع الأفراد المنجزين، لهذا حين يكون الفرد منجِزا سوف يفيد نفسه ومن ثم يرتقي بمجتمعه في نفس الوقت، كونه يزيد ويقرّب المجتمع من درجة الإنجاز الجيدة التي تبعده عن الفقر.
إذا أراد قادة المجتمع من النخب، نقله من مجتمع متأخر متكاسل فاشل، إلى العكس، عليهم بتحريك نوازع الإنجاز فيه، على مستوى فردي وجمعي، وكلما ابتعد الناس عن قبضة (فقر الإنجاز) كانوا أقرب إلى المجتمعات المتقدمة، وكلما كان الفرد نازعا إلى الإنجاز المتميز يصبح فردا ذا مكانة عالية حاضرا ومستقبلا.
خطوات إجرائية لتحقيق الإنجاز
الكيفية التي ينتقل من خلالها الفرد والمجتمع إلى الإنجاز المتفرّد، معروفة، لكنها تحتاج إلى خطط علمية دقيقة ومدروسة، وفي نفس الوقت تحتاج إلى عقليات وخبرا وإرادة فاعلة لتحويل هذه الخطط من مجموعة رموز وكلمات وأفكار، إلى مجموعة خطوات عملية إجرائية تتحول إلى خطوات ملموسة في الواقع، وتغادر معناها اللفظي الفكري إلى محتواها العملي الملموس والمجسَّد على أرض الواقع.
ليس هناك أي تناقض بين الإنجاز الفردي والمجتمعي، على العكس من ذلك، إذا كانت البيئة الاجتماعية من النوع المنتِج، فإنها تشجع وتساعد وتحفّز الأفراد على الإنجاز، ولذلك فإننا بالفعل نلاحظ المبتكرين الذين طوّروا حياة البشرية في مجالات مختلفة هم علماء أفراد نشأوا وترعرعوا في حاضنات اجتماعية تساعد وتحث على الإنجاز. فليس هنالك تصادم بين المجتمع المنجِز وأفراده، لكن هذا لا يلغي الإرادة الفردية للتخلص من فقر الإنجاز.
الآفاق الممكنة لفتح بوابة الإنجاز أمام الجميع نجدها موجودة دائما في المجتمعات التي تبادر لتحقيق الذات، وتحفيز الإنجاز الفردي، وعدم وضع العراقيل أمام الأفراد، كما يحدث في بعض المجتمعات المتأخرة التي تقتل روح الإبداع والابتكار في عقول مواطنيها، وهذه العراقيل قد تكون رسمية عبر قوانين وإجراءات مثبطة ومكبِّلة، أو قد تبدر من الشرائح المجتمعية نفسها، حينما تختلق مجموعة من المعرقلات والتقاليد البالية التي تقتل الإنجاز.
نحن كمجتمع فتيّ نامٍ، لابد أن نتطلع إلى القضاء على فقر الإنجاز، ويجب أن يشعر الفرد بأنه ملزم بتحقيق ذاته، من خلال تحقيق منجز مهم يتم تسجيله باسمه، ويمتد إلى أولاده وأحفاده، فيصبحون هم أيضا منجزين في المجالات التي ينخرطون فيها، القضية هي نوع من الثقافة التي يجب أن تُشاع في المجتمع، وهي ثقافة الإنجاز، كسبيل للخلاص من فقر الإنجاز الذي يكبّل تفاصل حياة الفرد والمجتمع بالفقر.
اضف تعليق