نعني بالثقافة الحقوقية، مدى معرفة المواطن بحقوقه المدنية، ومن ثم كيفية حماية هذه الحقوق من الانتهاك السلطوي بأشكاله كافة، فعندما يعرف المواطن حدود الحقوق التي يحق له استخدامها في حياته اليومية، بكل أنشطتها الفكرية والعملية، فإنه بلا شك سوف يستعين بها لتحسين حياته، وعندما يلمس درجة تحسّن الحياة التي تقترن بممارسة الحقوق، عند ذاك سوف يسعى بكل ما يمتلك من وسائل وطاقات لكي يحمي تلك الحقوق من الانتهاك.
إذاً لابد أن نسعى جميعا لإتقان الثقافة الحقوقية، حتى نحتمي بها، ونطور بها حياتنا، لكن ينبغي أن نكون على استعداد دائم لمقارعة من يقوم بانتهاكها، لاسيما السلطات الحكومية المستبدة، التي ترفض منح المواطن حقوقه المدنية وحرياته الشخصية، الأمر الذي ينعكس على بناء الدولة، فتبقى هكذا دولة تقودها سلطة مستبدة في خانة التخلف والتراجع، الى أن يتحرك شعبها لتغيير الأوضاع، كما يحدث الآن في العراق على سبيل المثال.
ولا شك أن الحديث عن حقوق الإنسان كثقافة اجتماعية مستجدة في المجتمع يحتاج إلى جهد كبير بهدف تفريغ هذه الثقافة في موقعها الحقيقي وخاصة في المجتمعات التي تبنت مؤسسات حديثه تعنى بحقوق الإنسان وثقافتها، علما أن الأديان السماوية جميعا كلها حفظت للإنسان حقوقه، وفق ترتيب كفل لهذا الإنسان إمكانية التعامل مع الحياة وفق منهجية تحفظ حقوقه وحرياته الخاصة والعامة.
وكما يرى أحد الكتاب على سبيل المثال أنه يوجد في الدين الإسلامي بشكل خاص مفاهيم تقوم على حفظ الحقوق المشتركة والخاصة بين أفراد المجتمع في تركيبة ميسرة من الحقوق والواجبات التي يتم التعامل معها تلقائياً بين أفراد المجتمع الواحد وتحفظها التعليم الدينية.
أهمية تشريعات حقوق الانسان
ولعل التأكيد على دور الثقافة الحقوقية يندرج تحت بند الاهتمام في بناء الدولة المدنية المستقرة، لهذا ركّزت معظم التشريعات على أهمية حقوق الانسان، ومن أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في العام 1948 وأكد على قضايا رئيسة ذات علاقة بحق الإنسان الذي رزح تحت ويلات الحروب والكوارث الاجتماعية، ويذكر احد الباحثين أن هذا الإعلان الصادر عن منظمة الأمم المتحدة أكد على قضايا رئيسة تمس الحق البشري في ممارسة حياته، فالحريات الأساسية اشتملت على الحريات الشخصية ومنع التعذيب وحرية الفكر والرأي، وحرمة الملكية الخاصة، وحرمة المنزل والحياة الخاصة.
إذ لا يمكن بناء دولة مدنية في ظل سلطة مطلقة اليدين والصلاحيات، ولا يمكن بناء مجتمع لا يعرف أفراده ومكوناته ما هي حقوقهم القانونية المنصوص عليها عالميا في اعلان حقوق الانسان، او في الدستور، لذلك هناك وشائج قوية تربط بين ثقافة الفرد الحقوقية وبين القدرة على بناء دولة مدنية، قادرة على تلبية حقوق مواطنيها وحمايتهم من بطش السلطة، فيما لو فشل الدستور في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، كما يحدث دائما في الدول المستبدة، حيث يكون الدستور ورقة ذات مضامين شكلية لا يُعمل بها.
لذلك تبدو الحاجة أكثر من مهمة وأكثر من ماسّة في حياة الفرد والمجتمع والدولة، لهذا على الانسان أن يسعى لكسب هذه المعرفة، على الرغم من المصاعب التي تقف أمامه، فكما يؤكد أحد الكتاب أن (الكثير من أفراد المجتمع يدركون ثقافة حقوق الإنسان بطريقة تتجاوز بهم بيئتهم الاجتماعية، ولعل السبب في ذلك أن الجانب المعرفي في حقوق الإنسان اجتماعيا يعتبر مفقوداً إلى حد كبير وذلك بالتأكيد مرتبط بالحداثة في تشكيل مؤسسات حقوق الإنسان، في الحقيقة أن هذا النقص المعرفي يتطلب تكثيفا للوعي الحقوقي ونشر هذا الوعي في المؤسسات التربوية ومن خلال المؤسسات القضائية وتعريف الأفراد بما لهم وما عليهم في مراحل مبكرة من حياتهم لكي تصبح الثقافة الحقوقية جزءاً من بنائهم المعرفي).
وطالما أننا دولة لم تزل في مرحلة البناء وقيد التطوير، ولا زالت تعاني من عقبات كبيرة وكثيرة، خاصة ما يتعلق في بناء مؤسسات الدولة الدستورية او سواها، فإن هذا يجعل من حتمية اتقان الثقافة الحقوقية مسؤولية كبرى على الفرد والجماعة في والوقت نفسه، ولا شك أن إتقان الثقافة الحقوقية سوف يصب في صالح الجميع (الفرد، الدولة، المجتمع)، على الرغم من أنه يبدو فعلا فرديا.
المسؤولية جماعية تضامنية
علما أن تحقيق هذا الهدف لا يقع على عاتق الفرد وحده، وإن كانت المسؤولية في ظاهرها فردية تعتمد مبدأ الرغبة الذاتية في المعرفة، والبحث عن مصادر الثقافة الحقوقية وكيفية الحصول عليها وفهما ومن ثم الشروع بالعمل بها، ولابد أن نتفق أن الثقافة الحقوقية تنتمي الى السلوك الجمعي للمجتمع، بمعنى أن المجتمع عموما ينبغي أن يمارس ما تملي عليه الثقافة الحقوقية من اجل بناء الدولة المدنية القادرة على حماية حقوق الفرد والجماعة والدولة في آن واحد.
وهكذا تبدو المسؤولية في هذا المجال تضامنية، على الرغم من أنها قد تكون ميزة فردية، يتمكن من تحصيلها الانسان من خلال بذله لمجهود فردي، يسعى من خلاله الى تجميع اكبر قدر ممكن من المعلومات التي تتعلق بالحقوق المدنية، وما تعود به من فوائد على الفرد نفسه والحاضنة الاجتماعية التي ينتمي إليها، بالاضافة الى بناء الدولة، ولكن يبقى تحصيل الثقافة الحقوقية بالنتيجة جهدا جماعيا، فكريا وإجرائيا يقوم على الخطوات التالية:
- نشر الثقافة الحقوقية بين الجميع، من خلال المنظمات والقنوات المعنية، الرسمية منها والمدنية.
- سعي الفرد نفسه الى الجانب المرعرفي الذي يضمن له قدرا معقولا من الثقافة الحقوقية التي تؤهله لخوض غمار الصراع مع السلطة إن تطلّب الامر ذلك.
- للاعلام حصة واسعة في مجال نشر ثقافة الحقوق، من خلال قنوات التوصيل المتاحة.
- للحلقات الثقافية والادبية والفنية والدينية دور مهم وكبير في مجال نشر هذا النوع من الثقافة.
- الإيمان القاطع بأن بناء الدولة المدنية يعتمد على مقدار الثقافة الحقوقية للفرد والمجتمع.
- اتخاذ الخطوات العملية نحو تحصيل هذا النوع من الثقافة، وتسهيل الاجراءات العملية في هذا المجال.
- مؤسسات الثقافة ينبغي أن تؤدي دورها بصورة جيدة في هذا المجال.
- المؤسسة العلمية الجامعية ينبغي أن لا يغيب دورها، بل يجب أن يكون متقدما على سواه في مجال نشر الثقافة الحقوقية.
- مراكز الدراسات والبحوث يقع عليها عبء كبير ايضا، في مجال التشجيع على تحصيل الثقافة الحقوقية ونشرها.
- الجهد الحكومي ينبغي أن لا يضعف او يغيب، في حالة كون النظام السياسي ديمقراطيا مؤمنا بحقوق وحريات الشعب.
اضف تعليق