ما المانع من جعل العيد هو بداية الحياة السعيدة وتحويله الى نقطة تحول في حياة الانسان؟، فلكل منا همومه وما يضايقه بصورة مباشرة وبأخرى، لكن ومع ذلك لا تنتهي الحياة عند هذا الحد والعيد جاء ليخبرنا بالأشياء السعيدة الغائبة عن اذهاننا، وهو دعوة لبدء مرحلة جديدة وترك احمال الحزينة والمؤلمة وراء الظهر...
هل تختلف الفرحة بين الصغير والكبير؟، وهل للصغير أسبابه في الضحك والشعور بالسعادة ما يجعله مختلفا عن الأشخاص الكبار؟، وهل يأتي العيد خصيصا لهذه الفئة العمرية التي لا تزال غير مدركة لمشاكل الحياة وصعوباتها؟، العيد يخص الإنسانية جميعها، لكن قليل من يشعر فيه ويعيشه مثلما يتوجب، ليكون منطلقا نحو السعادة الدائمة.
تفرح الأطفال قبل العيد بأيام، ولعل السبب الحقيقي وراء هذه الفرحة المستترة، هو معرفتهم بحصولهم على أموال (عيديات)، من الاهل والاقارب عند زيارتهم خلال أيام العيد الثلاثة، وبذلك يكونوا على موعد مع صفقة مالية بصرف النظر عن حجمها وقيمتها، المهم انها جاءت ودخلت في حوزتهم ولهم حق التصرف بها.
وتجد الأطفال وضعوا لهذه الأموال البسيطة ألف خطة وخطة لكيفية انفاقها، فبعضهم يفضل شراء الملابس الجديدة وآخر يفضل اقتناء دراجة هوائية، وآخر يود شراء العاب الكترونية وغيرها من الحاجيات التي تتناسب مع أعمارهم، بينما الابوين ينشغلان بتوفير الأشياء الضرورية ومستلزمات العيد الذي ينفرد بعادات وتقاليد تختلف عن الأيام الأخرى.
جعل الله أيام العيد علامة فارقة بين الأيام، ولها مزية خاصة، فالأعياد تعني الوهج الذي ينتشر بين الحارات والبيوت، وتعني أيضا الفرحة الدائمة التي ينتشر عبيرها بين الافراد، فلا يوجد شعب من الشعوب الا وله مع العيد حكاية ومراسم خاصة، وهذه الخصوصية جاءت من قدرة الأيام الثلاث على غسل القلوب وتبديد الهموم والعيش بحالة اشبه بالمثالية، فالعيد يخلق الفرحة لمن لا فرحة له، وانيس من لا انيس له.
كنا في الصغر نتذوق حلاوة العيد في المأكل والملبس، تُحضّر لنا الام أجمل ما لدينا من الملابس، ورغم الحياة البسيطة، وقلة الحيلة بالنسبة لأولياء الأمور، يشعروننا بالمتعة وهم برفقتنا لزيارة قريب او صديق، اما اليوم فلا توجد للعيد سطوة بين الاهتمامات المنزلية، وكأنه يوم لا يختلف عن أيام الأسبوع المتعاقبة.
وقد يرجع ذلك الى اختلاف متطلبات الحياة والتعقيد الذي يرافق البشرية ويزداد يوم بعد آخر، ففي السابق جل ما يجتهد الانسان لتحقيقه في ايام هو الذهاب الى مدينة العاب القريبة من منطقة سكنه، وربما تكفيه كمية من النقود، لا يقتنع بها الطفل في عالم اليوم، اما اليوم ربما تصل السفرات الخاصة بالمناسبة الى زيارة دول أخرى ولا تكتفي بعض الاسر بالذهاب الى الأقارب او المنتجعات الداخلية، وبهذا التوسع في دائرة النفقات والحاجيات الخاصة في العيد فُقدت لذته وصار عبئ على الافراد وليس فرحة منتظرة.
ولان الشيء بالشيء يذكر فلا بد من ذكر الاكلات الشعبية التي اقترن وجودها في العيد، وتختفي في الشهور التي تتبع المناسبة السعيدة، ناهيك عن المعمول الذي تفوح رائحته في الازقة، وكأنه يطلق صفارة الإنذار بانتهاء أجواء الشهر الفضيل، ويدعونا للاستمرار في العيش بأجواء السعادة والرضى بما نحن عليه، ودوام الصحة والعافية التي من الله علينا بها.
المورث الشعبي غني بالكثير من العادات الجيدة والصفات الحميدة التي تجعل من المجتمع ثابت وقوي وتتجذر فيه الأشياء الثمينة التي لا يمكن الاستغناء عنها او التفريط بها، ومن بين هذا الموروث حزمة خاصة بأجواء العيد فلا يجوز ان تهجر البشرية الإرث الكبير الذي يسعى بكل تفاصيله الى اسعاد الافراد وادخالهم أجواء مميزة لا يمكن توفيرها او إيجادها في زمن كثرت فيه معالم التكنولوجيا وخيمت على المشهد، ومنعت التراث الشعبي من دوره.
ما المانع من جعل العيد هو بداية الحياة السعيدة وتحويله الى نقطة تحول في حياة الانسان؟، فلكل منا همومه وما يضايقه بصورة مباشرة وبأخرى، لكن ومع ذلك لا تنتهي الحياة عند هذا الحد والعيد جاء ليخبرنا بالأشياء السعيدة الغائبة عن اذهاننا، وهو دعوة لبدء مرحلة جديدة وترك احمال الحزينة والمؤلمة وراء الظهر، إكمالا لمشروع السعادة الذي وضع العيد اسسه وثبت دعائمه.
اضف تعليق